مهاء محمود: قابس تعاني إبادة بيئية

مهاء محمود: قابس تعاني إبادة بيئية
مهاء محمود: قابس تعاني إبادة بيئية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أشارت مهاء محمود، الناشطة في المجتمع المدني بولاية قابس، في حوارها مع “أفريقيا برس”، إلى أن “قابس تعاني إبادة بيئية منذ عقود”، داعية إلى “ضرورة استجابة السلطة لمطلب سكان الجهة المتمثل في إيقاف التلوث، خاصة بعد تفاقم تداعياته في الآونة الأخيرة، مع تسجيل حالات اختناق جماعية متكررة لدى أطفال مدرسة شط السلام القريبة من المجمع الكيميائي”.

واعتبرت أن “المجمع الكيميائي ليس له أي أثر اقتصادي إيجابي على الجهة، بل يشكل عائقًا رئيسيًا أمام أي تنمية اقتصادية مستدامة في قابس، إذ دمّر الركائز التاريخية لاقتصادها، وهي الصيد البحري والفلاحة والسياحة”.

ولفتت إلى أن “النظام الحالي لم يقدم بعد رؤية واضحة أو استراتيجية فعالة لمواجهة هذا التحدي”، مؤكدة أن تراجع الحكومة عن قرار تفكيك الوحدات الملوثة الصادر سنة 2017 يوضح غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة هذا المشكل، ويعكس عجزها عن تحقيق عدالة بيئية.

ومهاء محمود ناشطة في المجتمع المدني، متطوعة لمرضى السرطان، وعضوة في مجمع نساء الأمل للفلاحة والصيد البحري بغنوش التابعة لولاية قابس.

أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية مؤخرًا أن العمل جارٍ بهدف إيجاد حلول آنية للتلوث بولاية قابس، برأيك هل بوسع السلطة حل هذا المشكل في آجال قريبة؟

أرى أن النظام الحالي لم يقدم بعد رؤية واضحة أو استراتيجية فعالة لمواجهة هذا التحدي. وعلى الرغم من تصريح الحكومة بالعمل على حلول آنية، فإن تراجعها عن قرار تفكيك الوحدات الملوثة لسنة 2017 يوضح غياب الإرادة السياسية الحقيقية. إن الاعتماد على إجراءات مؤقتة فقط لن يُفضي إلى تغيير جذري، بل يجب على السلطة أن تتبنى سياسات شاملة تتضمن إشراك المواطنين في التوعية العامة، إذ يمكن للمشاركة الفعالة أن تساهم في خلق ضغط شعبي يدفع نحو اتخاذ خطوات ملموسة لحماية البيئة وضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

مع تواصل الاحتجاجات في قابس لتفكيك وحدات المجمع الكيميائي، هل برأيك سيقع التفاعل معها إيجابيًا؟

في الحقيقة لا يمكنني الجزم بالتفاعل الإيجابي للسلطة، خاصة مع اختيارها للمقاربة الأمنية ومواجهة الحراك السلمي بالقمع. هذا لا يدل إلا على عجز السلطة عن فتح باب الحوار أولًا، وعجزها عن تقديم برنامج واستراتيجية تتماشى مع مطالب الجهة الشرعية، وهي الحق في بيئة نظيفة خالية من التلوث.

في ظل الوضع الذي تواجهه الحكومة بين ضرورة الموازنة بين مطالب الصحة العامة وحماية الفوسفات، كيف يمكنها الخروج من هذا المأزق البيئي وفق تقديرك؟

منذ أكثر من 50 عامًا ومدينة قابس تعاني من الإبادة البيئية، وليست هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها الشارع ويقول “أوقفوا التلوث” حتى يتسنى له العيش. ومنذ 2011 ونحن نتبنى نفس المطلب وهو “أوقفوا التلوث”. فكما قال السيد الرئيس: “البيئة تباد”، أجل، كل مقومات الحياة تباد في قابس.

ما يحدث في قابس هو نتاج منوال تنموي غير عادل، وفي المقابل لا نجد تنمية حقيقية. وخلال حالات الاختناق الأخيرة تم نقل الأطفال إلى المستشفى بسيارات الشرطة، فضلًا عن تردي البنية التحتية للمستشفى، في مدينة كل صناعتها خطيرة وقابلة للانفجار في أي لحظة.

هل الخيارات والتوجهات الحكومية القديمة هي سبب الأزمة البيئية في قابس بسبب رهانها على المجمع الكيميائي؟

المجمع الكيميائي اليوم ليس له أي أثر اقتصادي إيجابي على الجهة، بل يشكل عائقًا رئيسيًا أمام أي تنمية اقتصادية مستدامة في قابس، إذ دمّر الركائز التاريخية لاقتصادها وهي الصيد البحري والفلاحة والسياحة. لقد أدى سكب الفوسفوجيبس في البحر إلى تدمير النظم البيئية البحرية، فأصبح قاع البحر مغطى بطبقة من الطين الكيميائي، ما أدى إلى اختفاء الكائنات القاعية.

ولم يقتصر التدمير على البحر، بل طال الواحة أيضًا، فالتلوث الهوائي وتسرب المواد الكيميائية إلى التربة والمياه الجوفية أديا إلى انخفاض الإنتاج الفلاحي وتدهور جودة المحاصيل، علاوة على فقدان القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية.

كيف يمكن تحسين الوضع البيئي في قابس في ظل ما تعانيه الجهة من تهميش طيلة سنوات طويلة؟

على الرغم من الوعود الحكومية المتكررة منذ التسعينات بإيجاد حل للوضع البيئي الكارثي في الجهة، فإن التنفيذ بقي حبرًا على ورق، وذلك لغياب الحوكمة البيئية الرشيدة، ما يجعل الرقابة شكلية ويفتح الباب أمام استمرار الانبعاثات.

وبرأيي، أزمة قابس ليست بيئية فحسب، بل مؤشر على فشل النموذج التنموي المبني على الاستخراجية. العدالة البيئية ليست شعارًا، بل هي حق دستوري نصّ عليه الفصل 54 من دستور 2022، الذي يحمل الدولة مسؤولية حماية البيئة. فلا تنمية دون عدالة بيئية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here