هزيمة المغزاوي في الانتخابات: سوء تقدير لشعبيته أم سباق غير متكافئ؟

69
هزيمة المغزاوي في الانتخابات: سوء تقدير لشعبيته أم سباق غير متكافئ؟
هزيمة المغزاوي في الانتخابات: سوء تقدير لشعبيته أم سباق غير متكافئ؟

أفريقيا برس – تونس. تساءلت أوساط سياسية في تونس عن سبب النتيجة الهزيلة التي مني بها مرشح حركة الشعب زهير المغزاوي في الانتخابات الرئاسية، وما إن كان مردها سوء التقدير لشعبيته أم غياب التكافؤ في الفرص بين المترشحين بالأساس.

وذكرت مصادر مطلعة لـ”أفريقيا برس” أن “حركة الشعب بصدد إعداد جلسة تقييمية في الأيام القليلة القادمة ستعلن على إثرها عن موقفها من نتائج الانتخابات وأسباب الهزيمة للرأي العام”.

وأعيد انتخاب قيس سعيّد رئيسا لتونس بنسبة 90.69 بالمئة من الأصوات وفق نتائج رسمية أولية أعلنتها اللجنة العليا المستقلة للانتخابات مساء الإثنين، فيما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت الأحد 28.8 بالمئة.

وتنافس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والمهندس ورجل الأعمال العياشي زمال (47 عاما) الذي يستثمر في المجال الزراعي والمحكوم عليه بالسجن لأكثر من 14 عاما بتهم “تزوير” تزكيات شعبية للترشح للانتخابات. واقترع 2,4 مليون شخص لصالح سعيّد، بينما نال زمال 197 ألف صوت (7.35بالمئة)، والمغزاوي 52 ألفا (1.97 بالمئة).

ومنذ انطلاقها، أثارت العملية الانتخابية الكثير الجدل في البلد بسبب ما شابها من تضييقات على المترشحين واستبعاد لمنافسين جديين وفق تنديدات المعارضة، إضافة إلى المعركة القانونية التي احتدمت بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية ليتدخل البرلمان في نهاية المطاف ويضع قانونا استثنائيا لتعديل القانون الانتخابي قبل أيام من موعد الانتخابات.

خلط أوراق

أجمعت التوقعات منذ بداية العملية الانتخابية أن طريق سعيد نحو ولاية ثانية مفتوحا على مصراعيه، لكن في المقابل لم تكن الخسارة المدوية التي مني بها المغزاوي في الحسبان، وذلك لما يحظى به من رصيد سياسي كبير وصيت شعبي لا بأس به، ولما يحسب له من نظافة يد كنائب في البرلمان السابق.

وفسّرت شخصيات سياسية سبب هزيمة المغزاوي في السباق إلى ارتباكه السياسي منذ إعلانه الترشح للرئاسة، حيث اختار إطلاق النار على مسار 25 جويلية والتبرؤ منه في حين أنه يعد من أوائل مؤيديه، الأمر الذي اعتبره كثيرون خطوة براغماتية هدفها تحقيق مكاسب سياسية وجذب أصوات الناخبين.

وأشار رشيد عثماني الناشط السياسي اليساري في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “سبب خسارة المغزاوي متعددة.. أولا لدينا مرشحا من داخل مسار 25 جويلية في حين الرئيس سعيد هو من يحتكر هذا المسار”.

وتابع “مسار 25 جويلية يعني قيس سعيد بالنسبة للتونسيين، كما وقعت أخطاء اتصالية فسرت على أن المغزاوي يسوي بين منظومة 24 جويلية وبين منظومة 25 جويلية، بالإضافة إلى أن من تحدث باسم حملته الانتخابية يحسب على منظومة 24 جويلية وهو ما ساهم في خلط الرايات”.

ولفت عثماني إلى “الخروقات والتجاوزات والجو المشحون بالتخويف وترهيب الناس وقلة الخبرة التي اتسمت بها حملة المغزاوي الانتخابية وهو ما تعاني منه غالبية القوى الديمقراطية، لذلك كانت النتيجة بهذا السوء”.

واستدرك بالقول “هذا طبعا لن يكون نهاية المطاف، النضال لا يتوقف على محطة انتخابية وسنواصل التنسيق لأجل الحرية والعدالة الاجتماعية لشعبنا”.

وبررت أوساط سياسية أخرى ضعف حظوظ المغزاوي إلى التشويش على المسار الانتخابي من خلال المعارك القانونية وإقصاء المترشحين والتضييق عليهم، وهو ما انعكس على الحملات الانتخابية التي كانت باهتة وواجهها الشارع بالفتور واللامبالاة، كما تركز الاهتمام على أسامي المترشحين في حين غابت برامجهم عن الواجهة.

وبالنسبة للسياسي التونسي مصطفى بن أحمد فإن “الأرقام لا تعني شيئا”، وفق حديثه لـ”أفريقيا برس”.

وأعتبر أنه “من غير الممكن الحديث عن خسارة أو ربح في هذا السباق وذلك بسبب الزج بقيادات المعارضة في السجون وإخراس الأصوات الإعلامية الناقدة للسلطة ولمنظومة 25 جويلية إضافة إلى التجاوزات التي وقعت خلال الفترة الانتخابية، لذلك لا يمكن الحديث عن أرقام ونسب”.

ورأى أنه وقع “إجهاض للمسار الانتخابي في مرحلتين: من خلال تقييد ومحاصرة القوى المعارضة، وحين وقع إقصاء شخصيات كان بوسعها إحداث توازن في الانتخابات”.

ورجح نتيجة التأييد الضعيفة للمغزاوي إلى “ظروف الحملة الانتخابية التي لم تستوفي الشروط، كما لم تكن هناك مناظرة بين المترشحين ولم يقع الترويج لبرامجهم كما يجب”.

وعلق “لذلك من الصعب الحكم على المغزاوي، لم تكن هناك حملة انتخابية بالأساس بل كان هناك تجييشا ضد خصوم ومنافسي الرئيس وهو ما يذكرنا بالعهود السابقة”.

عقاب المعارضة

يرى محللون أن المغزاوي أخطأ حين تنصل من مسار 25 جويلية، ما عرضه إلى انتقادات شعبية وسياسية، حيث أن المغزاوي، زعيم حركة الشعب، يعد من أنصار الرئيس سعيد منذ إعلانه حل البرلمان وفق ما يخوله له الفصل 80 من الدستور ومن المساندين لمشروعه السياسي الذي لا وجود فيه لأحزاب ما قبل 25 جويلية في المشهد.

مع ذلك، حاول المغزاوي أن ينتهج موقفا معتدلا من المسار ولم يتردد في انتقاد سوء إدارته للأزمة الاقتصادية أو في حملة الإيقافات الواسعة ضد المعارضين وفق المرسوم 54، ولم يتردد في الاعتراف بالانحرافات التي شابت المسار ومكامن الفشل فيه.

ويعتقد المحلل السياسي باسل الترجمان في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “ضعف مساندة المغزاوي في الانتخابات تعود إلى أنه أدلى بمواقف سياسية تتنافى مع المزاج الشعبي العام، فالحديث عن العودة إلى 24 جويلية وإعادة فتح باب أغلقه الشعب التونسي بشكل كامل هو ما أفقده الكثير من المساندات حتى من أنصاره”.

وبيّن أن “محاولة حركة الشعب مغازلة قواعد ومجموعات أحزاب 24 جويلية كان خيارا فاشلا، بالتالي تسبب في الهزيمة الكبرى التي لحقت به”.

ويتسق رأي ترجمان مع رأي المحلل السياسي منذر ثابت الذي رجح في حديثه لـ”أفريقيا برس” إن “فشل المغزاوي والنتيجة الهزيلة التي مني بها على الرغم ما يحظى به الرجل من رصيد نضالي وتاريخ سياسي هام ومحترم، إلى مساندته مسار 25 جويلية، كما أنه لم يتخذ مسافة من هذا المسار إلا بصفة متأخرة وبدت العملية وكأنها تكتيك سياسي لإضفاء مصداقية على ترشحه”.

وفي تقديره، فإنه كان من الواضح أن “المغزاوي عوقب لكونه كان من داعمي 25 جويلية لكنه أيضا تأخر في اتخاذ المسافة والإعلان عن القطيعة معه”.

وأضاف “في مستوى الخطاب خلال حملته الانتخابية كان تقييمه سلبيا جدا لأداء الرئيس، وهو ما اعتبره الرأي العام وكأنه في شكل من أشكال التمويه والمغالطة”. وأبرز بالقول “يعني عوقب مرتين، مرة من أنصار 25 جويلية الذين رأوا في ترشحه خيانة، ثم عوقب من المعارضة التي اعتبرت ترشحه مجرد تمويه”.

وتعد مشاركة المغزاوي في السباق الرئاسي هي أول مشاركة للتيار القومي في تونس باعتبار تزعمه لحركة الشعب، الحركة المعروف عنها توجهها القومي، وتعكس نتيجة المغزاوي الهزيلة ضعف شعبية هذا التيار في البلد على عكس المتوقع.

وتؤكد خسارة المغزاوي أن الأحزاب لم تعد لها وزن وثقل بالمشهد، وأن الرئيس سعيد أستاذ القانون الدستوري، قد نجح في تهميشها وإقناع الشارع بحياة سياسية دون وجود الأجسام الوسيطة مستثمرا في ذلك فشلها طيلة العشرية الأخيرة في إدارة أزمات البلاد.

ولفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “النتيجة التي حققها المغزاوي كانت متوقعة، لأنه كان متوقعا أنه لن تكون له أي حظوظ وستكون النتائج هزيلة لاعتبارات عدة أبرزها أنه من المحسوبين على مسار 25 جويلية ويعد من صف الرئيس سعيد وهو أكثر من دافع على مشروعه إلى حدود أيام قليلة من إعلانه عن ترشحه”.

وسلط عبد الكبير الضوء على خلافات حركة الشعب مع عديد من الأحزاب سواء كانت يمينية أو يسارية إضافة إلى موقفها من الإسلاميين وموقفها من اليسار بكل تشكيلاته، الأمر الذي صعب اصطفاف المعارضة وراء المغزاوي في الانتخابات ودعمه.

وزاد بالقول “كانت لحركة الشعب عديد الخلافات مع الأحزاب إضافة إلى خلافاتها الداخلية، وهي نتيجة متوقعة رغم أن المشاركة كانت مهمة كأول تجربة للتيار القومي في الانتخابات الرئاسية”.

ورغم تجديد الثقة للرئيس سعيد في ولاية ثانية وخسارة المعارضة رهانها على الشارع في قلب المعادلة وإحداث التغيير، إلا أن المعارضة السياسية ستواصل عملها وقد تتعظ من تشتتها خاصة فيما يخص الأحزاب اليسارية وقد نشهد مشهد سياسيا للمعارضة مثل الذي سبق سقوط نظام بن علي، وفق تقدير عبد الكبير.

وخلص بالقول “يجب الإشارة إلى أن المعارضة بعد الفوز الكاسح لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية لن ترمي المنديل أمامه، وأنصح سعيد بالذهاب إلى مصالحة سياسية والى تنفيس المناخ الديمقراطي السياسي لتجاوز جملة من العقبات حتى لا يكون الصراع حادا بينه وبين المعارضة وهو ما سيؤثر على استقرار البلاد”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here