منطقة البحث والإنقاذ: ورطة لتونس أم فرصة لكسب امتيازات من الأوروبيين

69
منطقة البحث والإنقاذ: ورطة لتونس أم فرصة لكسب امتيازات من الأوروبيين
منطقة البحث والإنقاذ: ورطة لتونس أم فرصة لكسب امتيازات من الأوروبيين

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. نشرت المنظمة البحرية الدولية خريطة منطقة البحث والإنقاذ التونسية لمكافحة تدفقات الهجرة غير الشرعية في وسط البحر المتوسط، في خطوة تتوّج الجهود الإيطالية وتضع في المقابل تونس أمام مفترق طرق: إما أن هذه المنطقة ستعزز دورها كلاعب إقليمي قادر على الاستفادة من ورقة المهاجرين وكسب امتيازات من أوروبا، أو ستكون تونس “شرطي حدود” مهمته حماية الخطوط الأمامية للاتحاد الأوروبي وعليه تحمّل وزر التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين.

يرسل المهربون عبر قوارب الموت مئات الآلاف من الأشخاص في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر للوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وتقوم مهمة منطقة البحث والإنقاذ، الواقعة قبالة الساحل التونسي، على توسيع نطاق مسؤولية خفر السواحل التونسي في تنسيق عمليات الإنقاذ، خاصة للمهاجرين القادمين من تونس أو من أفريقيا جنوب الصحراء. وسيكون متاحا للبحرية التونسية القيام بعمليات اعتراض وإعادة المهاجرين على كامل طول هذه المساحة الجغرافية الضخمة.

واعتبر متابعون أن نشر الخريطة يعتبر إعلانا رسميا عن انطلاق المهمة، التي جاءت بالتزامن مع إطلاق وزارة الدفاع التونسية تمرين البحث والإنقاذ البحري “البحر الآمن 24” الذي نفذته البحرية التونسية في نادي الضباط بميناء حلق الوادي. وصرح وزير الدفاع التونسي عماد مميش، صرّح، خلال إشرافه على اختتام التمرين، نهاية ماي الماضي، بأن “الهدف من إرساء منظومة البحث والإنقاذ البحريين على المستوى الوطني هو تعزيز نجاعة تدخّل الدولة في هذا المجال بهدف توفير خدمة البحث والإنقاذ البحريين لفائدة جميع مستعملي البحر من التونسيين وغير التونسيين في منطقة المسؤولية التونسية، مشدّدا في هذا الإطار على إيفاء الدولة بالتزاماتها وتعهّداتها الدولية في المجال”.

وقال مميش في بيان نشرته وزارة الدفاع إن “المنظومة الوطنية للبحث والإنقاذ البحريين تعتمد بالأساس على ثلاث ركائز هي: سلطة وطنية مسؤولة على البحث والإنقاذ البحريين المتمثّلة في المصلحة الوطنية لخفر السواحل، ومخطّط وطني للبحث والإنقاذ البحريين يتضمّن الآليات التنسيقية ومهام وصلاحيات الأطراف المتدخّلة والتي هي بصدد الانجاز في الوقت الحالي، فضلا عن منطقة المسؤولية في مجال البحث والإنقاذ البحريين الراجعة بالنظر للسيادة التونسية”.

وكان الرئيس التونسي وقّع أمرا رئاسيا في 5 أفريل 2024 (الأمر عدد 181) يقضي بإحداث وحدة تسمى “المركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحري”، تابعة للخدمة الوطنية لمراقبة السواحل التابعة لوزارة الدفاع. وتكون هذه الوحدة مسؤولة على تعزيز خدمات البحث والإنقاذ في البحر وتنسيق العمليات.

وسيستقبل المركز الجديد مكالمات الطوارئ على مدار 24 ساعة يوميا وفقا للمعايير الدولية ذات الصلة. وستتولى الجهات المسؤولة مهمة إجراء عمليات البحث والإنقاذ في البحر، فضلاً عن التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالبحث والإنقاذ المشاركة في العمليات في البحر.

ونشرت جمعية “الأرض للجميع” على صفحتها الرسمية على فايسبوك صورا لخريطة منطقة البحث والإنقاذ التونسية، موضحة أنها مساحة تحدد بالتنسيق مع دول الجوار وتكون خارج المياه الإقليمية والمياه المتاخمة ويقع إعلام المنظمة الدولية البحرية بذلك ولا تتيح أية امتيازات بل تفرض التزامات متعلقة بالبحث والإنقاذ.

ويعني إعلان منطقة البحث والإنقاذ اعترافا دوليا بأن السلطات التونسية ستمارس سيادتها فوق الماء على هذه المنطقة بعد أن كانت محصورة في المياه الإقليمية وبدرجة أقل المياه المتاخمة لتتوسع على كامل المنطقة الملونة في الخريطة (نشرتها المنظمة البحرية الدولية يوم 19 جوان 2024 على موقعها الرسمي).

وكان المركز الدولي لإدارة سياسات الهجرة نشر دراسة كشف فيها عن مشروع “تعزيز الركيزة التدريبية لخفر السواحل التونسي”، ممول من الاتحاد الأوروبي، وسيتم تنفيذه من قبل الشرطة الاتحادية الألمانية والمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة (ICMPD). وبدأ التنفيذ في يونيو 2023 ويستمر حتى يونيو 2026 بالتعاون الكامل مع الشركاء التونسيين والدوليين المعنيين. والهدف من هذا المشروع هو تحسين ركيزة تدريب خفر السواحل التونسي (الحرس الوطني البحري – GNM)، وبالتالي تعزيز قدراتهم الشاملة على المساهمة في إدارة الحدود البحرية التونسية وقدرات البحث والإنقاذ.

وقال الحقوقي التونسي المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي: “الإعلان رسميا عن منطقة SAR التونسية وهي منطقة البحث والإنقاذ في البحر المتوسط في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية يلغي مفهوم المياه الإقليمية لدى قوات الحرس البحري التونسي”، وأوضح الكرباعي: “الإعلان عن هذه المنطقة جاء إثر الاتفاق بين السلطات التونسية والإيطالية خلال الزيارات المتواترة لرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني. وأصبح بإمكان الوحدات البحرية التونسية إيقاف رحلات الهجرة خارج المياه الإقليمية التونسية تحديدا في المياه الإقليمية الإيطالية”.

وأضاف الكرباعي لـ”أفريقيا برس”؛ “بناء على هذه التوسعة في المياه الإقليمية أصبحت تونس رسميا حارسا أبديا للحدود الساحلية خاصة والأوروبية عامة وأصبحت أراضيها مراكز تجميع وتوطين وسط تهديدات أمنية بتنا نشهد من خلالها قتلى على قارعة الطريق وانتشار مناخ الترهيب والتخويف في صفوف الشعب التونسي الذي لم يعد يعرف للأمان طريقا في ظل تواجد أكثر من 100 ألف مهاجر إفريقي غير شرعي منتشرين في كافة ولايات الجمهورية”.

وتابعت الصحافة الإيطالية باهتمام هذا الإعلان، الذي وصفته وكالة نوفا بأنه “يعزز محور ميلوني-سعيّد”، لافتة إلى أن “المسألة فنية بحتة، لكن لها قيمة سياسية قوية لأنها تعزز المحور بين رئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ميلوني، ورئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد”.

واعتبرت الوكالة الإيطالية أن هذا الإعلان يفند الشكوك التي راجت حول علاقة الرئيس قيس سعيد بالأوروبيين، إثر غيابه عن قمة مجموعة السبع التي استضافتها إيطاليا. وقالت “أثار غياب زعيم شمال أفريقيا عن قمة مجموعة السبع التي استضافتها إيطاليا الشكوك حول متانة العلاقات بين ضفتي المتوسط. علاوة على ذلك، تفاقمت الشكوك بسبب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الدولة التونسية إلى الصين. والآن، ومن خلال التزامها بتقديم المساعدة للسفن المعرضة للخطر في المنطقة الواقعة تحت مسؤوليتها، ستواصل تونس التعاون القائم بالفعل مع إيطاليا، في إطار دولي رسمي، مع المطالبة بقرار سيادي ودفاعا عن مصالحها الخاصة”.

في المقابل، عنونت صحيفة “أفاري ايطالياني” تقريرها بـ”تونس تنشئ منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها، وهي صفعة جديدة من ميلوني للمهاجرين”، لافتة إلى أن “إنشاء منطقة البحث والإنقاذ هذه لا يقتصر فقط على تقنين إجراءات الإنقاذ المعمول بها بالفعل جزئيًا، بل يؤدي أيضًا إلى توسيع نطاق الاختصاص التونسي بشكل كبير. ولهذا السبب، وعد الاتحاد الأوروبي بمزيد من الموارد والتمويل لدعم تونس في هذه المهام البحرية، مع الاعتراف بدورها الحاسم في مكافحة تدفق المهاجرين إلى أوروبا”.

في المقابل انقسمت الآراء التونسية، بين من يعتبرها فرصة لتونس يمكن أن تستفيد منها في علاقاتها مع الأوروبيين وفي مساعي البحث عن حلول لأزمتها الاقتصادية، وبين من يرى أن أوروبا ليس لديها ما تقدمه لتونس من امتيازات كبرى غير بعض المساعدات اللوجستية.

وقال صهيب المزريقي، القيادي في حركة البعث، لـ”أفريقيا برس”؛ “لا أعتقد أن منطقة البحث والإنقاذ ستجعل من تونس حارسا بحريا لأوروبا خاصة بعد الديباجة العامة لدستور 25 جويلية التي تنص على السيادة الوطنية مصلحة الأمن القومي التونسي، وأن تونس لن تكون في أحلاف عالمية على حساب أخرى، زد على ذلك توطئة مذكرة التفاهم التي أقرت بضرورة العمل المشترك والمقاربة الإنسانية للمسألة”.

وأضاف المزريقي “علاوة على ما يردده دوما رئيس الجمهورية قيس سعيد بأن تونس لن تكون مستقرا ولا محطة عبور وهي ترفض ظاهرة الهجرة التي أسميناها في حركة البعث بالهجرة غير الإنسانية وغير الآمنة من قبل تجار البشر ومافيا عالمية مرتبطة بدوائر إمبريالية كانت السبب المباشر في الوضع التي تشهده أفريقيا وكل دول العالم الثالث كما تسميهم الإمبريالية الأمريكية جراء الاحتلال الممنهج لهذه الدول وتفقيرها”.

وقال رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدي التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “بصرف النظر عن ديباجة الأمر 181 فإنه عمليا سيكون متاحا للبحرية التونسية القيام بعمليات اعتراض وإعادة المهاجرين على كامل طول هذه المساحة الجغرافية الضخمة وستكون كل سفينة تقوم بعمليات إنقاذ في هذه المنطقة الاستجابة لتعليمات السلطات التونسية. اليوم تمّ قانونيا استكمال تسييج “المصيدة التونسية للمهاجرين” والقيام بعمليات الصدّ بالوكالة على كامل هذه المساحة”.

و”الصد بالوكالة”، أو “نظام الإعادة القسرية بالوكالة”، هو المشروع الذي سعت لسنوات الدول الأوروبية، وبشمل رئيسي إيطاليا، إلى إقناع شركاءها على الضفة الأخرى من المتوسط، على غرار تونس وليبيا ومصر وألبانيا وموريتانيا، للقبول به.

ويعني “الصد بالوكالة” الاستعانة بمصادر خارجية لعمليات الاعتراض في البحر، مما يتيح إعادة الأشخاص الذين تعترضهم السلطات الإيطالية في البحر إلى تونس أو ليبيا، وهو ما نددت به منظمات حقوق الإنسان واعتبرته انتهاكا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، وهو أحد الأركان الأساسية للقانون الدولي للاجئين.

وعلى الاتفاق مع تونس، قام الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بتجهيز وتمويل وتدريب خفر السواحل الليبي ودعم إنشاء مركز تنسيق الإنقاذ البحري في طرابلس وإعلان منطقة البحث والإنقاذ الليبية. ووفق جمعية “الأرض للجميع”: “لتشجيع السلطات التونسية ساهم الجانب الأوروبي في تجهيز مراكز تنسيق الإنقاذ وتمويل شراءات لوحدات رادارية وتدريب الحرس البحري وتزويد الجانب التونسي بزوارق مراقبة وتمويل شراء وحدة جوية للحرس الوطني (شارك في هذا المجهود كل من ايطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة).

لا شكّ في أن تونس استفادت في الرغبة الإيطالية الجامحة لتحقيق اتفاق حول الهجرة وتقليص أعداد المهاجرين، الأمر الذي انعكس في الدخل الإيطالي والأوروبي، في التصويت لصالح اليمين المتطرف الذي تقوده رئيس الوزارة جورجيا ميلوني.

وفي هذا السياق، تلفت الدكتورة سابينا هينبرج، مديرة “برنامج أبحاث المبتدئين” في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، انتباه صناع القرار الأميركي إلى ذلك لافتة في تقرير نشره المعهد، وهو أحد مراكز التأثير الهامة في الولايات المتحدة، قائلة إن “إيطاليا قادت الجهود نيابة عن الاتحاد الأوروبي لإشراك تونس في المسائل المتعلقة بالهجرة على وجه التحديد ولكن أيضا في إطار “نهج من 360 درجة” للمساعدة في تنمية أفريقيا يُعرف باسم “خطة ماتي”.

وقد أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس في يوليو 2023 انتقادات (بما في ذلك من داخل البرلمان الأوروبي) بالإضافة إلى الارتباك عندما أعادت تونس دفعة أولية بقيمة 60 مليون يورو إلى بروكسل. وفي الواقع، أدت هذه السلسلة من الأحداث في النهاية إلى إنفاق الاتحاد الأوروبي مبلغ 150 مليون يورو لدعم الميزانية في تونس.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here