ممدوح عز الدين: تونس بحاجة لمقاربة شاملة لمواجهة الانتحار

30
ممدوح عز الدين: تونس بحاجة لمقاربة شاملة لمواجهة الانتحار
ممدوح عز الدين: تونس بحاجة لمقاربة شاملة لمواجهة الانتحار

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. ارتفعت ظاهرة الانتحار في تونس بشكل لافت ومقلق في الآونة الأخيرة، خاصة في صفوف الشباب والأطفال، الأمر الذي يعكس مناخ الإحباط واليأس الذي استشرى بالبلاد بسبب تداعيات الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

وقدم ممدوح عز الدين، الباحث في علم الاجتماع، في حواره مع “أفريقيا برس” قراءة لعوامل انتشار ظواهر مثل الانتحار والعنف في المجتمع التونسي، وبَرايِهِ فإن “تونس بحاجة إلى مقاربة متكاملة لمواجهة تزايد حالات الانتحار، حيث يبدأ الحل من الأفراد ثم يمتد إلى إصلاحات على مستوى الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، مع تدخل فاعل من المجتمع المدني والدولة لضمان بيئة اجتماعية حاضنة وداعمة تقي الأفراد من دوامة اليأس والانتحار.”

واعتبر أن “نفور الشباب من الشأن العام يعكس أزمة ثقة عميقة في المؤسسات السياسية والاجتماعية، كما أن الإحساس بالعجز السياسي، الناتج عن شعور الشباب بأن النظام مغلق أمام التغيير الحقيقي، عمّق من هذه الأزمة”، وفق تقديره.

وممدوح عز الدين هو أستاذ علم اجتماع في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في تونس. مختص في سوسيولوجيا الصورة وسوسيولوجيا التربية والشباب، وقد شارك في مؤلف جماعي صدر عن دار المقدمة سنة 2025 بعنوان “دراسات وآراء حول التربية الجنسية في تونس والبلدان العربية”، كما له عدة مشاركات في ندوات دولية، وقد نشر له العديد من المقالات المحكمة في دوريات ومجلات عربية حول المسألة التربوية والشبابية، كما نشر له عدد من المقالات في الصحف التونسية تخص الشأن العام.

كشف التقرير الشهري للمرصد الاجتماعي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن 40 في المئة من ضحايا الانتحار في تونس خلال الربع الأخير من سنة 2024، كانوا من الشباب، برأيك ماهي أسباب انتشار هذه الظاهرة في تونس، وماهي أهم الحلول التي يستوجب على الأسرة إتباعها لحماية أبناءها؟

لمواجهة تزايد حالات الانتحار في تونس، يجب اعتماد مقاربة شاملة تبدأ من الأفراد أنفسهم وتمتد إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمجتمع المدني والدولة.

على المستوى الفردي، من الضروري تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي عبر تشجيع الأشخاص، خاصة الأطفال والشباب، على التعبير عن مشاعرهم واللجوء إلى مختصين عند الحاجة. كما أن اكتساب مهارات التكيف مع الضغوط يساعد في التعامل مع الأزمات الحياتية، إضافة إلى ضرورة التخلص من الوصم الاجتماعي المرتبط بالمشاكل النفسية، وذلك من خلال نشر الوعي بأن اللجوء إلى المساعدة ليس دليلاً على الضعف، بل خطوة نحو الحل.

أما على مستوى الأسرة، فمن الضروري تحسين التواصل بين الأهل والأبناء عبر تكثيف الحوار القائم على الفهم والدعم عوضًا عن التوبيخ والعقاب، إلى جانب توعية الأولياء بأهمية الصحة النفسية وكيفية رصد علامات الاكتئاب والانتحار لدى أبنائهم. كما ينبغي خلق بيئة أسرية داعمة تقوم على الاحتواء والاحترام عوضًا عن العنف والتهميش.

وفيما يخص المدرسة، يجب إدماج التربية النفسية ضمن المناهج التعليمية لتعليم التلاميذ طرق التعامل مع الأزمات العاطفية والاجتماعية، إلى جانب تعزيز دور المستشارين النفسيين في المؤسسات التربوية لمتابعة التلاميذ الذين يعانون من مشاكل نفسية. كما ينبغي مكافحة العنف المدرسي والتهميش عبر خلق بيئة مدرسية دامجة تعزز الثقة بالنفس وتحارب التنمر والإقصاء.

أي مسؤولية لوسائل الإعلام وأيضا للدولة في التصدي لظاهرة الانتحار بعد انتشارها المقلق؟

تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في التصدي لهذه الظاهرة، إذ يجب أن تقدم تغطيات مسؤولة حول الانتحار، بعيدًا عن الترويج غير الواعي أو التصوير الرومانسي للظاهرة، والذي قد يؤدي إلى تعزيز سلوك التقليد لدى الفئات الهشة.

كما ينبغي على وسائل الإعلام تقديم بدائل إيجابية من خلال عرض قصص نجاح لأشخاص تمكنوا من تجاوز أزماتهم النفسية، مما يمكن أن يكون مصدر إلهام ودعم لمن يواجهون مشاكل مماثلة. إلى جانب ذلك، يتحمل المجتمع المدني مسؤولية كبرى في هذا المجال، حيث يجب أن يعمل على إطلاق حملات توعوية ميدانية تسلط الضوء على خطورة الظاهرة وأسبابها، بالتعاون مع خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس. كما ينبغي تعزيز خدمات الاستماع والدعم النفسي عبر توفير مراكز استقبال مجانية تقدم استشارات نفسية عاجلة، إلى جانب إنشاء مجموعات دعم للشباب تنظم أنشطة تفاعلية لمساعدتهم على تجاوز أزماتهم النفسية.

أما على مستوى الدولة، فمن الضروري توفير مراكز للصحة النفسية تكون مجانية ومتاحة للجميع، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات الصحية. كما يجب إطلاق إستراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار تدمج الجوانب الصحية والتعليمية والاجتماعية، إضافة إلى محاربة الفقر والتهميش عبر خلق فرص اقتصادية واجتماعية تقلل من مشاعر الإحباط واليأس لدى الشباب. علاوة على ذلك، ينبغي تحسين التشريعات المتعلقة بالصحة النفسية لضمان حصول جميع المواطنين على رعاية نفسية مناسبة دون أن يواجهوا عراقيل اجتماعية أو قانونية. بشكل عام، تحتاج تونس إلى مقاربة متكاملة لمواجهة تزايد حالات الانتحار، حيث يبدأ الحل من الأفراد ثم يمتد إلى إصلاحات على مستوى الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، مع تدخل فاعل من المجتمع المدني والدولة لضمان بيئة اجتماعية حاضنة وداعمة تقي الأفراد، وخاصة الشباب والأطفال، من السقوط في دوامة اليأس والانتحار.

كيف تفسر استشراء العنف في صفوف التلاميذ والشباب خاصة بالمؤسسات التربوية في السنوات الأخيرة؟

في الواقع أصبحت المؤسسات التربوية التونسية، خلال السنوات الأخيرة، مسرحًا لتزايد أعمال العنف بين التلاميذ، سواء فيما بينهم أو تجاه الإطار التربوي. هذه الظاهرة، التي كانت في السابق استثناءً، باتت اليوم جزءًا من الحياة المدرسية اليومية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول أسبابها وانعكاساتها وسبل معالجتها. يرى التلاميذ العنف داخل المدرسة كوسيلة لإثبات الذات أو كخيار دفاعي في مواجهة بيئة يعتبرونها غير عادلة أو غير آمنة. بالنسبة للبعض، يصبح العنف شكلًا من أشكال التمرد ضد السلطة التربوية أو الأسرية، خاصة في ظل شعور متزايد بانعدام الحماية أو بضعف آليات الإنصاف داخل الفضاء المدرسي.

أما الأولياء، فإن مواقفهم تتباين بين من يعتبر أن العنف المدرسي نتيجة طبيعية لتوترات اجتماعية واقتصادية متزايدة، ومن يرى أن تراجع دور الأسرة والمدرسة في التربية هو السبب الرئيسي لهذا الانفلات السلوكي. بالنسبة للإطار التربوي، فإن العنف يعكس فقدان المدرسة لهيبتها وضعف سلطتها الرمزية، خاصة في ظل غياب أدوات ردعية فعالة، بينما ينظر المجتمع إلى هذه الظاهرة باعتبارها تجسيدًا لحالة التراجع القيمي والفوضى الاجتماعية التي باتت تميز المشهد العام، لذلك يرتبط تفشي العنف المدرسي بجملة من العوامل المتداخلة، التي تتوزع بين أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية. فمن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وقد أدى ارتفاع معدلات الفقر والتهميش إلى خلق بيئات أسرية غير مستقرة، ينعكس توترها بشكل مباشر على الأطفال والمراهقين، مما يولد لديهم استعدادًا أكبر للعنف. في الوقت نفسه، تراجع دور الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في ضبط السلوكيات، في ظل انشغال الأولياء بصعوبات الحياة اليومية وتراجع سلطة المؤسسات التقليدية التي كانت توفر التوجيه والتأطير.

هل بوسع البدائل الثقافية والفنية والرياضة أن تساهم في الحد من هذه الآفة التي تهدد التماسك الأسري والاجتماعي؟

من الناحية الثقافية، ساهمت التحولات القيمية في انتشار تصورات جديدة للقوة والنجاح الاجتماعي، حيث أصبح العنف وسيلة لإثبات الذات بدلًا من الحوار والتفاهم. كما أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا في تطبيع العنف، سواء عبر المحتويات العنيفة التي تروج لها، أو من خلال تسليط الضوء على حوادث العنف المدرسي دون تقديم مقاربات تحليلية أو تربوية عميقة. أما من الناحية التربوية، فإن الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، وتراجع جودة التعليم، وغياب برامج متخصصة في التربية على اللاعنف، كلها عوامل ساهمت في تأزيم الوضع.

يضاف إلى ذلك أن المدارس تعاني من نقص واضح في الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين القادرين على متابعة الحالات المعقدة ومعالجتها بفعالية. على الرغم من وعي الدولة بتفاقم العنف المدرسي، فإن السياسات العمومية في هذا المجال ظلت محدودة التأثير. في بعض الأحيان، لجأت الدولة إلى اعتماد مقاربة زجرية، تقوم على تشديد العقوبات ضد التلاميذ المتورطين في أعمال العنف، لكن هذه المقاربة أثبتت محدوديتها، إذ لم تؤدِّ إلى الحد من الظاهرة، بل في بعض الحالات ساهمت في تفاقمها من خلال خلق حالة من التوتر الدائم داخل المؤسسات التربوية. من جهة أخرى، تم إطلاق بعض البرامج التوعوية حول التربية على اللاعنف، لكنها ظلت مبادرات جزئية، لم تُعمَّم على جميع المدارس، ولم تحظَ بالدعم الكافي لضمان استمراريتها. ورغم وجود أخصائيين اجتماعيين في بعض المؤسسات، إلا أن عددهم لا يكفي لتغطية جميع الحالات، فضلًا عن محدودية الإمكانيات التي توفرها الدولة لهم.

ماهو تقييمك لمبادرات المجتمع المدني ودوره التوعوي للحد من مظاهر العنف في المجتمع التونسي؟

بالفعل، قامت بعض الجمعيات والمبادرات المدنية بمحاولات لنشر ثقافة السلم داخل المؤسسات التربوية، لكن هذه المبادرات ظلت بدورها محدودة ولم تحظَ بدعم مؤسساتي يضمن استدامتها وتوسيع نطاق تأثيرها. في مواجهة هذا الوضع، يصبح من الضروري البحث عن حلول أكثر شمولية، تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل المؤثرة في العنف المدرسي.

في هذا السياق، لا بد من إعادة الاعتبار لدور الأسرة في التنشئة، من خلال توفير برامج إرشاد ودعم للأولياء، خاصة في الأوساط الاجتماعية الهشة، لمساعدتهم على التعامل مع مشاكل أبنائهم بأساليب أكثر فاعلية. كما أن تحسين البيئة المدرسية يظل شرطًا أساسيًا لتقليص العنف، وذلك عبر الحد من الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، وتحسين البنية التحتية للمدارس، وإدماج برامج متخصصة في التربية على اللاعنف داخل المناهج التعليمية، بحيث يتعلم التلاميذ منذ الصغر طرقًا سلمية لحل النزاعات. من الضروري أيضًا تكوين الإطار التربوي، ليس فقط في الجوانب الأكاديمية، بل أيضًا في استراتيجيات التدخل الفعّال لمواجهة العنف داخل الفضاء المدرسي. كما ينبغي تعزيز وجود الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل المدارس، لضمان متابعة أكثر دقة للحالات التي تتطلب تدخلًا خاصًا.

أما على مستوى السياسات العمومية، ينبغي تجاوز المقاربة العقابية، التي أثبتت محدوديتها، لصالح سياسات وقائية أكثر فاعلية، تعتمد على إشراك المجتمع المدني في وضع وتنفيذ استراتيجيات مكافحة العنف المدرسي، مع تعزيز الأنشطة الترفيهية والرياضية داخل المؤسسات التربوية، باعتبارها متنفسًا ضروريًا للتلاميذ يساعدهم على تفريغ طاقاتهم بشكل إيجابي. إن العنف المدرسي ليس مجرد ظاهرة معزولة، بل هو انعكاس للتحولات الاجتماعية والقيمية التي يشهدها المجتمع التونسي. لذا، فإن أي محاولة لمعالجته لا يمكن أن تقتصر على المدرسة وحدها، بل يجب أن تشمل العائلة، والسياسات الاجتماعية، والمقاربات التربوية، لضمان بناء بيئة مدرسية أكثر أمانًا واستقرارًا، تسهم في تربية أجيال قادرة على التفاعل السلمي والإيجابي مع محيطها.

هل هناك لبس في التعامل مع النصوص التشريعية الخاصة بالأسرة وحقوق المرأة في تونس، وإلى أي مدى وقع تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع؟

شهدت تونس منذ الاستقلال تطورات تشريعية بارزة في مجال حقوق المرأة والأسرة، حيث كانت مجلة الأحوال الشخصية (1956) نقطة تحول أساسية في تكريس المساواة القانونية بين الجنسين، وتبعها لاحقًا جملة من القوانين التي هدفت إلى تعزيز حماية المرأة من العنف وضمان حقوقها في المجالين الأسري والمجتمعي. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التقدم التشريعي، لا تزال مظاهر العنف ضد النساء قائمة، في حين يعبّر العديد من الرجال عن شعورهم بأن القوانين منحازة ضدهم، مما أدى في بعض الحالات إلى أزمات نفسية، وانتحار، وهجرة غير نظامية.

هذه التناقضات تدفعنا إلى طرح تساؤلات حول الفجوة بين القانون والواقع، وإلى البحث في السياقات الاجتماعية والثقافية التي تحكم فهم النصوص التشريعية وتطبيقها.

*تمثلات الفاعلين الاجتماعيين للنصوص التشريعية: تمثل النصوص القانونية أحد أبرز أشكال الضبط الاجتماعي، غير أن استيعابها وتأويلها يختلف حسب الفاعلين الاجتماعيين، حيث تتأثر هذه التمثلات بالعوامل الثقافية والتاريخية والاقتصادية. فمن ناحية، ترى العديد من النساء أن التشريعات الداعمة لحقوقهن لم تؤدِّ إلى الحد من العنف، إذ غالبًا ما يواجهن عراقيل اجتماعية وإدارية تعرقل تفعيل هذه القوانين، مثل غياب الحماية الفعلية للنساء المعنفات أو وصمهن اجتماعيًا عند اللجوء إلى القضاء. من ناحية أخرى، يعبر بعض الرجال عن شعورهم بأن المنظومة التشريعية تضعهم في موقف ضعف، خاصة فيما يتعلق بالنفقة وحضانة الأطفال والعقوبات المتعلقة بالعنف الأسري، مما يزيد من إحساسهم بالتهميش القانوني والاجتماعي.

*السياقات المؤثرة في اللبس القانوني والتطبيق العملي: يتداخل الفهم القانوني مع مجموعة من العوامل السوسيولوجية التي تؤثر على تطبيق النصوص التشريعية، ومنها: الثقافة القانونية المحدودة: يعاني جزء كبير من المجتمع من ضعف الوعي القانوني، مما يؤدي إلى تأويلات متباينة للنصوص التشريعية، سواء من قبل النساء أو الرجال، وهو ما يعمق الإحساس بالغبن لدى الطرفين.

*البنية الذكورية للمجتمع: رغم التقدم القانوني، لا تزال الثقافة المجتمعية تميل إلى تكريس أدوار تقليدية تبرر العنف ضد النساء في بعض الأحيان، مما يحد من فعالية القوانين في تغيير الواقع.

*التحولات الاقتصادية والاجتماعية: ساهمت الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في زيادة الضغوط على الرجال، خاصة فيما يتعلق بالنفقة والمسؤولية المالية داخل الأسرة، ما جعل بعضهم يعتبر أن القوانين لا تراعي الظروف الاقتصادية التي يعيشونها. المؤسسات القضائية والإدارية: في بعض الأحيان، يشكل بطء الإجراءات القانونية أو عدم فاعلية التنفيذ عائقًا أمام تطبيق القوانين، ما يولّد شعورًا بعدم جدواها لدى النساء، وفي المقابل يولّد إحساسًا بالاستهداف لدى بعض الرجال.

*الأثر النفسي والاجتماعي للتأويلات المتضاربة: إن التناقض في فهم القوانين وتطبيقها لا ينعكس فقط على العلاقات الأسرية، بل يمتد إلى الصحة النفسية للأفراد. فالنساء اللواتي يعشن العنف رغم وجود القوانين قد يصبن بالإحباط أو بفقدان الثقة في المؤسسات، في حين أن الرجال الذين يشعرون بأن القوانين ضدهم قد يعانون من أزمات نفسية تؤدي في بعض الحالات إلى العنف المضاد، أو حتى إلى سلوكيات قصوى مثل الانتحار أو الهجرة غير النظامية هروبًا من الإحساس بالضياع القانوني والاجتماعي.

*الحلول الممكنة: نحو تحقيق توازن اجتماعي وقانوني للحد من هذا اللبس القانوني وآثاره، يمكن التفكير في مجموعة من الحلول: تعزيز الثقافة القانونية: ضرورة توجيه حملات توعية تشمل النساء والرجال لفهم مضامين القوانين، وحقوق كل طرف، بهدف الحد من المغالطات المنتشرة حولها. إصلاحات قانونية تكاملية: التفكير في إصلاحات قانونية تأخذ بعين الاعتبار السياقات الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان عدم الانتقاص من حقوق المرأة أو خلق إحساس بالتهميش لدى الرجال.

*تطوير آليات الدعم النفسي والاجتماعي: ضرورة توفير مراكز استماع ودعم نفسي لكل من النساء المعنفات والرجال الذين يواجهون أزمات اجتماعية بسبب القوانين، لمنع تطور الأزمات إلى سلوكيات عنيفة أو انتحارية. تحسين أداء المؤسسات القضائية: تسريع الإجراءات القانونية، وضمان تنفيذ القوانين بفعالية لضمان تحقيق العدالة في الوقت المناسب، وتعزيز ثقة المواطنين في النظام القانوني.

إجمالا فإن فهم القوانين الخاصة بالأسرة وحقوق المرأة في تونس لا يمكن أن يكون بمعزل عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي يتحكم في تمثلات الأفراد لها. فاللبس الحاصل في التعامل مع هذه التشريعات ليس مجرد مسألة قانونية بحتة، بل هو انعكاس لصراعات اجتماعية وأدوار متغيرة، تحتاج إلى معالجة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأطراف، بهدف تحقيق عدالة اجتماعية وقانونية تحمي المرأة من العنف، دون أن يشعر الرجل بأنه مستهدف أو مهمش في النظام القانوني.

كيف تفسر نفور الشباب بشكل واضح من الشأن العام وابتعاده عن السياسة بعد أن كان عنصرا فاعلا خلال العشرية السابقة؟

يعاني الشباب التونسي من نفور متزايد تجاه المشاركة في الشأن العام والمجال السياسي، وهو ما يعكس أزمة ثقة عميقة في المؤسسات السياسية والاجتماعية. يعود هذا العزوف إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، حيث يشعر الكثيرون بأن السياسة لا تقدم حلولًا فعلية لمشاكلهم المعيشية. كما أن تدهور الثقة في المؤسسات السياسية نتيجة تفاقم الفساد والوعود غير المنجزة ساهم في تعزيز الشعور بالإحباط واللامبالاة. إلى جانب ذلك، أدى تفشي الفردانية وفقدان الانتماء إلى تركيز الشباب على طموحات فردية بدلًا من الانخراط في العمل الجماعي أو السياسي.

وتلعب التمثلات الثقافية للعنف والتطرف السياسي دورًا في بناء صورة سلبية عن السياسة باعتبارها مجالًا للصراعات والانقسامات بدلًا من كونها وسيلة للتغيير. كما أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تعزز أحيانًا مشاعر الإحباط والتشكيك في جدوى المشاركة، فيما يزيد غياب قادة سياسيين مؤثرين قادرين على تمثيل الشباب والتواصل معهم من عزوفهم عن المشهد السياسي.

وإضافة إلى ذلك، فإن الإحساس بالعجز السياسي، الناتج عن شعور الشباب بأن النظام مغلق أمام التغيير الحقيقي، يعمّق من هذه الأزمة. ولمواجهة هذا الوضع، من الضروري تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص عمل، وتعزيز الشفافية والثقة بالمؤسسات، ودفع الأحزاب لتبني قضايا الشباب بشكل حقيقي، إلى جانب توظيف الإعلام في نشر ثقافة المشاركة. إن إعادة دمج الشباب في الشأن العام تتطلب إصلاحات جذرية تعيد لهم الثقة في العملية السياسية، وتجعلهم يؤمنون بإمكانية التغيير الفعلي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here