آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. توقع منصف الشريقي، الأمين العام للحزب الاشتراكي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “يدفع التضامن الواسع مع المحامي أحمد صواب إلى توحيد المعارضة الديمقراطية والجمهورية بشقيها الليبرالي الاجتماعي، واليسار التقدمي والديمقراطي، وقد تنجم عن هذه الاحتجاجات المنددة بإيقافه إلى إطلاق سراحه، وأيضًا إلى التعجيل بتوحيد اليسار التونسي من خلال تشكيل تكتل يساري موحد، وهو مطلب طالما نادت به النخب، لحاجة البلاد إلى معارضة ديمقراطية حقيقية”، وفقًا لتقديره.
ورأى أنه في “ظل تواصل سياسة التضييق والملاحقات التي تنتهجها السلطة، ما على المعارضة الديمقراطية سوى التنسيق وتوحيد جهودها لكسب ثقة المواطن من جديد، وتجميع أوسع ما يمكن من الشباب والنساء والنخب والمثقفين، والاصطفاف حول ما تقدمه من بدائل وبرامج”. لافتًا إلى أن “الحزب الاشتراكي مستعد لتجاوز المنغصات الموجودة بين الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية من أجل استعادة ثقة الشارع التونسي والاستماع إلى مشاغله”.
وأوضح أن “الحزب قدم جملة من المقترحات والحلول للخروج من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها البلاد، خاصة المتعلقة بالوضع الاجتماعي، مثل الاعتماد على الاقتصاد الاجتماعي التضامني، كما يدعو إلى ضرورة تغيير المنوال التنموي، والتوجه نحو منوال تنمية اجتماعي تضامني يفتح الباب على مصراعيه لنمو جهوي وعدالة اجتماعية بين الجهات والأفراد”.
ومنصف الشريقي هو شخصية سياسية تونسية، ويعد من أبرز وجوه العائلة اليسارية في البلاد، وهو الأمين العام للحزب الاشتراكي الذي تم تأسيسه في أكتوبر 2006.
تولى قيادة الحزب بعد محمد الكيلاني، الذي كان يشغل هذا المنصب سابقًا. يُعرف الشريقي بمواقفه السياسية المعارضة للسلطة الحالية، ويدعو إلى توحيد قوى المعارضة الديمقراطية والتقدمية. كما يُعتبر من أبرز الوجوه السياسية التي تسعى إلى بناء جبهة يسارية موحدة في تونس.
في عام 2023، كان الشريقي من بين مؤسسي “منتدى القوى الديمقراطية”، وهو ائتلاف يضم أحزابًا سياسية وجمعيات وشخصيات مستقلة تهدف إلى تقديم بديل سياسي ديمقراطي واجتماعي.
يُشار إلى أن الشريقي قد مثل أمام فرقة العوينة الأمنية في فبراير 2023 على خلفية تصريحات تلفزية تعود إلى عام 2019.
ما هو موقف الحزب الاشتراكي من إيقاف المحامي أحمد صواب ومن المحاكمات الأخيرة في ما يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”؟
في الواقع، إيقاف أحمد صواب هو قرار سياسي بامتياز، باعتبار أن صواب هو محامي وقاضي سابق ومعروف بنزاهته ودفاعه عن الحق ودولة القانون. ولكن، للأسف، اليوم من يدافع عن دولة القانون والمؤسسات توجه له تهم إرهابية. نحن نعتبر أن إيقاف صواب هو عيب في حق المحاماة وحق حرية التعبير، وباعتقاله تثبت السلطة السياسية أنها تريد إسكات كل صوت حر في البلاد.
بالنسبة لموقفنا كحزب اشتراكي، وقد عبرنا عنه في بيان، فإننا نعتبر أن إيقاف صواب هو عملية سياسية، وأن الاتكاء على أنه “هدد بالذبح” هو مسألة غير جدية (وهو تعبير مجازي، كما أراد من خلال هذا التصريح الإشارة إلى حجم الضغوطات المسلطة على القاضي الذي سيحكم في قضية التآمر). نعتقد أن صواب كان مصدر إزعاج للسلطة بدفاعه عن المتهمين في قضية التآمر، لأن هذه القضية مفرغة من التهم ولم تثبت النيابة جديتها. هي قضية سياسية بامتياز، والسلطة تريد بذلك جر المعارضة التونسية بمختلف تياراتها إلى مستنقع التآمر.
ويجب التأكيد على أنه لا أحد يقبل أو يرضى بالتآمر على وطنه، كما لم نرَ اعتداء على أمن الدولة في ما يخص هذه القضية. بل كان الهدف هو معارضة الرئيس قيس سعيد بشكل سلمي، ونعتقد أنه من حق هؤلاء الدفاع عن وجود معارضة سياسية في البلاد، وهو حق مشروع تكفله كافة المواثيق الدولية.
هل يمكن أن يدفع التضامن مع أحمد صواب إلى توحيد المعارضة التونسية؟
التضامن الواسع مع أحمد صواب هو في الحقيقة خطوة إيجابية، فقد استطاع أن يوحد جزءًا كبيرًا من المعارضة بتياراتها المختلفة، وأصبح رمزًا للمعارضة الديمقراطية والجمهورية والتقدمية. ونجح اعتقاله في توحيد الشبيبة والنساء المناضلات وكل القوى التقدمية. وقد كانت لافتة مشاركة غالبية الفئات العمرية، خاصة الشباب والنساء، إلى جانب الأحزاب السياسية، بقوة في الحركة الاحتجاجية المنددة باعتقاله يوم الجمعة الماضي، حيث حملوا شعارات موحدة مثل “أطلقوا سراح صواب، أطلقوا سراح تونس”. وبذلك، تحول إلى رمز من رموز المعارضة التقدمية في البلاد.
ونحن نعلم أن الأخطاء التي ترتكبها الديكتاتوريات، سواء عمدًا أو غير عمدًا، تنتج عنها صناعة وولادة أبطال، وهو ما حدث مع صواب الذي تحول إلى رمز من رموز المعارضة. وكان خبر إيقافه محل تنديد الأحزاب المعارضة بمختلف أطيافها وتياراتها.
هل يمكن أن تشهد هذه الفترة ولادة تحالفات وجبهات جديدة بين قوى معارضة وخاصة بين اليسار؟
إيقاف أحمد صواب يدفع في اتجاه توحيد المعارضة، بما في ذلك اليسار التونسي، إلى جانب القوى الليبرالية الاجتماعية. حيث يشير التضامن مع صواب إلى بداية توحيد المعارضة الديمقراطية والجمهورية بشقيها الليبرالي الاجتماعي، واليسار التقدمي والديمقراطي. وقد تؤدي هذه الاحتجاجات المتواصلة المنددة بإيقافه إلى إطلاق سراحه من جهة، وأيضًا قد تعجل بتوحيد اليسار والمعارضة الديمقراطية من جهة ثانية. وهو مطلب العديد من النخب والمثقفين والطاقة الشابة والشخصيات الاعتبارية الذين طالما نادوا بتوحيد الحركة الديمقراطية لبناء الائتلاف الوطني الكبير الذي يتسع لكل المعارضة التقدمية.
بالطبع، هناك أسس وشروط لتشكيل هذه الجبهة الموحدة، حيث يجب أن يكون التنسيق خارج جبهة الخلاص وحركة النهضة، التي تعد القلب النابض لهذه الجبهة. أيضًا يجب أن يتم التنسيق دون الحزب الدستوري الحر، نظرًا لأن خلافنا معه كحزب اشتراكي مازال متواصلاً، في ظل تمسكه بسياسة بن علي القديمة، وعدم اعترافه بالثورة ولا بانتفاضة الشارع التونسي. كما أنه ليس مستعدًا لنقد تجربة بن علي في الحكم.
بالنسبة لنا، الجبهة الوحيدة التي تستطيع معالجة الأوضاع الحالية هي جبهة تضم كل الطاقات التقدمية والديمقراطية. وقد نشهد ميلاد هذه الجبهة في الفترة القادمة، ونأمل أن تكون الظروف سانحة لذلك، وهو ما نسعى إليه كحزب اشتراكي.
هل تعتقد أن المعارضة التونسية أمام فرصة لإعادة كسب ثقة الشارع في ظل تواصل سياسة التضييق والملاحقات التي تنتهجها السلطة؟
في ظل تواصل سياسة التضييق والملاحقات التي تنتهجها السلطة، ما على المعارضة الديمقراطية سوى التنسيق وتوحيد جهودها لكسب ثقة المواطن التونسي، وتجميع أوسع ما يمكن من الشباب والنساء والنخب والمثقفين، والاصطفاف حول ما تقدمه من بدائل وبرامج. على المعارضة الديمقراطية أن تستعيد نبض الشارع، وتكون محل ثقته، حتى نتعاون جميعًا في بناء مؤسسات الجمهورية من جديد، وتعود الحياة السياسية إلى مجراها الطبيعي بتوزيع الصلاحيات بين جميع السلطات.
ونحن مستعدون كحزب اشتراكي لتجاوز المنغصات الموجودة بين الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية من أجل استعادة ثقة المواطن التونسي. نحن نعمل على التواصل معه ميدانيًا، والاهتمام بمشاغله، وعرض برنامجنا ورؤيتنا لإدارة الأوضاع. ونحن على ثقة بأن برنامج الحزب قادر على إصلاح الأوضاع وإخراج البلاد مما تعانيه من أزمات، وتأمين مستقبل أفضل للتونسيين.
ما هو موقف الحزب من الحوار الوطني، وهل يمكن أن تتجه إليه السلطة بهدف تخفيف التوتر والاحتقان الاجتماعي؟
لا أرى أن سلطة 25 يوليو ماضية في حوار وطني، فقد عبر سعيد مرارًا عن رفضه لفكرة الحوار، ونحن نتذكر كيف وصف حوار 2013 بالحوار غير الوطني. لا أعتقد أن فكرة الحوار موجودة اليوم إلا بين داعميه ومريديه، وداعمي فكرة البناء القاعدي، أي حوار بين مؤيدي هذا المسار لا أكثر، ولن يشمل الشعب التونسي أو قواه الحية. لذلك، أستبعد تنظيم هذا الحوار، رغم أهميته في تخفيف التوتر والاحتقان الاجتماعي. فالسلطة في الوقت الحالي غير مستعدة لسماع المعارضة أو الإصغاء إلى نبض الشارع.
أي حلول يطرحها الحزب الاشتراكي للخروج من حالة الانسداد السياسي وتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي؟
الخروج من حالة الانسداد السياسي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي هو هدف وطموح لجميع الحركات الديمقراطية الاجتماعية في تونس، سواء كان الحراك الدائر حاليًا بشأن تشكيل تكتل يساري وبناء جبهة ديمقراطية جديدة، أو داخل مجموعة من الأحزاب مثل منتدى القوى الديمقراطية الذي نشارك فيه.
وقد ناقش المنتدى منذ فترة جملة من الحلول والمقترحات لتحسين وإصلاح الأوضاع، من خلال ما طرحه من برامج ونقاط في الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية الخاصة به. وسينتهي النقاش بشأنها في الأيام القادمة، لتكون الوثيقة الرسمية للمنتدى التي تقدم حلولًا على جميع المستويات، كما تطرح كافة الملفات التي تهم المواطن التونسي، خاصة المتعلقة بوضعه الاجتماعي. كما نناقش في الوثيقة إشكاليات سياسية مثل: أي نظام سياسي نريده وأي توجه سياسي تحتاجه البلاد. هناك العديد من المقترحات حول الخروج من هذه الأزمات والإشكاليات، وسنسعى لإنهاء صياغة هذه الوثيقة قريبًا وعرضها للرأي العام.
أما الحلول التي يطرحها الحزب الاشتراكي، فهي حلول قدمناها في برنامج الحزب ونقوم بتحديثها من فترة إلى أخرى، وهي موجودة أيضًا في وثيقة المنتدى كما ذكرت. لدى الحزب اقتراحات فيما يخص النظام السياسي للخروج من الأزمة الحالية، ونحن نطمح أن تستعيد الجمهورية مؤسساتها بعد ما أرهقها نظام سعيد وحولها إلى مجرد وظائف.
اقتصاديًا، نحن نؤيد الاعتماد على الاقتصاد الاجتماعي التضامني. كما نرى أنه يجب على الدولة أن تكون قاطرة التنمية في القطاع العام، بزيادة المصانع ذات المردودية العالية، بهدف زيادة فرص التشغيل وتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي. أيضًا، ننادي بضرورة دعم القطاع الخاص المتحمل لمسؤوليته المجتمعية مع الدولة. ومن شأن ذلك دعم الاقتصاد وخلق الثروة، على عكس ما يقترحه النظام الذي يطالب بالتوجه نحو الشركات الأهلية، وهو في الواقع شكل بدائي للتنمية ودليل على فشل الخيارات التنموية في البلاد.
في تقديري، فقد أظهر منوال التنمية الليبرالي فشلًا ذريعا. وإذا أردنا أن يتحول اقتصادنا اليوم إلى اقتصاد منتج، فلا بد من تغيير منوال التنمية الحالي إلى منوال تنمية اجتماعي تضامني يفتح الباب على مصراعيه لنمو جهوي وعدالة اجتماعية بين الجهات والأفراد. ومن خلال اتخاذ جملة من الإجراءات التي نطرحها في وثيقة المنتدى، سنعرضها على الرأي العام بعد انتهاء مناقشتها. نحن نقدم مقترحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي اعتقادي أن هذه المقترحات والحلول من شأنها إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي طال أمدها وغير المسبوقة في تاريخ تونس.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس