آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي في تونس نبيل الحجي في حواره مع”أفريقيا برس” أنه “لا توجد لدى السلطة القائمة رغبة في تنقية المناخ السياسي في ظل تواصل الإيقافات والاعتقالات السياسية على معنى مرسوم 54، وأمام إصرارها على ترذيل وتخوين المعارضة في خطابتها الرسمية بهدف تحقيق مكاسبها السياسية والانتخابية”.
ورأى الحجي أن “الرئيس قيس سعيد نجح في رفع الضغط عن نفسه وسلّطه على الأحزاب فيما يخص الانتخابات الرئاسية دون أن يعلن إلى حد الآن عن موعدها الرسمي، ما يزيد الغموض أكثر بشأن مصيرها”، لافتا أن” حزب التيار الديمقراطي متمسك بمبادئه ويراهن على النضال والثبات ولا يخشى تجاوزات السلطة، وسيمضي في دوره بطرحه مشاريع للتونسيين والعمل على إخراج البلد من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها”.
ونبيل الحجي هو أمين عام حزب التيار الديمقراطي الذي يعد أحد أبرز الأحزاب المعارضة في تونس.
ماهو موقف حزب التيار الديمقراطي من الانتخابات الرئاسية، هل ستختارون المشاركة عبر مرشح من داخل الحزب أم ستدعمون شخصية معارضة من خارجه؟
بداية يجب التوضيح أنه إلى الآن ليس هناك انتخابات رئاسية رسميا في الجمهورية التونسية، لا نعلم إلى الآن هل ستكون هناك انتخابات أم لا، نحن على دراية بكل المواعيد الانتخابية الدولية التي ستنظم هذا العام والأقرب هي الانتخابات الموريتانية في نهاية الشهر الجاري، لكن للأسف نحن في تونس لم نحدد إلى الآن التاريخ والرزمانة ولم نحدد بعد شروط المشاركة، بل لم يصدر حتى أنموذج التزكيات كي يتمكن من ينوي الترشح من الانطلاق في جمع العشرة آلاف تزكية. كما لم يتم تعديل القانون الانتخابي لكي يطابق الدستور ونحن على بعد أربعة شهور و نصف من انتهاء العهدة الرئاسية.
اليوم لدينا فقط تخمينات بنيت على تصريحين لرئيس الجمهورية ذكر فيها أن الانتخابات ستتم في موعدها دون تحديد هذا الموعد كما صرح أنه تم احترام كل المواعيد التي وقع الإعلان عنها لكنه لم يعلن عن موعد الانتخابات الرئاسية حتى نراقب احترام هذا التاريخ المحدد من عدمه.
إذن من الواضح اليوم أنه رسميّا، ليس هناك انتخابات رئاسية، الرئيس نجح فقط في نزع الضغط عليه في حين إنفرد بالقرار، ومن غير الطبيعي في كل الديمقراطيات أن يقرر شخص واحد أن تكون هناك انتخابات أو لا خاصة أنه معني بها وسيكون الخصم والحكم في نفس الوقت، إذن هو رفع الضغط عن نفسه ليسلطه على الأحزاب وهيئة الانتخابات، وللأسف وسائل الإعلام انخرطت في ذلك عن غير قصد، وهذا غير طبيعي وغير سليم، الأصل في الأشياء أن يضغط الجميع سياسيون وإعلاميون حتى نعلم متى سيقع تنظيمها بالضبط، حينها يمكن الخوض في كل تفاصيلها، لكن اليوم رسميا لا توجد أي انتخابات ليسأل عنها أي حزب وعن موقفه منها.
هل ستنجح السلطة حسب رأيك في تنقية المناخ الانتخابي وتنظيم انتخابات شفافة في ظل الانتقادات التي تطالها بسبب تواصل الإيقافات السياسية والتضييق على الحريات؟
في ظل الواقع الذي نعيشه نرى أن هناك شخصيات سياسية أعلنت ترشحها؛ تقبع اليوم إما في السجون أو تلاحقها قضايا، تقريبا لا يخلو أي مرشح أعلن عن ترشحه إما من قضية جاري البحث فيها أو بقضية مودع بحكمها في السجن، نضيف إلى ذلك مناخ الخوف المستشري بسبب المرسوم 54 والذي انتشر ودب في جميع العقول والقلوب وهناك إيقافات طالت الإعلاميين مؤخرا بمعنى هذا المرسوم، المنطق في الأشياء خلال التنافس في انتخابات رئاسية أن نضمن أولا الشفافية وحرية الرأي والتعبير، لا يمكن أن أنافس من هو في السلطة وحين يترشح لا يمكنني أن أنقد حصيلته وإن كان فشل أو نجح في مهامه، إذا تم التضييق على حرية التعبير والنقد، هذا يضرب في الصميم مسألة التنافس الانتخابي. نلاحظ أيضا التضييق على العمل الإعلامي منذ 25 جويلية حيث لم تطأ قدم أي معارض الإذاعات العمومية والتلفزيون العمومي وأغلقت أبوابها في وجه المعارضة وفي وجه كل من ينقد من بعيد أو قريب السلطة القائمة، حتى الإعلام الخاص الذي كان منبرا لكل الآراء نلاحظ توقف العديد من البرامج السياسية، وأعتقد أنه لن تبقى هناك برامج سياسية مع اقتراب موعد الانتخابات، الناس بدأت تشعر بالخوف وباتوا يتحاشون الحديث في الشأن السياسي.
وجب أيضا توضيح نقطة مهمة؛ غالبية وسائل الإعلام وحتى هيئة الانتخابات تؤكد أن الدور الأول من الانتخابات الرئاسية يجب أن يجرى قبل تاريخ 23 أكتوبر 2024؛ لأن قيس سعيد أدى اليمين وتسلم مقاليد الرئاسة في 23 أكتوبر 2019. هذا غير صحيح، ما يجب أن يتم هو تسليم السلطة في أجل أقصاه 23 أكتوبر حسب الدستور. وبالتالي يجب أن يتم الدور الأول قبل منصف شهر سبتمبر 2024.
بالنسبة للمناخ السياسي لا توجد لدى السلطة رغبة في تنقيته خاصة أن الإيقافات وملفات التآمر قد تسببت فيها السلطة القائمة بالأساس، كما قامت بتخوين المعارضة وترذيلها في الخطابات الرسمية، وقد ذكرت في تحليل سياسي سابق أنه بالمنطق لا أتوقع تنظيم انتخابات لا يضمن فيها سعيد الفوز خاصة أن مفتاح الانتخابات بيده، وبذلك يتبين أنه ليس للسلطة رغبة في تنقية هذا المناخ كما أنها مستمرة في سياسة الهروب إلى الأمام.
هل تعتقد أنه مازال للأحزاب قدرة على إقناع الشارع بعد تهميشها منذ انطلاق مسار 25 جويلية؟
صحيح أننا معارضون للرئيس منذ انطلاق مسار 25 جويلية لكن لا يجب أن ننسى الواقع السياسي قبل ذلك التاريخ، هل كان هناك رغبة أو إرادة ممن حكموا تونس بعد الثورة في تدعيم دور الأحزاب وبناء ديمقراطية وتمكين الأحزاب في أن تلعب دورها في التمكين والتكوين السياسي للشباب وغير ذلك؟ طبعا لا..
تقوم الدولة في كل الديمقراطيات بتمويل الأحزاب السياسية. وقد نص الفصل 21 من مرسوم الأحزاب (عدد 87 لسنة 2011) على أن الأحزاب السياسية تتمتع بالتمويل العمومي. لكن الأحزاب التي حكمت لم تفعل هذا لأنها كانت تستفيد من مصادر تمويل كبيرة بعضها شرعي وبعضها الآخر لا نعلم مصدره لذلك كان من مصلحتها حينها عدم تمكين منافسيها من التمويل. في الممارسة الانتخابية والسياسية ساد شراء الأصوات والمنافسة غير النزيهة والمنحى الانتهازي لأحزاب تتنكر لوعودها الانتخابية علاوة على تفشي السياحة الحزبية و البرلمانية. أشكال العبث السياسي كانت واضحة ما رسخ في ذهن عموم التونسيين أن التحزب أو الممارسة الحزبية غير نقية وغير سليمة.
بعد 25 جويلية كان برنامج قيس سعيد واضحا في ضرب كل الأجسام الوسيطة “أحزاب، هيئات، نقابات” وإلغاء دورها بطرق مباشرة وغير مباشرة وعلى رأسها الأحزاب. تعددت خطابات التخوين والتشويه والاتهام بقضايا ثقيلة كالتآمر دون سند واضح لضرب كل الأحزاب وضرب فكرة التحزب في حد ذاتها. طبيعي إذن أن تتقلص قدرة الأحزاب على إقناع الشارع.
في ظل مناخ الخوف السائد، ليس من السهل اليوم استقطاب منخرطين جدد حتى إن تماهوا مع توجهاتك، هل من السهل اليوم أن تجد الأحزاب تمويلا خاصا بتطوع المواطنين، خاصة أن القانون يفرض كشف هوية المتبرع إلى السلطة؟ طبعا لا. لكننا في التيار الديمقراطي مازلنا نراهن على مبادئنا خاصة أن هناك اليوم قلة قليلة من المعارضة متشبثة بمواقفها ولا تخاف من تجاوزات السلطة والتيار الديمقراطي من أبرزهم رغم ما في ذلك من مخاطر، لكن حزبنا بني على المبدئية والأهم بالنسبة لنا أننا لا نفقد رأس المال هذا ومن المهم أن يتمسك حزبنا بمبدئيته رغم كل العراقيل و المخاطر، والرهان اليوم هو النضال والثبات على المبادئ وطرح مشاريع للتونسيين حتى لو لم نكن في السلطة.
قدمتم نقدا ذاتيا خلال مؤتمركم الثالث العام الماضي، حسب تقديركم ما هي أبرز أخطاء حزب التيار الديمقراطي وما هي الخطوات الإصلاحية التي يعمل عليها حاليا؟
التيار تقريبا هو الحزب الوحيد الذي لم يخجل من ذلك وكانت له من الشجاعة والنزاهة أن يقوم بنقد ذاتي في مؤتمره الأخير وأكثر من النقد فقد نشر لائحة التقييم والمراجعات على الموقع الرسمي وهي متاحة لعموم التونسيين.
حسب تقديري من أبرز الأخطاء أنه انخرط أو انساق في سياق التنافس في تشويه العمل الحزبي، كنا ولازلنا من رافعي لواء وشعار مكافحة الفساد لكن لسوء الحظ وهي من مخلفات حكم بن علي أن ظاهرة الفساد تكاد تصبح ثقافة مجتمعية وكان علينا التركيز والعمل وإيجاد حلول لآليات تفكيك منظومات الفساد ومن خلال التوصل إلى السياسات التي تقلص من الفساد ومراقبة الفساد واقتراح إصلاحات أكثر من تركيزنا على الملفات السياسة وهي أخطر الملفات والنتيجة التي لم نتفطن لها للأسف، هي وصم وتشويه كل الممارسة السياسية..
من أخطاء التيار أيضا أننا قبلنا أن نكون في حكومة إلياس الفخفاخ مع حركة النهضة إذ كان واضحا أن النهضة لن تقبل بحكومة لا تتحكم فيها. صحيح أننا شاركنا فيها لأنها حكومة الفخفاخ وليست حكومة النهضة، لكن كنا نشك أن تقبل النهضة بحكومة مستقلة عن تكتيكات وصالح قيادتها وفي النهاية النهضة هي من أسقطت هذه الحكومة لأنها تريد أن تكون هي المتحكمة في المشهد، كان الأسلم حسب رأيي حينها عدم التصويت لحكومة الفخفاخ وإعادة الانتخابات التشريعية.
حذّرتَ في تصريحات أخيرة من ابتزاز أوروبا لتونس في ملفي الهجرة والطاقة، هل تعتقد أن الحكومة التونسية سترضخ للضغوط والشروط الأوروبية؟
المسألة اليوم لم تعد تتعلق باعتقاد، واضح جدا ما آلت إليها الأمور حيث حققت “ميلوني” وعودها الانتخابية في التقليص من عدد المهاجرين، وهذا بالأساس بإضلاع تونس بمهمة مراقبة الحدود البحرية مراقبة متقدمة للسواحل الايطالية، وتؤكد هذا حتى على مستوى تشريعي مع صدور الأمر عدد 181 المتعلق بتنظيم البحر وإنقاذ الأشخاص المكروبين بالبحر وهذا ليس فقط لمن يحاول الهجرة من السواحل التونسية بل على كل السواحل التي خرج منها المهاجرون حيث ستقوم السلطات التونسية بمهمة السلطات الإيطالية وتجميع المهاجرين وإعادتهم للأراضي التونسية.
واضح أن “ميلوني” حققت ما أرادت في هذا الملف واستفدنا فقط من بعض الإعانات والمساعدات لتعزيز القوى الأمنية والعسكرية لمراقبة السواحل لكن ماذا استفدنا مقابل هذا؟ لما لم نرى شراكات أو اتفاقيات استثمار مربحة للاقتصاد التونسي، يعني أننا لم نجني شيئا حتى بمنطق المقايضة الذي نرفضه حين يتعلق الأمر بأرواح بشرية وبحقوق كونية مثل حق التنقل.
في ملف الطاقة للأسف استيقظنا منذ أسبوع على توقيع اتفاقية تتعلق بالاستثمار في الهيدروجين الأخضر في تونس بمبالغ كبيرة، وتتمثل عملية استخراج الهيدروجين عبر تفتيت الماء عن طريق الطاقة البديلة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية. هل يعقل في الوقت الذي نعاني فيه من عجز طاقي ومن فقر مائي كبيرين أن نوجه إمكانياتنا من الطاقات المتجددة ومن المياه لتصدير الهيدروجين الأخضر لأوروبا؟، أليس الأولى أن نحقق أولا اكتفاءنا الذاتي؟ دون الحديث عن الأضرار البيئية لهذا المشروع. يبدو أنه كما خضعنا في ملف الهجرة سنخضع في ملف الطاقة وسنكون مركزا متقدما لصنع الهيدروجين لصالح أوروبا.
ما تقييمكم للدبلوماسية التونسية خلال الأشهر الأخيرة، هناك توجه نحو الشرق مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الجنوبية إذ تعتقد السلطة أن هذا الأمر سيزيد من عدد الشركاء والمستثمرين والتخلص من سياسة الاقتراض التي أرهقت الدولة؟
بداية يجب التوضيح أن هذا الاقتراض يعود بالأساس لأننا لا ننتج ثروة لغياب تصورات لإنتاجها وغياب استراتيجيات لتنمية القطاعات التي بإمكانها إنتاج الثروة والترفيع في القدرة التصديرية والتقليص في العجز التجاري لذلك وقعنا في فخ الاقتراض.
ثانيا في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، المحدد هي المصالح بالأساس وليس الصداقات. جميع الدول المتقدمة تتصرف بمنطق المصلحة و دورنا نحن هو أن نربط شراكات وعلاقات عندما تتقاطع المصالح دون الاصطفاف في أي محور حتى لا نكون رهينة لابتزاز ما، وما يعرف عن تونس دائما التزامها بالحياد الايجابي.
بالنسبة للصين لدينا معها عجز تجاري كبير حيث نستورد منها أكثر من خمسين مرة أكثر ممن نقوم بتصديره لها، في حين نحقق مع الاتحاد الأوروبي فائضا في الميزان التجاري لكن الأهم من الاتحاد الأوروبي والصين هو أفريقيا. نحن نلتف أو نعطي بظهرنا عن أفريقيا. من المهم جدا أن ننفتح على أفريقيا لما تمثله من آفاق نمو واستثمار كبيرين. للأسف حتى موضوع الهجرة من جنوب الصحراء وما سمته السلطة بـ”مخطط تغيير الصبغة الديمغرافية لتونس”، ضرب مكانتنا وعلاقتنا مع أفريقيا مما قد يتسبب في إهدار لفرص استثمار كبيرة.
ولكن مهما كان الطرف الدولي الذي نتعامل معه، وإن افترضنا حسن نواياهم في مساعدة تونس، لا يمكن الاستفادة إذا لم نحدد توجهاتنا ورؤيتنا الاقتصادية، وحددنا برامجنا و اختياراتنا، أي دور للدولة وأي دور للقطاع الخاص في خلق الثروة، وعلى أي القطاعات سنراهن؟ ليست هناك ريح مواتية لمن لا يعلم وجهته. للحد من عجز الميزانية وعجز الميزان التجاري اليوم يجب التركيز والاستثمار في التوجهات والمشاريع التي تحقق الأمن الغذائي والأمن الطاقي، إضافة للاستثمار في البنية التحتية وفي صناعة الذكاء وهذا يتطلب بالضرورة انتقالا واستثمارا جريئا وجذريا على مستوى البحث العلمي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس