هل تأكل الثورة أبناءها..

36

نصرالدين السويلمي

الثورة باقية والدولة باقية والشعوب باقية، تلك القيم التي يمكن أن تحسّن بذرتها لكنها هي المدار ومستقر القرار، أما الأحزاب والهيئات والكيانات والشخصيات فــ ايامها دول وسجال، واستقرار على حال من المحال، فاذا اردنا ان لا يلعننا المقبل فعلينا ان لا نلعن الراحل مالم يكن سليل دولة اجرام، لذلك على العقل التونسي الذي يؤثث مرحلة ما بعد الدكتاتورية أن يرتقي الى مستوى الرؤية الناضجة المتوازنة ولا يتعاطى مع السابق بنزعة الشيطنة واللاحق الذي بين يديه بنزعة التقديس، فليس أكثر خجلا من تلك الانخراطات المزرية في ثلب من انتهت مهمته وممارسة الفرح الطفولي الملائكي في حضرة المحبوب الذي حل تحت عناية الأقدار وبروح الثوار…ليس ذلك غير عملية إعدام غبية لمنجزات ثورة بكل تفاصيلها و اكراهاتها وضروراتها.. أيتها الثورة الكريمة لا تتجاهل الأيدي التي مدت وشدت، فتهجرك الايادي.. كل الايادي.

قبل ان يسكر بعض الشارع بلحظة 15 سبتمبر ولحظة 6 أكتوبر، كانت قبل تلك اللحظة وهذه محطات اخرى منعت الانهيار وتصدت للمصرنة واليمننة وأسهمت في دفع السفينة المترنحة على الشاطئ لتشرع في الإبحار.. قبل هذا اليوم وذاك كنا على موعد مع 23 اكتوبر العظيم وعلى موعد مع أول بروبة نفذتها الترويكا جمعت فرقاء الفكرة على طاولة واحدة، من هناك كانت بذرة التعايش، منذ تحدث الغنوشي مع المرزوقي وانصت الدكتور مصطفى بن جعفر، ثم من رحم عـــام المحنة “2013” اكتسبت الثورة كرياتها البيضاء، هناك تناولت جرعة الحصانة و اكتسبت مناعة اسهمت في بقائها على قيد الحياة..

لا تنسوا كل الذين وقفوا في وجه الانقلابات والمؤامرات، لا تنسوا من كان في الساحات العامة يصد كتائب سعد حداد حين تجمعت وحين همت، لا تنسوا من أمّن ظهوركم انطلاقا من قصر قرطاج حين كانت المعارك تحتدم في الشارع ذات 2013، وحين كانت ميليشيات محمد بن زايد مدفوعة بشحنة الانقلاب السيساوي تحشد للانقضاض – إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا- تلك هي الملحة الكبرى التي أفسحت لمحطات لاحقة يرتضيها الشعب وترتضيه، فليس نهضة وكرامة وتيار 2019 إلا نتيجة لصمود ترويكي عظيم وليس قيس سعيد إلا قصة جميلة بداها محمد المرزوقي..

راكموا انجازاتكم فالثورة التي تبتر اطرافها كالجسم الذي يتخلص من أعضائه بحجة التخفف، راكموا انجازاتكم ولا تستمعوا الى تلفزة سجاح ومذياع مسيلمة، راكموا فإن الثورة التي لا تراكم تتحول من فكرة ثائرة الى شهوة ثائرة، إنها لا تبرد الأفكار حين يصدمها الرصاص، وتبرد الشهوات حين تلثمها الغريزة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here