معركة قيس سعيد ضد الفساد: الشارع لازال في انتظار النتائج

87
معركة قيس سعيد ضد الفساد: الشارع لازال في انتظار النتائج
معركة قيس سعيد ضد الفساد: الشارع لازال في انتظار النتائج

أفريقيا برس – تونس. لازال الشارع التونسي يترقب نتائج المعركة التي أعلنها الرئيس قيس سعيد ضد الفساد واللوبيات منذ توليه الرئاسة والتي تحولت إلى أبزر رهاناته في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021.

وفيما يجمع المتابعون على أن المعركة ليست هينة وهي بمثابة استعادة الدولة التي تغلغل فيها الفساد على سنوات وعقود طويلة، إلا أنهم في المقابل يتساءلون عن قدرة الرئاسة على النجاح في هذه المعركة وكسب التحدي وتحقيق نتائج على الأرض ووضع حد لمخاوف الشارع أمام تواصل نفوذ اللوبيات واحتكارهم للمواد الأساسية ما قاد إلى غلاء المعيشة وتراجع مقلق في المقدرة الشرائية.

وأكد الرئيس سعيد مؤخرا على أن” البلاد في سباق ضد الساعة لكسب الحرب ضد الفساد والمفسدين واللوبيات الذين يتخفون وراء بعض الأشخاص”، كاشفا أنه” يتلقى يوميا العشرات من ملفات الفساد، منتقدا طول المسار القضائي في هذا المجال رغم توفّر المؤيدات وعدم تحمّل المسؤولين المركزيين والمحليين لمسؤولياتهم، وفق ما نقلته وسائل إعلامية محلية”.

كما شدد الرئيس التونسي خلال جولة تفقدية في ولايتي القيروان وسليانة على ضرورة أن يتحمل كل مسؤول في الدولة مسؤوليته تجاه الشعب، قائلا “إن من تسمح له نفسه بتجويع التونسيين سيتحمل مسؤليته كاملة، ولابد من وضع حد للمحتكرين وطرق التوزيع غير القانونية”.

مواجهة اللوبيات

تضع اللوبيات أيديها على قطاعات حيوية وعلى رأسها قطاع الحبوب حيث تحملها السلطة وغالبية الشارع مسؤولية النقص في المواد الأساسية في السنتين الأخيرتين وخاصة الخبز الذي يعد أحد أهم الوجبات الغذائية للتونسيين.

وبينما يؤكد الرئيس سعيد أن النقص والاحتكار هي أزمة مفتعلة حيث تقف ورائها هذه اللوبيات وبعض الأطراف التي كانت متحكمة في المشهد السياسي خلال العشرية لإضعاف شعبيته وإحباط مشروعه السياسي، ينتظر الشارع نتائج حقيقية تقوض نفوذ اللوبيات وتحقق انتعاشة اقتصادية طال انتظارها.

ويشير منذر ثابت المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس”إلى أنه “يجب التعاطي مع أمران خلال الحديث عن مفهوم مقاومة الفساد في تونس أولها التضرب الجبائي حيث يعلم الجميع أن نسبتها مرتفعة لعدة اعتبارات منها غموض الإجراءات الجبائية وعدم توحيد قاعدة البيانات التي يمكن أن تضبط كل فاعل اقتصادي على خارطة الجباية الوطنية.”

ويتابع “أما المستوى الثاني يتعلق بالإثراء غير الشرعي ومن أهم عناصره القروض التي منحت من البنوك العمومية ولم تسترجعها الدولة وقد منحت لرجال أعمال في فترات مختلفة من حكم بورقيبة وبن علي.. هذا جزء من إشكاليات الفساد إضافة إلى الامتيازات غير الشرعية التي منحت في السابق من أجل تشكيل طبقة برجوازية وهو ما يسعى قيس سعيد لمراجعته”.

ويعلق “لقد طرح ذلك كاستحقاق من خلال بعض تقارير الصندوق النقد الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لتونس وطبعا المسألة تتعلق بغياب الشفافية المالية وهذا ما يفتح الباب على ملف هام وهو ملف المؤسسات العمومية التي يقول الرئيس سعيد أنه تم تفليسها بطريقة ممنهجة وتم التفويت فيها بأبخس الأثمان وفي الواقع هناك غموض في عملية الخوصصة التي وقعت.”

وفيما يخص معركة الفساد الدائرة حاليا، يلفت ثابت “أن الاقتصاد في تونس اقتصاد ريعي يقوم على احتكار عائلات على جل القطاعات الاقتصادية الهامة وأن تواجد جل هذه اللوبيات هو نتيجة لتحكمها وتنفذها في سلطة القرار ما جعلها تعيق عمل الشركات الصغرى والمتوسطة ومشاريع الباعثين الشبان.”

وفي تقديره فإن “هذه اللوبيات تحكمت في المواد الأساسية لكن في المقابل أيضا هناك أزمة اقتصادية وأزمة في المالية العمومية وأزمة عالمية في علاقة بالتضخم وندرة تزويد السوق بالمواد الأساسية، لكن في تونس الأمر مضاعف باعتبار المعطيات سالفة الذكر.”

ووضع الرئيس سعيد محاربة الفساد على رأس أولويات الدولة في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، وحسب رأيه فإن “أن إصلاح الأوضاع في البلاد لا يمر إلا بمواجهة الفاسدين في مختلف القطاعات وداخل الإدارة”.

وشنت الدولة حربا مفتوحة ضد قطاعات حيوية مثل القطاع البنكي الذي يعتبر أكثر القطاعات حساسية في البلاد، كما اقترحت الرئاسة لاسترجاع الأموال المنهوبة من الدولة قانونا للصلح الجزائي مع رجال الأعمال الموقوفين مقابل خروجهم من السجن غير أن هذا الملف لم يحقق تقدما ملموسا إلى الآن، حسب استنتاجات المتابعين.

ويرى صهيب المزريقي القيادي بحركة البعث في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه” لابد في البداية من تبيان أن مكافحة الفساد هي سياسة كاملة تعتمد على تصور وتمشي علمي وليست مجرد عملية تقنية أو فنية، ومدى نجاح عملية مكافحة الفساد يقاس بالنتائج واليوم نرى فعلا أن كبار المفسدين والرأسماليين غير الوطنيين أمام الفضاء والمحاكم كتمشي منهجي قانوني بهدف ضمان العدالة”.

ويضيف “بالتوازي مع ذلك نشهد اليوم تعديلات لقانون الصلح الجزائي يمنح لأعضاء أكثر حرية في أخذ المبادرة والعمل الإستقصائي بالتعاون مع لجنة التحاليل المالية مع التسريع في عملية الصلح وعدم إرجاء التعاطي مع القضايا كما كان سالفا.”

وأردف”أعتقد أن سياسة مكافحة الفساد لا تعتمد بالأساس على ضرب أو إستهداف رجال الأعمال كما يروج له و كان رئيس الجمهورية قد عبر عن ذلك عند لقاءه وزيرتي التجارة و المالية مؤخرا”.

وحسب المزريقي فإن “المحاسبة شرط أساسي للإنتقال الثوري والديمقراطي كما أن المحاسبة لا تكون عامة إنما هي فردية تشمل كل من إستثرى بطريقة غير قانونية عبر الإستغلال الفاحش والتهرب الضريبي والإقتراض دون الإرجاع من الدولة كما كان ذلك مع البنوك العمومية.”

واستنتج أن “الغلاء الحاصل اليوم وفقدان المواد الأساسية فضلا على أن كل من حكومة بودن أو الحشاني كانت ضعيفة و لم تستطع أن تبلور أهداف 25 جويلية الإقتصادية والإجتماعية لمنجز ملموس حيث اصطدمت بلوبيات ومافيات أكبر حتى من للدولة في خضم تغولها اليوم و تحكمها في مقدرات الشعب التونسي.”

ورقة الصلح الجزائي

بينما تثمن أوساط سياسية مرسوم الصلح الجزائي لاسترجاع الأموال المنهوبة، إلا أنه خطوة غير كافية لإرضاء الشارع الذي مل الشعارات وسياسة المماطلة والوعود.

واعتبر أسامة عويدات القيادي بحركة الشعب في حديث لـ”أفريقيا برس” أن ” مسار مكافحة الفساد لا يختصر في الصلح الجزائي..الصلح الجزائي هو خيار اختاره الرئيس سعيد لإرجاع مال التونسيين إليهم وهذا أمر ضروري حتى نذهب إلى استرجاع الأموال وتليينها والذهاب بها نحو التنمية للمناطق الأكثر فقرا حتى ننجز فيها المشاريع.”

وبالنسبة لعويدات فإن “مكافحة الفساد بشكل عام تتطلب خطة واستراتيجيا واضحة من الدولة وليس مجرد عمليات لضرب فساد بعينه، حيث يجب أن تكون هناك خطة شاملة منخرطة فيها الدولة لمحاربته. “ومن شأن استشراء الفساد أن يواصل تعطيل المشاريع في الجهات حيث هناك مشاريع تنموية معطلة على حساب مصالح الشعب والمجموعة الوطنية والدولة التونسية ككل”، حسب تعبيره.

وجدد التأكيد على أن “المرحلة تتطلب خطة واستراتيجية عامة تنخرط فيها الدولة بشكل واضح وهو ما يتم عمله بالتنسيق مع الوزارات وتكون خطوة عملية بالنسبة للوضع المعيشي عندما تضح الأموال في خزينة الدولة حيث سينجم عنه حالة من الانتعاش على مستوى المالية العمومية، وبالتالي يجب أن تنتصر الخطة والجهود لشعار التعويل على الذات وتفكيكه إلى آليات عمل حقيقية حينها يخفف غلاء المعيشة وتنتعش المالية العمومية ويقع التخفيف على الشعب.

وتتهم أصوات معارضة الرئيس سعيد بانتهاجه سياسية ممنهجة ضد رجال الأعمال وأن المعركة ضد الفساد هي معركة انتقائية تطال كل من يعيق مسار 25 جويلية، حيث يوظف الرئيس هذه المعركة في إطار تصفية الخصوم لتحقيق مكاسب سياسية والحفاظ على قاعدته الشعبية التي اختارته في انتخابات 2019 لنزاهته و “أياديه النظيفة”.

ويستبعد باسل ترجمان المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “استهداف رجال الأعمال تأتي من خلال سياسة يقودها الرئيس سعيد وقد قالها صراحة أنه لا يستهدف أي رجل أعمال لكنه يستهدف من اعتبرهم مورطين في الفساد وهم من مجموعة اللوبيات التي تسببت في الكثير من المشاكل التي تعيشها في تونس في هذه المرحلة.”

ويقول “حين نتحدث عن قضايا لها علاقة برجال الأعمال فإنه ليس هناك استهداف من قريب أو بعيد وكأنها سياسة ممنهجة تهدف إلى ضربهم ومعاقبتهم هذا أمر غير صحيح بالمطلق.”

وفيما يخص قضية غلاء المعيشة وقلة المواد الأساسية هي نتيجة طبيعة لتراكمات عاشتها تونس في العشرية الماضية وهذا أمر يعرفه الجميع على غرار لوبيات الفساد التي تغلغلت في البلد فيما تحاول الدولة جاهدة أن تجد حلولا لها وهي من الأزمات التي يعاني العالم ككل منذ جائحة كورونا، وفق ما ذكره ترجمان.

ورغم السوداوية في التعاطي مع واقع الاقتصاد المحلي، يلاحظ ترجمان “حلولا جدية بدأت تظهر في الأفق التونسي من أجل الخروج من هذه الأزمات، وأهم ما يجب أن نراه أن تونس نجحت في سداد كافة المستحقات والديون التي عليها في 2023 دون اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي وهذا أمر يعتبر مساعدا ومساهما في تدعيم الثقة في الاقتصاد الوطني وقدراته.”

سياسة حكومة خاطئة

تلفت أوساط سياسية وحقوقية أن أداء الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 هو المسؤول عن استشراء الفساد في البلد، حيث التهت الحكومات في المعارك الحزبية وطموحها السياسي على حساب أبرز الملفات التي تكلف الاقتصاد المحلي خسائر مالية جسيمة.

وفي حين ينتظر الشارع عدالة إجتماعية من خلال محاسبة المفسدين ووضح حد لنفوذ اللوبيات المتهمة الأولى باحتكار المواد الأساسية، إلا أن الحكومات لم تنجح في تطويق نفوذهم حيث اصطدمت جهودهم بضغوط ونفوذ الأحزاب الحاكمة.

وأبرز مصطفى عبد الكبير مدير المعهد التونسي لحقوق الإنسان لـ”أفريقيا برس”أن”مقاومة الفساد عادة ما تكون باعتماد مقاربة وإستراتيجية قانونية تشارك فيها كل الهياكل المعنية أمنيا وقضائيا والمكلف العام بنزاعات الدولة وكل الهياكل التشريعية إضافة إلى المنظمات الوطنية والمجتمع المدني الذي يجب أن يكون شريكا فاعلا حتى نؤسس مناخ ثقة يجعل كل الأطراف المعنية بالمتابعة والتدقيق والملاحقة على استعداد تام الانخراط في هذا المسار.”

واستدرك”غير أن قيس سعيد وضع مسارا آخرا ومغايرا يعتمد على التخويف والترهيب والتهديد والوعيد موظفا السلطات الأمنية والقضائية، وقد رافق هذا المسار لغط وانتقادات وتجاوزات في أحيان أخرى لذلك فإن الأهداف التي كانت مروجة لم تتحقق واستهدفت أفرادا معينين ولم تكن مسارا شاملا كما يجب أن يكون في دولة القانون والمؤسسات”.

ووفق عبد الكبير فإن “الاعتقاد بأن اللوبيات والفاسدين والمحتكرين يقفون وراء غلاء وقلة المواد الغذائية اعتقاد خاطئ ولا أساس له من الصحة بل مجرد وهم لأن الواقع والحقيقة يؤكدان أن خيارات الحكومة التونسية بصرف كل مداخيل السياحة لهذا الموسم إضافة إلى مداخيل العمالة التونسية من العملة الصعبة في سداد القروض وعدم تخصيص جزء من هذه المداخيل لجلب المواد المصنعة والنصف مصنعة من مواد غذائية وأدوية المضافة إلى شح السيولة بالموازنة العامة للدولة هي وراء كل ماهو حاصل الآن.”

وخلص بالقول”عدم تدارك هذا الأمر سريعا سيؤدي إلى توتر المناخ العام بالبلاد وعلى الحكومة أن تصارح الشعب بذلك وأن تقوم بإصلاحات حقيقية تؤدي إلى الانفراج التدريجي والتخفيف من معاناة المواطن..”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here