آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. فسرت أوساط سياسية تونسية تراجع حماس الرئيس قيس سعيد بشأن قانون تجريم التطبيع، الذي قام البرلمان بإرجاء التصويت على بقية فصوله إلى جلسة الجمعة، إلى ضغوط مارستها العواصم الغربية وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا لأجل سحبه وعدم تمريره، إضافة إلى واقع الاقتصاد المحلي الذي يجبره على الاقتراض والتداين الخارجي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن سيرين مرابط مساعدة رئيس البرلمان اعترافها بوجود ضغوط أميركية لسحب قانون تجريم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في حين أبلغ رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة النواب أن الرئيس سعيد يرى أن “مقترح القانون سيضر بالمصالح الخارجية لتونس.“
وتوقع محللون وسياسيون ان تدفع الضغوط السياسية والاقتصادية الرئيس سعيد على إدارة ظهره لمشروع قانون تجريم التطبيع، حيت إكراهات الواقع تدفع على صرف النظر على هذا القانون بالرغم الاندفاعة العاطفية القوية للشارع التونسي لأجل تمرير القانون تضامنا مع الشارع الفلسطيني.
ابتزاز خارجي وانقسام داخلي
لا تستبعد أوساط سياسية إرجاء المصادقة على القانون وتعرضه لانتكاسة أخرى وربما قبره كما وقع مع البرلمانات السابقة، حيث لطالما وضع هذا القانون في خانة المزايدات والمكاسب السياسية والخطابات الشعبوية خلال الحملات الانتخابية لا غير.
ويشير القيادي في حزب البعث صهيب المزريقي في حديثه ل“أفريقيا برس“ أنه “مما لا شك فيه أن تونس تتعرض بصورة فعلية وأكيدة لضغوطات كبيرة خاصة من الدول الإمبريالية التي سعت لإيجاد هذا الجسم الغريب في خاصرة الوطن العربي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا“.
وتابع بالقول“ من الطبيعي والمؤكد أن تسعى هذه الدول إلى حماية إسرائيل و ضمان استخدام إسرائيل كآلة حربية وعسكرية وسياسية لضمان مصالحها في الشرق الأوسط، وأكبر دليل على ذلك هو أن جل الدول الغربية اصطفت وراء إسرائيل وقدمت لها الدعم المالي والعسكري وحتى الحضور المباشر كزيارة بايدن و بلينكن إلى تل أبيب. “
وبرأيه “ كل هذه العوامل والأسباب ستدفع بالضرورة بالولايات المتحدة إلى الضغط على تونس رئيسا وبرلمانا من أجل سحب هذا المشروع والحد من المواقف التونسية الداعمة للشعب الفلسطيني.. مما لا شك فيه ستكون هناك ضغوط و إبتزازات من قبل الإمبريالية وذراعها الرأسمالي خاصة المتمثل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي علاوة على الضغوط الاقتصادية والتجارية الدولية مما يستوجب في اعتقادي التوجه لبديل اقتصادي وطني لأن الشريك الأوروبي الكلاسيكي سينقلب على توجهات الدولة وهنا على رئيس الجمهورية قيس سعيد أن يجد حلا و مقاربة جديدة مبنية على السيادة و التوجه للإنتاج الوطني والاقتصاد القوي و ملاءمته مع القرارات القومية و الإنسانية، وهنا أقول لابد من التعامل بعقلانية مع المسألة.“
وبالنسبة للقيادي في حركة الشعب أسامة عويدات فقد أكد في تصريحاته ل“أفريقيا برس“ أن“ موقف الرئيس سعيد كان واضحا حين قال نحن لا نخضع للابتزاز لا من الداخل ولا من الخارج، في حين أنه داخل مجلس النواب هناك اتجاهين الأول يرى من الضروري تمرير القانون خاصة أن الرئيس منسجم مع هذا الخيار، أما التيار الثاني فأصبح يخون بالتآمر لكل من يؤيد ويريد تجريم التطبيع يعني الناس التي ترغب في معاداة الصهيونية أصبحوا عند هؤلاء مجرمين ومتآمرين..
وأوضح عويدات أنه“ وقع التصويت على العنوان وعلى الفصل الأول والثاني فيما مازالت بقية الفصول محل نقاش“. وعلق بالقول“ نحن في جدل الإجرائي وأزمة إجرائية حيث لا نستطيع أن ندخل جلسة جديدة دون إكمال الجلسة الأولى، ثانيا لا تستطيع إلغائها، و ثالثا لدينا حلان إما أن نصوت على بقية الفصول ويتم توجيه مشروع القانون للرئاسة للاطلاع عليه بالقبول أو الرفض وإرجاعه لقراءة ثانية، أو يصوت عليه برمته وهكذا يعود إلى اللجنة وفي تقديري في حال عودته إلى اللجنة فإن القانون سيقبر“.
تبعات اقتصادية
يتضمن مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني والاعتراف به والتعامل معه، ستة فصول وتم تقديمه من قبل مجموعة من النواب الداعمين للرئيس قيس سعيّد.
ويعرف الفصل الثاني من مشروع القانون، “التطبيع اعترافا وتعاملا جريمة يعدّ مرتكبا لها كل شخص تعمد القيام أو المشاركة أو محاولة القيام بالتواصل أو الاتصال أو الدعاية أو التعاقد أو التعاون بكل أشكاله بمقابل أو بدونه بصفة عرضية أو متواترة بشكل مباشر أو بواسطة من قبل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين ينتمون للكيان الصهيوني أفرادا ومؤسسات ومنظمات وجمعيات وهيئات حكومية أو غير حكومية عمومية أو خاصة باستثناء فلسطينيي الداخل”.
ويؤكد متابعون أن قانون تجريم التطبيع قد لا يجد مبررا في الوقت الذي تعرف فيه تونس بمقاطعتها لإسرائيل ومعاداتها لها وعدم انسياقها وراء موجة التطبيع التي شهدتها دول عربية، ولا يعني عدم تمريره عدم استمرار دعم البلاد للحق الفلسطيني وهو ما عرفت به على مدى تاريخها.
ويلفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه ل”أفريقيا برس”أن” قانون تجريم التطبيع هو مشروع قديم جديد فشلت كل الأنظمة العربية وغير العربية في تبينه والمصادقة عليه نظرا لأنه اعتراف ضمني بمعاداة السامية وهذا له تبعات كبيرة وخطيرة على أي بلد”.
وأضاف عبد الكبير”تونس بلد بعيد وليس أحد بلدان الطوق وهو غير مطلع وليس له علاقات مباشرة بالكيان الصهيوني وغير معني بعدة مواضيع غير أن النفس الثوري للتونسيين وتعلقهم بالقضية الفلسطينية جعلهم من أكثر الشعوب العربية إيمانا بأن الكيان الصهيوني كيان غاصب فطرح موضوع قانون تجريم التطبيع هو من قبيل النفس الثوري لا غير فأنا لا أعتقد أن هناك ضغوطا سياسية لا من أمريكا ولا من غيرها وإن وجدت بشكل بسيط”.
وأردف “الضغوط الحقيقية حسب رأيي هي ضغوطات اقتصادية بالأساس واعتبارا لوضع الاقتصاد التونسي ووضع المالية التونسية لا نستطيع فعل ذلك لأن غالبية الشركات الدولية التي تتعامل معها تونس في علاقة مباشرة أو غير مباشرة برؤوس أموال وشركات تلتزم في تعاملها مع كل الأطراف بعدم معاداة السامية إضافة لعدة مشاكل أخرى تصيب الاقتصاد التونسي في مقتل لذلك فإن وزير الخارجية في البداية كان ملازما لرئيس الجمهورية من أجل إقناعه بالتدخل ووقف هذه الكارثة و هذا ما حصل. ”
واستنتج بالقول “أعتقد أن اكراهات الواقع هي من ضغط على الرئيس وعلى الجميع من أجل صرف النظر عن هذا الموضوع وتأجيل الخوض فيه”.
ويتسق رأي عبد الكبير مع رأي منذر ثابت، المحلل السياسي الذي بين في حديثه ل”أفريقيا برس” أن” التبعات الاقتصادية وراء إجراء التصويت على القانون بالرغم من الاندفاعة العاطفية الرسمية والشعبية لدعم الفلسطينيين في قضيتهم العادلة”. ويقول ثابت “التطبيع وجد دائما مقاومة في الساحة السياسية التونسية ساحة يسودها اليسار الماركسي المعادي للصهيونية والامبريالية وأيضا ساحة مطبوعة بحضور الحركات القومية”.
وبالنسبة لقيس سعيد فإنه “يواجه إحراجا في الملف المالي بسبب القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي المعلق وبالطبع بسبب الإشارات من العواصم الغربية وهي إشارات غير مباشرة، لكنها تتضمن معاني السخط وعدم الرضا على الموقف التونسي وواضح هناك إشكالا حقيقيا يواجهه سعيد وتواجهه تونس ككل”.
ولا يستبعد ثابت أن تكون “مسألة قانون تجريم التطبيع مدخلا لضرب الحريات الأكاديمية ومدخلا لضرب حرية التعبير والمعتقد، وبكل تأكيد هو يطرح جملة من الإشكاليات لعل من أبرزها مسالة مقاطعة أو قطع العلاقات مع البلدان المطبعة ما إذا كان التطبيع جريمة فالدول المطبعة مجرمة وبالتالي هناك إشكال حقيقي في مستوى المعنى والدلالة والجدوى السياسية والاقتصادية وواضح أن الطرح الرافض لقانون تجريم التطبيع هو الأكثر واقعية وغير متناقض مع دعم المقاومة والانتصار للحق الفلسطيني”.
وفي تقديره “سيكون قانون تجريم التطبيع بمثابة خلع للأبواب المفتوحة بمعنى أن داخل الرأي العام في تونس وداخل الطبقة السياسية هناك مناعة تسمح بالاطمئنان إلى رفض التطبيع ورفض الانصهار في هذا التيار الذي يرى أن الوقت سانح لإبرام تسوية مع “إسرائيل” في حين أن الشعب الفلسطيني يقتل ولم يحصل بعد على حقه على إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة. ”
مطلب شعبي
يحظى قانون تجريم التطبيع بتأييد شعبي واسع خاصة في ظل ما يعيشه قطاع غزة من انتهاكات غير مسبوقة وجرائم من قبل آلة الحرب الإسرائيلية وتأتي الدعوات للمطالبة به كرد فعل وتعبير عن رفض تونس لمثل هذه الجرائم بحق الإنسانية وتعبير عن تواصل الدعم والتضامن لقضية فلسطين العادلة.
ويشير باسل ترجمان، المحلل سياسي في حديثه ل “أفريقيا برس” أن “قانون تجريم التطبيع هو موقف يلتقي فيه غالبية الشعب التونسي وهذا أمر ليس بجديد، والمطالبة بهذا القانون ليس وليد اليوم والصدفة بل هو عبارة عن عمل طالبت به عديد القوى الشعبية والسياسية والنقابية في تونس، بالتالي اليوم نحن أمام مطلب سياسي وشعبي في ظل ما يشهده قطاع غزة من عدوان صهيوني غير مسبوق يستهدف تدميره بالكامل”.
واعتبر ترجمان أن “ما جرى تحت قبة البرلمان ورائه بعض الأطراف التي تريد صناعة حدث سياسي يكون متناسبا مع يوم 2 نوفمبر حين وقع إطلاق وعد بلفور، لكن للأسف الشديد هذا المشروع كان بعيدا تماما عن الواقع وكان عبارة عن رد فعل عاطفية أكثر منه مشروع قانون قابلا للتنفيذ والتطبيق وبالتالي كان هناك تسرعا جراء ما يشهده القطاع أي اندفاعة عاطفية من أجل تسجيل هدف سياسي وليس انجاز مشروع قانون يمكن أن يكون قادرا على أن يمنع أي شكل من إشكال التطبيع ويجرمها.”
وفيما يخص تعرض الرئيس سعيد لضغوط دولية، يعتقد ترجمان أن” الرئيس كان واضحا في موقفه وليس هنالك تطبيع في تونس ولن يكون، وهو أمر لا تخضع له تونس لا من بعيد ولا من قريب والموقف السياسي والشعبي واحد وهي المرة الأولى التي يتناسق فيه الموقف الرسمي مع الشعبي مساندة ودعما للشعب الفلسطيني بما لا يسمح لتونس أن تكون عرضة للضغوط لكن أيضا كان رسالة لكثير من الأطراف التي حاولت أن تستغل هذا الظرف لتحقيق مكاسب سياسية بما يتناسب مع الواقع التونسي.”
وخلافا للأصوات التي ترى أن تأجيل التصويت على القانون له مبرراته ودوافعه السياسية والاقتصادية، إلا أن الأمين العام لحركة البعث عثمان الحاج عمر وصف في حديثه ل “أفريقيا برس” تأجيله بالقرار “الخاطئ.”
ويقول “الرئيس مخطأ لأن القانون المراد التصويت عليه لا يعني الرئيس بذاته وإنما يعني كل الشعب التونسي ومكوناته السياسية والحقوقية والاجتماعية… القانون يعني الأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين عموميين أو خواص، يعني السلطات والمؤسسات والأجهزة… يعنيها اليوم وغدا، وكل ذلك لا يستطيع الرئيس التحكم فيه أو الحكم عليه اليوم وغدا. ”
وزاد بالقول “بالتالي لا يستطيع الرئيس تطبيق هذا الموقف الشخصي إلا على نفسه، لذلك فلا بد من وضع قانون يجرم التطبيع يستند إلى الدستور، نعم وهذا هو أصل الأشياء… الإشكال هو هل يكون هذا القانون قانونا مستقلا بذاته أو يكون فصلا أو فصولا من المجلة الجزائية فالأمر سيان… ولكن في هذه المرحلة أو في هذه اللحظة أن يكون قانونا مستقلا أفضل ووقعه وصداه يكون أشد بل سيكون عملا مقاوما في حد ذاته. ”
وختم الحاج عمر بالقول “التساؤل الحقيقي الآن، هو هل مجلس النواب مستقل وهل حقيقة هو من يختص بالوظيفة التشريعية، أم هو مجرد غرفة تسجيل لمشاريع الحكومة… لماذا يسمح لوزير الخارجية بالتدخل بتلك الطريقة السافرة في مجال هو ليس من صلاحياته… ولماذا يرهن السيد رئيس مجلس النواب إرادة المجلس لرغبات وهواجس الحكومة… رغم أننا لا نفهم كيف يعبر رئيس الدولة عن موقف هو في الحقيقة موقف الشعب التونسي بجل مكوناته السياسية والحقوقية والاجتماعية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس