أفريقيا برس – تونس. كشفت حدة الأزمات التي تعصف بتونس خاصة مع ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية بالبلد مؤخرا إضافة إلى استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة وسط فقدان مواد غذائية أساسية، عن ضعف أداء البرلمان ودوره المحدود في نقل البلد إلى بر الأمان والاستقرار والتعافي الاقتصادي.
وتلاحظ أوساط سياسية أنه بعد مرور أكثر من مئة يوم على تنصيبه يبدو البرلمان محدود التأثير في المشهد السياسي التونسي بسبب ضعف صلاحياته من جهة وعدم التجانس بين كتله النيابة من جهة ثانية.
ويرى هؤلاء أن تأخر البرلمان في تركيز بقية المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية، إضافة إلى ربط مهامه بمهام مجلس الأقاليم والجهات وهي الغرفة الثانية بالبرلمان الني لم يقع انتخابها إلى حد الآن، دليل قاطع على دوره الشكلي، فيما يتوجس الشارع من تواصل الصورة السلبية لمجلسهم النيابي في مرحلة ما قبل 25 جويلية في حال خرجت الخلافات الدائرة بين كتله النيابية إلى دائرة العلن.
ويخفف النائب محمد شعباني في حديثه لـ”أفريقيا برس” من هذه المخاوف بشأن محدودية تأثير البرلمان الجديد في مواجهة أزمات البلاد الخانقة، مستندا في ذلك إلى الدور التشريعي والرقابي المكفول للبرلمان في الدستور الجديد.
ويقول شعباني:”أولا نحن نقر بأن أولويات المرحلة وبالتوازي مع تجاوز الأزمة الاقتصادية هو تركيز بقية المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية كونها هي الضامن الدستورية للقوانين سواء القوانين الأساسية التي نصادق عليها في مجلس نواب الشعب أو المراسيم والتدقيق في مدى دستوريتها”.
ويعتقد أن”الدعوات المتكررة لتركيز المحكمة الدستورية وهي الاختبار الحقيقي للبرلمان الجديد” كانت في محلها حيث لابد من تركيز المحكمة قبل التوجه في إرساء المؤسسات الدستورية الأخرى على المجلس الوطني للجهات والأقاليم والانتخابات البلدية حتى يكون القانون الانتخابي والتنظيمي للانتخابات والدعوة للانتخاب متجانسة مع الدستور. ”
ويستبعد النائب عن جهة سيدي بوزيد أي” تحدي بين الرئاسة والبرلمان من ناحية مراقبة أداء الحكومة سواء كانت مراقبة لعضو الحكومة أو الحكومة كاملة و حتى مساءلتها أمام البرلمان”.
ويشير شعانبي آن” الدور الرقابي أقره دستور 25 جويلية2022 وهو ما فسره رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقاءه برئيس البرلمان إبراهيم بودربالة”. معلقا” أرى أنه هناك تناغما في البعد الرقابي بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة في سبيل تطبيق برنامج الحكومة. ”
دور محدود
لطالما وجهت المعارضة انتقادات للبرلمان بخصوص محدودية صلاحياته، ووفق الدستور الجديد المُقر عبر استفتاء جويلية/ يوليو 2022، فقد تقلصت صلاحيات نواب البرلمان الجديد مقارنة بما كانوا يتمتعون به في دستور 2014.
وتنص المادة 61 من الدستور الجديد على أن “التفويض الممنوح للنائب يمكن سحبه وفق الشروط التي يحددها قانون الانتخابات”، بينما تؤكد المادة 62 على تحجير تنقل نواب البرلمان بين الكتل النيابية”. فيما تمنح المادة 68 الرئيس الحق في طرح مشروعات القوانين على البرلمان،وهو من يقدم مشروعات قوانين الموافقة على المعاهدات ومشروعات القوانين المالية.
يرفض شعانبي هذه الانتقادات،ويرى أن” من يقول ذلك إما أنه لم يفهم المهام البرلمانية في دستور 25 جويلية أو أنهم لا يفهمون ماهية و طبيعة البرلمان أو أنهم يشنون هجمة ممنهجة للتقليل من البرلمان.”
ويستنتج” من يقول ذلك ويقارن بين برلمان دستور 2014 ودستور2022 لم يفهم بعد نظام اشتغال البرلمان بعد تغير طبيعة النظام في تونس فصلاحيات البرلمان في النظام الرئاسي تختلف عن النظام الرئاسي مع المحافظة طبعا على أسس ومرتكزات العمل البرلمان كوظيفة تشريعية و رقابية وهذا ما تقوم عليه كل برلمانات العالم. ”
ويلفت المتابعون أن بداية عمل البرلمان اصطدمت بعدم قدرة الكتل النبايبة على التوافق والانسجام فيما بينها حيث كانت مهمة تشكيل الكتل في حد ذاتها صعبة ومعقدة بالنسبة للنواب الجدد، وبينما نص الدّستور التونسي على ضرورة انتخاب أعضاء لجان مجلس نواب الشعب، إلا أن النظام الدّاخلي للبرلمان نصّ بدوره على ضرورة مراعاة التمثيل النسبي للكتل داخل اللّجان بهدف تحقيق التوازن.
وفي تقدير هؤلاء فان عدم القدرة على تشكيل كتل قوية في البرلمان الجديد يعكس عدم التجانس بين نواب البرلمان الجديد المنتخب على أساس الأفراد، كما أن غياب المعارضة يفقده المصداقية والشفافية أمام الرأي العام.
وتعد كتلة “صوت الجمهورية” الأكبر داخل البرلمان وتضمّ 25 نائبا تليها كتلة “الوطنية المستقلة” بـ 21 نائب، ثمّ كتلة “الأمانة والعمل” 21 نائبا، ثم “كتلة الأحرار” بـ 19 نائب، ثم كتلة “لينتصر الشعب” بـ 16 نائب، ثمّ كتلة “الخط الوطني السيادي” (تضمّ حركة الشعب والوطد) بـ 15 نائب، فيما سيبقى 37 نائبا غير منتمين إلى أيّ كتلة.
وتؤكد الأوساط السياسية أن التوافق يشكل تحديا أمام البرلمان الجديد المدعو إلى استعادة ثقة الشارع، حيث من شأن الخلافات والمحاصصة الحزبية أن تعيد الصورة السلبية والممارسات السابقة لمرحلة ما قبل 25 جويلية إلى الواجهة، الأمر الذي سيعطل مهام البرلمان ويصعب تمرير مشاريع القوانين المقترحة.
وسبق أن أقر رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، أن” البرلمان يواجه تحديات كبرى، تحتم العمل في جو من الانسجام بين النواب والقطع مع ممارسات الفترة الماضية واسترجاع ثقة التونسيين، ونشر ثقافة العمل وخدمة الصالح العام”.
ونقلت وسائل إعلامية محلية قوله أن”المسؤولية الملقاة على النواب جسيمة، مما يحتم ضرورة بذل المزيد من الجهد قصد زرع الطمأنينة في النفوس من أجل بناء حاضر البلاد واستشراف مستقبل الأجيال القادمة لتوفير أرضية لنماء اجتماعي مستدام”.
شرعية مهتزة
تتجه الأنظار إلى البرلمان خاصة في ظل ما تعيشه البلد من أزمات أبرزها الهجرة الغير شرعية وفقدان المواد الغذائية والجفاف والانقسامات السياسية بين أحزاب مؤيدة وأخرى معارضة لمسار 25 جويلية.
ويتساءل المتابعون عن قدرة البرلمان على التأثير في مشهد سياسي يتخذ منحى فرديا مع استحواذ الرئاسة على غالبية الصلاحيات، ووسط تعطش الشارع إلى حلول حقيقية تخرجه من الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها منذ أكثر من عقد من الزمن.
وعلى رغم بداية البرلمان في مناقشة مشاريع قوانين تضع الاقتصاد والمسائل الاجتماعية كأولوية، لكن يبدو من الصعب التوافق بشأنها بسبب تباين الرؤى بين الكتل النيابية، إضافة إلى غياب الأحزاب القوية والكفاءات السياسية عن المشهد واقصائها نتيجة معارضتها لإجراءات 25 جويلية.
وما يزيد الوضع سوء هو إصرار الرئاسة على رفض الحوار مع الأحزاب والمنظمات الوطنية الأمر الذي يطيل أمد الأزمة السياسية بالبلد، وبالتي استمرار المعارك والخلافات بين الرئاسة والنخب السياسية فيما تبقى الأوضاع الاقتصادية والمالية على حالها.
ويأتي ذلك فيما تقول المعارضة أن البرلمان الذي يتشكل من غالبية المؤيدين لمسار 25 جويلية فقد تأثيره كما أن مهامه بالأساس هو الدفاع عن مشروع الرئاسة التي تعمل على إضعاف دور الأحزاب والمنظمات.
ويلفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه ل”أفريقيا برس” إلى أن” البرلمان اليوم هو جسم غير متماسك وهناك شعور لدى العديد من النواب أن شرعيتهم منقولة ومهتزة بسبب ضعف الأصوات المتحول عليها النائب لذلك فإن الكتل في البرلمان ليست كما يجب أن تكون وهي غير مستوعبة لدورها وأن صلاحياتها غير محددة خاصة وأن الرئيس ربط أداءها بمجالس الأقاليم والجهات الذي مازال لم ينتصب بعد. ”
وخلص عبد الكبير بالقول” من الطبيعي أن نجد الخلافات وعدم التجانس وتباين كبير في المواقف إضافة إلى عدم اعتراف الكتل ببعضها وعدم اعتراف السلطة بدور الكتل وأهميتها هذا وقد ساهم المناخ العام للبلاد في تقزيم دور الكتل والبرلمان بصفة عامة هناك عمل كبير يجب القيام به حتى نستطيع أن نتحدث عن كتل وعن مواقفها وعن الانسجام داخل البرلمان”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس