آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار وليد العباسي، القيادي في حزب التيار الشعبي، في حواره مع “أفريقيا برس”، إلى أن “تونس بحاجة إلى حكومة سياسية أكثر من أي وقت مضى”، حيث لا يمكن للبلاد أن “تستمر تحت إدارة حكومات تقنية فاقدة لأي رؤية سياسية، ولا يمكن للتكنوقراط مهما بلغت كفاءاتهم أن يقودوا مرحلة بهذا الحجم من التعقيد، لذلك تقتضي المرحلة حكومة ذات رؤية سياسية وطنية واضحة تتحرك ضمن مشروع وطني”، وفق تقديره.
ورأى أن “الانتقادات الصادرة عن قوى وطنية دعمت مسار 25 جويلية لا تعني التخلي عنه، بل تعكس حرصًا على تصويبه لتحقيق أهدافه الحقيقية”. كما أن “التيار الشعبي يؤمن بأن هذا المسار يجب أن يُترجم إلى مشروع وطني متكامل”.
واعتبر أن “تجاهل دعوات التشاور الواسع مع مختلف مكونات المجتمع ليس فقط تقصيراً في التواصل، بل يشكّل تهديداً جدياً لأي مشروع وطني شامل، حيث إن الاستماع إلى القوى الوطنية والاجتماعية الجادة ليس ترفاً سياسياً، بل شرط ضروري لتثبيت الاستقرار السياسي”.
وحذّر من “إقصاء وتجاهل كل الطاقات الوطنية الجادة، والعمل بمنطق التفرد، حيث سيُضعف ذلك أي قدرة حقيقية على التغيير الجذري، ويعيد إنتاج منوال الفشل السابق في أشكال جديدة”.
يُذكر أن وليد العباسي هو عضو المكتب السياسي لحزب التيار الشعبي، وناشط سابق في الحركة الطلابية، وحاصل على شهادة الماجستير في الإعلامية، ويشغل حالياً وظيفة في وزارة التربية التونسية.
وجه الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرا رسائل إلى المسؤولين بالبلد بضرورة الارتقاء إلى مستوى المرحلة التي تعيشها تونس، هل برأيك غياب الكفاءة وعدم التماهي مع توجهات السلطة يقفان حجر عثرة أمام مساعي السلطة لبناء دولة اجتماعية في تونس؟
ما نراه اليوم هو أن أداء الجهاز التنفيذي لا يزال دون مستوى التطلعات التي كنا ننتظرها، والتي ينتظرها الشعب التونسي منذ سنوات. إلى الآن، نستمر في معالجة مظاهر الأزمات دون التطرق إلى جذورها، رغم بعض المبادرات، خاصة على مستوى التشريعات الاجتماعية.
الإشكال الأعمق أن تعيين المسؤولين في مواقع القرار لا يتم وفق معايير واضحة أو شفافة. لا نعرف ما هي منهجية الاختيار، وهذا أمر خطير في مرحلة تتطلب الكفاءة والقدرة على التغيير. نحن في لحظة استثنائية، تتطلب مسؤولين أصحاب مشروع، وفهم دقيق للتحديات، وليس مجرّد إداريين لتسيير الأوضاع.
المسؤولية هنا تقع مباشرة على رئيس الجمهورية، فهو من يتحمل نتائج هذه التعيينات. وقد نبّهنا في “التيار الشعبي” منذ فترة، ومعنا قوى سياسية أخرى، إلى ضرورة إرساء مشروع وطني يقوم عليه جهاز تنفيذي حكومي وغيره مؤمن بهذا المشروع، عدم الاستقرار في الجهاز التنفيذي ليس علامة صحية حيث لا يمكن إدارة الدولة بردود أفعال أو بمنطق التعيينات الظرفية.
الدولة لا تُدار بمنطق الجزر المعزولة. كل مسؤول يجب أن يشتغل ضمن المخطط العام للدولة، ويعمل على إنجاحه وتنفيذه في مجاله، وإلا فإننا نمضي نحو تفكك في القرار وتناقض في التوجهات، وهذا ما يضعف الدولة ويفقدها فعاليتها.
اليوم، لم يعد هناك متّسع للمناورة أو التجريب. اللحظة تفرض وضوحًا في الرؤية، وانسجامًا في الأداء، ومشروعًا جامعًا تشتغل فيه كل مؤسسات الدولة بتناغم، لا بتضارب أو ارتجال.
هل بات هناك حاجة إلى حكومة سياسية في تونس بعد أن أثبت التكنوقراط فشلهم في إدارة الملفات الحارقة بالبلاد؟
نعم، اليوم أكثر من أي وقت مضى، نحتاج في تونس إلى حكومة سياسية، هنا لا نقصد البتة محاصصة سياسية، نقصد حكومة تحمل رؤية ومشروع وعناصرها مؤمنين بمشروع التحرر الوطني الذي ينادي به رئيس الجمهورية وليس مجرد موظفين، فاليوم وللأسف نحن تحت حكم الإدارة بالكامل، وهذا يضعف الإدارة والحكومة على السواء، فالإدارة جهاز تنفيذي وليست حزب، والإدارة محافظة بطبيعتها وتحتاج جهاز سياسي ثوري له رؤية وبرنامج يحميها من جهة ومن جهة يجعلها تعمل كجهاز تنفيذي وفق السياسات العامة، ولكن الأهم من ذلك أننا نحتاج إلى مشروع سياسي وطني صلب، قوامه السيادة الوطنية والتنمية المستقلة.
لا يمكن للبلاد أن تستمر تحت إدارة حكومات تقنية فاقدة لأي رؤية سياسية حيث لا تكفي توجيهات الرئيس، يجب أن يكون القائمين على تنفيذ هذه السياسات أنفسهم مقتنعين بذلك، ونحن نرى أن العديد من القضايا والعديد من الإجراءات نفذت بطريقة عرجاء فكانت نتائج ذلك عكسية تماما، تونس أصبح ممنوع عليها الفشل أو الارتباك بعد كل هذه السنوات، وفي وقت يشهد فيه الإقليم تحولات خطيرة، وصراعات تهدد الكيانات الوطنية نفسها، وتستهدف مباشرة النسيج المجتمعي للشعوب.
نحن في “التيار الشعبي” نعتبر أن التكنوقراط، مهما بلغت كفاءتهم، لا يمكنهم أن يقودوا مرحلة بهذا الحجم من التعقيد. هذه مرحلة تتطلب حكومة لها رؤية سياسية وطنية واضحة، تعرف موقع تونس في العالم، وتُدرك أن تموضع الدولة إقليميًا ودوليًا ليس تفصيلًا، بل عنصرًا حاسمًا في أمنها واستقلالها وقدرتها على رسم خياراتها.
المرحلة الحالية لا تحتمل إدارة تقنية ولا حيادًا مفتعلًا في قضايا مصيرية. المطلوب اليوم هو حكومة سياسية تتحرك ضمن مشروع وطني سيادي، تحرري، اجتماعي، يُعبّر عن تطلعات الشعب التونسي في الاستقلال الفعلي، وفي بناء اقتصاد منتج يقطع مع التبعية، لا مجرد حكومة تواصل تنفيذ نفس السياسات التي أثبتت فشلها.
حكومة لا تملك رؤية إستراتيجية لتموضع تونس في المشهد الدولي، ولا تُدرك طبيعة الصراع الجاري في المنطقة، لن تنجح. بل قد تتحول، بوعي أو دون وعي، إلى أداة بيد قوى الهيمنة التي تعمل على تفكيك الدولة الوطنية، وتفتيت المجتمعات من الداخل.
تونس اليوم تحتاج إلى حكومة منسجمة، تُشكّل واجهة سياسية لمشروع وطني جامع، لا مجرد تجميع إداري لأشخاص بلا أفق. المطلوب هو إعادة الاعتبار للدولة الوطنية، وتحصينها من الداخل، وبناء تنمية مستقلة قادرة على تأمين الكرامة والسيادة للشعب.
ما رأيك في الانتقادات التي تطال السلطة من قبل أحزاب مؤيدة لمسار 25 جويلية التي تطالبها بضرورة إصلاح المسار وتجاوز النقائص، هل يمثل ذلك اعترافا ضمنيا بفشل المسار وعجزه على ترجمة شعاراته على أرض الواقع وفق تقديرك؟
الانتقادات الصادرة عن قوى وطنية دعمت مسار 25 جويلية لا تعني التخلي عنه، بل تعكس حرصًا على تصويبه لتحقيق أهدافه الحقيقية. نحن في التيار الشعبي نؤمن بأن هذا المسار يجب أن يُترجم إلى مشروع وطني متكامل، يعزز السيادة الوطنية، يحقق التنمية المستقلة، ويكرّس الديمقراطية.
كما أكدنا في مناسبات سابقة، فإن الحفاظ على الوطن واستقراره ووحدة شعبه يتطلب تمتين البناء السياسي الديمقراطي، وتكريس أكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية بما يضمن الحياة الكريمة للشعب.
نحن نرى أن غياب رؤية إستراتيجية واضحة، والاعتماد على مقاربة تقنية بحتة، لا يلبّيان تطلعات الشعب التونسي. إنّ التحديات الإقليمية والدولية الراهنة تستوجب من القيادة السياسية تموضعًا وطنيًا مستقلًا، يضمن لتونس دورًا فاعلًا في محيطها، ويحميها من التدخلات الخارجية.
إنّ مسار 25 جويلية يجب أن يكون منطلقًا لبناء دولة ديمقراطية، ذات سيادة، تعتمد على تنمية مستقلة، وتستجيب لتطلعات شعبها في الحرية والكرامة.ولن يتحقق ذلك إلا من خلال رؤية سياسية واضحة، ومشروع وطني طموح بأهداف كمية ومحددة في الزمن تنقل تونس وشعبها إلى مصاف الدول المتطورة وهي جديرة بذلك وقادرة عليه.
تتزايد الدعوات من قبل الأحزاب سواء مؤيدة أو معارضة بضرورة توسيع دائرة التشاور مع المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية، لماذا لا تصغي السلطة إلى هذه الدعوات، وهل من شأن ذلك أن يفقدها الدعم السياسي وحتى الشعبي؟
في الحقيقة، تجاهل دعوات التشاور الواسع مع مختلف مكونات المجتمع ليس فقط تقصيراً في التواصل، بل يشكل تهديداً جدياً لأي مشروع وطني شامل. إن الاستماع إلى القوى الوطنية والاجتماعية الجادة ليس ترفاً سياسياً، بل شرط ضروري لتثبيت الاستقرار السياسي وبناء دولة ديمقراطية ذات سيادة قادرة على الدفاع عن مصالحها الحيوية في سياق دولي بالغ التعقيد، بلدان على جوارنا القريب والبعيد تقوم بتعبئة وطنية لمجابهة التحديات، فنحن أيضا مطلوب من الرئيس تعبئة كل القوى الوطنية والشرائح الاجتماعية لمجابهة هذه التحديات.
لقد أكدنا في التيار الشعبي منذ البداية أن نجاح المسار الوطني بعد 25 جويلية مشروط ببناء مشروع وطني واضح المعالم، يستند إلى الإرادة الشعبية ويضع الديمقراطية والسيادة الوطنية في قلب أولوياته، كما جاء في بياننا الأخير حول أولوية الحفاظ على الوطن أمام كل اعتبار.
إن إقصاء وتجاهل كل الطاقات الوطنية الجادة، والعمل بمنطق التفرد، يُضعف أي قدرة حقيقية على التغيير الجذري، ويعيد إنتاج منوال الفشل السابق في أشكال جديدة. ولذلك نرى أن غياب التشاور لا يعبر فقط عن خلل في المنهج.
المعركة اليوم ليست فقط على الملفات اليومية، بل على خيار استراتيجي: إما بناء دولة تنموية ديمقراطية ذات سيادة كاملة، وإما العودة إلى دائرة التبعية والتفكك الاجتماعي. والمطلوب ليس التراجع عن 25 جويلية، بل تجذيرها وتحويلها إلى مسار تحرر وطني حقيقي.
ماهي مقترحات التيار الشعبي لتخفيف التوتر في المشهد الحقوقي تحديدا ولحالة الانسداد بالمشهد السياسي عموما؟
التوتر في المشهد الحقوقي جزء منه مفتعل من قبل منظومة سقطت في 25 جويلية تحاول الحفاظ على مصالحها بكل الطرق بما فيها الارتماء في أحضان الخارج وتحاول تحويل ملفاتها في الفساد والإرهاب والاغتيالات إلى ملفات حقوقية، وهناك جزء تسبب فيه المرسوم 54 والتوسع فيه، مما خلق توترات كنا في غنى عنها ولذلك طالبنا بتعديل هذا المرسوم.
كيف تقيم تعاطي الدبلوماسية التونسية مع التصعيد في ليبيا، وأيضا فيما يخص التطورات في الشرق الأوسط، هل تعتقد أن أداءها مازال ضعيفا ويحتاج إلى مراجعة؟
الدبلوماسية التونسية هي نفسها، وهذه الدبلوماسية تربت على عقيدة معينة وفق ظروف دولية سابقة بدءا من الحرب الباردة وانتهاء بالأحادية القطبية، ولكن العالم تغير كثيرا وتوزع القوة في العالم تغير كثيرا، والرئيس الحالي يملك رؤية مختلفة تماما عن سابقيه، فمن المفروض نشهد ثورة في الدبلوماسية التونسية ولكن هذا لم يحصل، ولذلك نلاحظ أن الجهاز الدبلوماسي بلا روح فقط يحاولون التماهي مع أفكار الرئيس باعتبارهم موظفين ملزمين بذلك.
بالنسبة للملف الليبي تونس خسرت حينما كانت سبب مع الراحل الباجي قائد السبسي والإخوان في تمرير السلاح وإسقاط الدولة الليبية، وخسرت لاحقا بفقدان أي دور لها في ليبيا فقط الإخوان وحلفائهم من المليشيات وهي علاقات زبونية وإرهاب، واليوم مقاربة الرئيس التعويل على المكونات الاجتماعية مع الحياد عن الصراعات التي تنخر ليبيا، وهي مقاربة صحيحة من حيث كونها مبدئية، ولكن تبقى مجرد فكرة لأن من يملك القوة على الأرض هو من يحدد ومن يملك القوة على الأرض هي قوى إقليمية ودولية لا تريد حل في ليبيا وتريدها مجال نفوذ لا أكثر ولا أقل،أعتقد أن تونس يمكن أن تفكر في قمة ثلاثية تونسية جزائرية مصرية لتوحيد الرؤية والجهد حول ليبيا والتوجه جماعيا للمجتمع الدولي بهذا الحل ومحاولة فرضه غير ذلك ستبقى أمنيات أعتقد.
أما في فلسطين فالموقف التونسي مبدئي ومشرف خاصة والموقف العربي تحكمه موازين قوة ليست في صالحنا، ولكن أعتقد علينا التحرك أكثر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول عدم الانحياز لحشد الدعم للشعب الفلسطيني، أفضل من إضاعة الجهود في فضاء عربي لا أمل فيه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس