آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار الناشط السياسي معز الحاج منصور في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن “الدولة العميقة هي الدولة الفعلية في تونس، في ظل مساعيها إلى ترذيل صورة النظام في الداخل والخارج، وسعيها إلى التحرك للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها، خاصة في القطاع البنكي”. وبرأيه، “لا يمكن تحقيق أية إصلاحات اقتصادية واجتماعية إلا بتفكيك المافيا البنكية وتقليم أذرع الدولة العميقة”.
واستبعد “أي فرص للحوار الوطني في تونس، وذلك بسبب ضعف المعارضة وعجزها وفشلها، وبسبب خسارة الحركة النقابية، المتمثلة في اتحاد الشغل، لجاذبيتها وقوتها، حيث باتت تتجنب مواجهة السلطة”.
كما يبدو أن “الرئيس قيس سعيّد لا يؤمن بالمفاوضات، لذلك لن نرى حوارًا وطنيًّا في الآجال القريبة، ولن يحدث ذلك إلا بتغير موازين القوة الاجتماعية التي لا تزال في صالح الرئاسة”.
واعتبر أن “وضعية حقوق الإنسان في تونس لم تتبدل منذ زمن بورقيبة إلى اليوم، وبالنسبة إلى سياسات مرحلة قيس سعيّد، فهي تحتاج إلى إفراغ السجون وتخفيف الحلول الأمنية والقضائية في مواجهة المخالفين. هذا ضروري في هذه المرحلة، لكن هنالك من هو في دائرة القرار لا يرى هذا الرأي”، وفق تقديره.
ومعز الحاج منصور هو ناشط سياسي تونسي، وباحث ومحلل سياسي.
ماهي قراءتك لمنع عقود المناولة في تونس، هل من شأن هذه الخطوة أن تساهم في تحقيق استقرار اجتماعي أم مجرد استعراض شعبوي؟
منع عقود المناولة انجاز تشريعي وقانوني هام، فهو یعلن إيقاف العبودية المنظمة لنظام اقتصادي قائم على الإقطاع المالي، وهذا المنجز القانوني مكن قيس سعيد من استرجاع جزء من شعبيته التي خسرها بسبب البطء الإداري، وغياب القدرة على تغيير الواقع الاجتماعي القائم على الظلم الطبقي بين أقلية ثرية تمتلك كل شيء وبين أغلبية مفقرة لا تملك شيئا، لكن تعديل قانون الشغل لا يعني أنه لن يكون له أثر اقتصادي واجتماعي على المدى القريب، ويجب الاعتراف بأن حكومة قيس سعيد لم تستطع إلى اليوم إحداث ثلمة في الجدار، هنالك عجز في كل الوزارات والسلط المحلية عن تغيير الواقع، قد يكون ذلك بسبب قوة الدولة العميقة في تونس.
هل مازال هناك فرصة لتنظيم حوار وطني في تونس، والتوجه نحو صياغة حلول مشتركة بين كل الأطراف لإنقاذ البلاد؟
الحوار الوطني أصبح مصطلحا باليا ينتمي إلى الماضي، هنالك مشهد سياسي قائم على ثنائية المنتصر والمنهزم، المعارضة اليوم كانت بالأمس في الحكم إلا أنها بمجرد هزيمتها السياسية في 25 جويلية 2021 انهارت تماما، واتضح أنها كانت أحزابا كارتونية مصنوعة من ورق، النهضة وحدها كانت جسما سياسيا صلبا في سنة 2011، لكنها تٱكلت واهترأت وخسرت كل شعبيتها بسبب تحالفها مع الفساد وفشلها في إدارة الدولة، بقية الأجسام السياسية ضعيفة جدا لا شعبية لها، فهي إما أحزاب عائلية أو أحزاب من بقايا التيارات اليسارية المتشظية، وبسبب ضعف المعارضة وعجزها وفشلها لن يذهب النظام إلى الحوار، كما أن الحوار يقتضي تقديم تنازلات بين هذا وذاك.
علينا أن ننتبه أيضا أن ضعف المعارضة لا يعني قوة النظام، ومن الغباء أن يعتقد النظام القائم أن عجز المعارضة بسبب قوته، وإنما بسبب فشلها في إدارة الدولة وخسارتها لثقة الناس فيها، ثم إن السلطة في قصر قرطاج تتمركز حول شخصية قيس سعيد التي ما تزال تتمتع برصيد شعبي وإن خسر جزءا منها.
وهناك من بعيد في ظل الأكمة ينحبس اتحاد الشغل ويتوقف عن الحراك والفعل، لقد خسرت الحركة النقابية جاذبيتها وقوتها وهي تلتوي على نفسها لتقليل حجم الخسائر، لقد انسحبت من مربعها التقليدي في مواجهة أية سلطة قائمة وهي تتجنب المواجهة، وقد تكون الفرصة ملائمة للرئيس قيس سعيد كي يعقد اتفاقا طويل الأمد مع اتحاد الشغل، مثلما كان عليه الأمر في منتصف التسعينات بعد اعتقال أمين عام اتحاد الشغل إسماعيل السحباني وقتها وإلى حدود 2010، هو اتفاق ترويض للاتحاد مقابل مظلة اجتماعية طويلة، لكن يبدو أن الرئيس قيس سعيد لا يؤمن بسياسة المفاوضات، وأن ما يؤخذ بالسلم والعقل أفضل مما يؤخذ بالقوة، قيس سعيد شخصية ثابتة صلبة عنيدة لا يقبل بالحوار والمفاوضة، لذلك لن نرى حوارا وطنيا في الٱجال القريبة، ولن يحدث ذلك إلا بتغير موازين القوة الاجتماعية التي لا تزال في صالح قيس سعيد.
من المرتقب تنظيم مؤتمر وطني حول الحقوق والحريات في تونس، هل سيساهم هذا الحراك الحقوقي في مراجعة السلطة لسياساتها في هذا الملف تجنبا لمزيد من الانتقادات والضغوط وحفاظا على شعبيتها؟
ملف الحقوق والحريات في تونس ملف تحتكره بعض المنظمات والجمعيات والشخصيات القديمة سياسيا.. للأسف هذا الملف تحركه في الخفاء سفارات الدول الغربية تمويلا بالأموال وإشهارا في وسائل الإعلام، وهذه المنظمات الممولة من الخارج، والتي تدير علاقات مع السفارات تتخذ من قضايا الحقوق والحريات منصة للتجارة السياسية، والسفارات تتخذ الملف الحقوقي وسيلة للمناورة والضغط على الحكومة التونسية، أما في الواقع فإن وضعية حقوق الإنسان لم تتبدل منذ زمن بورقيبة إلى اليوم، بعد 2011 كانت هنالك مساحيق وماكياج عن منجزات مزيفة، كانت الحقوق والحريات حكرا على أتباع الأحزاب والمنظمات فقط، أما الشعب فهو مسحوق ومطحون.. الأحزاب حين كانت في السلطة حاكمت مدونين ومنعت صدور صحف ولم يتم إصلاح مؤسسة السجون، بل تمت المصادقة على عقوبات قاسية في الجرائم المالية، وكان هنالك تسامح في قضايا فساد مالي، وبالنسبة إلى سياسات مرحلة قيس سعيد فهي تحتاج إلى إفراغ السجون وتخفيف الحلول الأمنية والقضائية في مواجهة المخالفين هذا ضروري في هذه المرحلة، لكن هنالك من هو في دائرة القرار لا يرى هذا الرأي.
هل ستتجه أزمة اتحاد الشغل نحو الانفراج بعد اعتذار الطبوبي، أم أنها أزمة أعمق من ذلك وقد تشهد المنظمة مزيدا من الصراعات؟
اتحاد الشغل يمر بأزمتين: أزمة في علاقاته بقصر قرطاج تتصف بالقطيعة السياسية وغياب أي أفق للحوار، وأزمة داخلية تتعلق بالتمديد للمكتب التنفيذي الحالي، ولا يمكن تجاوز الأزمتين إلا بالمرور إلى عقد مؤتمر استثنائي تصعد بمقتضاه وجوه جديدة تقود الاتحاد تكون قادرة على جمع شمل النقابيين وتجميع قوتهم، وفي كل الأحوال اتحاد الشغل قوة كامنة، غائبة اليوم لكنها أقدر جسم مهيكل قادر على لعب أدوار سياسية واجتماعية مؤثرة، هو اليوم أشبه بالمارد في قمقمه، ومن الحكمة أن يدرك الرئيس قيس سعيد أن مقتضيات الحكم تتطلب احتواء المارد وهو حبيس القمقم.. احتواؤه بالمحاورة والمشاركة.
كيف تتحرك الدولة العميقة في تونس لأجل إعاقة محاولات الدولة للنهوض والبناء من جديد؟
الدولة العميقة هي الدولة الفعلية، هذه الدولة كانت تختبئ خلف يافطات الأحزاب والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام، في رأيي الدولة العميقة في تونس يحكمها الإقطاع المالي من أرباب البنوك، هم أكبر شيطان اقتصادي في البلد يمتلكون كل الرخص والامتيازات والثروات، وهم من يتحكم في التعيينات والتسميات في المراكز الحساسة في كل الوزارات، هم أحيانا يخترقون قصر الحكومة بالقصبة وحتى في قصر قرطاج لهم عيونهم. اليوم يخوضون صراعا ضد قيس سعيد على جبهتين: جبهة المعارضة إذ يمولونها بالأموال في الداخل والخارج عبر تحريض الحملات الإعلامية لترذيل النظام وزعزعة ثقة الشعب فيه. وفي جهة ثانية هم يتقربون من حاشية القصر ومن الشخصيات النافذة المؤثرة في الرئيس لضمان استمرار امتيازاتهم واستمرار مصالحهم، ولا يمكن في تونس أن تتحقق أية إصلاحات اقتصادية واجتماعية إلا بتفكيك المافيا البنكية وتقليم أذرع الدولة العميقة.
أبدت تونس مؤخرا استعدادها لاستضافة حوار ليبي برعاية أممية من أجل التوصل إلى حل سياسي ووقف أعمال العنف، هل تعتقد أن تونس بدأت تشعر بأن الوضع في ليبيا بات يهدد أمنها بصفة جدية، وأن عليها التدخل في أقرب وقت؟
الأزمة في ليبيا تطورت وتعقدت، ليبيا لم تعد دولة واحدة، هي دولتان، وسوف تنقسم إلى دويلات، في طرابلس وحدها لدينا 4 مليشيات تحكم العاصمة، والمخطط الأمريكي يدفع إلى تقسيمها إلى دويلات، ولن تسمح واشنطن بقيام دولة قوية موحدة في ليبيا، والهدف هو الهيمنة على منابع النفط والغاز والمعادن النادرة، دور تونس ضعيف جدا، وكذلك دول الجوار مثل مصر والجزائر، أدوارها غائبة بسبب قوة الضغط في السياسة الأمريكية، وما يحدث في ليبيا هو جزء من مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط.
هل برأيك هذه المبادرة التونسية في الملف الليبي تأخرت أكثر من اللازم، وأن الوقت لم يعد يسمح للحياد لحماية أمنها القومي؟
الموقف التونسي لن يكون مؤثرا إلا متى كان موقفا جماعيا يضم مصر والجزائر، عدا ذلك فهي محاولات يائسة في مقابل تدخل مكشوف أمريكي بريطاني تركي فرنسي روسي إماراتي قطري إسرائيلي، كلها تنحرك في الجغرافيا السياسية الليبية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس