2024… السنة الأسوأ على تونس

39
2024... السنة الأسوأ على تونس
2024... السنة الأسوأ على تونس

بسمة بركات

أفريقيا برس – تونس. لا تستبشر الساحة السياسية في تونس خيراً في العام 2025 بعد عام صعب على جميع المستويات في البلاد، خصوصاً في ظل الانغلاق السياسي وعملية التخويف ومنع الرأي الآخر، مع استمرار الملاحقات وسجن العشرات من النشطاء والمحامين والسياسيين والإعلاميين، ومحاكمة مرشحين للرئاسة، لينعكس ذلك عزوفاً عن السياسة، تمثل بالمقاطعة الكبيرة خصوصاً من الشباب للانتخابات الرئاسية التي جدد فيها الرئيس قيس سعيّد ولايته الرئاسية. ولم تقتصر التداعيات السلبية في تونس على المجال السياسي، بل انعكست التوقيفات على الاقتصاد من حيث توقف أنشطة اقتصادية ووضع مالي دقيق لموازنة الدولة. وأمام هذا الواقع، يتخوف سياسيون من سنة صعبة في 2025 بحال تواصل قمع الحريات وإحالة ملف المعتقلين السياسيين إلى المحكمة الجنائية المختصة في الإرهاب.

تكبيل الحريات في تونس بالمراسيم

وقالت القيادية في جبهة الخلاص الوطني، شيماء عيسى، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “تم في 2024 إفراغ الساحة السياسية من كل مبادرة وعمل سياسيّين، وتكبيل الحريات بالمراسيم، منها المرسوم 54، وتواصلت الملاحقات القضائية للنشطاء والسياسيين”، مؤكدة أن “عملية التكبيل والتخويف كانت واضحة أكثر من أي عام آخر، وبدت بارزة خلال العام 2024”. وأضافت عيسى أنه “في المقابل، واصلت مختلف الفاعليات السياسية في تونس دفاعها عن الحريات ومقاومة الانقلاب”، مبينة أن “هامش تغطية هذه الأصوات والحركات والنضالات تقلص، خصوصاً مع تواصل الاعتقالات والمحاكمات التي طاولت الجميع من سياسيين ومحامين وإعلاميين ومدونين”. ولفتت إلى أنه “سُجل في 2024 تنظيم انتخابات رئاسية، ولكن كانت يد السلطة واضحة، فهي لا تخاف الزمن القانوني ولا تخشى صورتها مستقبلاً، وتولت تغيير القانون الانتخابي قبيل الانتخابات ورفضت قرارات المحكمة الإدارية بإدراج مرشحين في قائمة المتسابقين، ومن يترشح كان مصيره السجن”، مضيفة أن “التمسك بالكرسي كان واضحاً، حتى لو تم الدوس على الحقوق والحريات”، مشيرة إلى أنه “كان لنتائج الانتخابات الرئاسية تأثير كبير في تواصل الوضع كما هو”.

وبيّنت أنه “على الرغم من كل ذلك لا يزال المدافعون عن الحريات في تونس يخرجون إلى الشارع، وحتى إن لم يسمع صوتهم فإنه لا يضيع حق وراءه مطالب”، مبينة أن التجارب بينت أن الدكتاتوريات التي لا تفكر سوى في مصلحتها مآلها الفشل، وهم متمسكون بإنقاذ تونس. وتوقعت عيسى أن “تكون 2025 سنة المحاكمات السياسية وسيتم النظر في كيفية تطوّر الأمور، وستكون سنة صعبة حتى على النظام في ظل الوضع المالي الدقيق، والاقتصادي أيضاً، خاصة أن أبرز تمويلات الموازنة ستكون من البنوك الداخلية”، مؤكدة أن “كل هذا سيكون له تأثير على المواطنين وعلى الفاعلين السياسيين”.

من جهته، قال القيادي في حركة النهضة، محسن السوداني، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “سجل في تونس عام 2024 انفلات سياسي، وانسداد أفق وفُرقة في ظل بقاء السجناء السياسيين في السجن بلا محاكمة، كما حصلت انتخابات بلا منافسة، وافتقرت إلى شروط المنافسة النزيهة، وأُقصي خلالها مرشحون وحوكم البعض منهم كالعياشي زمال، ورفضت ترشحات، ولم تطبق أحكام المحكمة الإدارية التي طالبت بإعادة مرشحين للسباق الرئاسي، وهي سابقة في تونس، على الرغم من أن القانون واضح، وبالتالي كانت سنة سيئة على المستوى السياسي وفي جميع المجالات”.

ولفت السوداني إلى أن “شقيق الرئيس (نوفل سعيّد مدير حملته الانتخابية) تحدث عن هدنة اجتماعية ومصالحة بعد الانتخابات، ولكن ذلك لم يُترجم”، مبيناً أن “الوضع السياسي متأزم ولم تشهد البلاد مثيلاً له منذ الثورة وقُبيلها، أي في عهدي (زين العابدين) بن علي و(الحبيب) بورقيبة”. وأمل “في حصول انفراج سياسي عام 2025 وإطلاق سراح المساجين السياسيين لأن مواصلة الاحتفاظ بهم وببقية النشطاء والمدونين بدون وجه حق يعتبر مؤشراً سيئاً”. وأوضح أن “الاحتقان والانحباس السياسي يجب أن يشهد انفراجاً ويجب أخذ العبرة مما يحصل في العالم، لأن الانفراد بالرأي وتأخر الحل ستكون كلفته السياسية والاجتماعية باهظة”. وتابع: “كلما اقترب الحل ستكون الكلفة أقل، لأن أي انفراج سياسي سيعقبه انفراج في بقية المجالات، فلا تنمية بلا حرية وعدالة، ولذلك يؤمل أن تكون سنة 2025 أفضل مما سبق”.

تواصل الانغلاق السياسي

أما رئيس حزب التكتل خليل الزاوية فأشار إلى أنه “خلال سنة 2024 تواصل الانغلاق السياسي في انتظار المحاكمات للسجناء السياسيين، وتميز العام باعتقال عشرات المحامين والإعلاميين والسياسيين مع تطبيق واضح للمرسوم 54″ (يتعلق المرسوم بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال). ولفت، في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن “الإيقافات التي طاولت رجال الأعمال أيضاً أدت إلى إيقاف الأنشطة الاقتصادية وتعطل مؤسسات، ما أدى إلى تراجع مؤسسات منها تصدير زيت الزيتون”. وأضاف أن “الانغلاق السياسي تواصل مع الانتخابات، مع إيقاف مرشحين بارزين، إلى جانب الأجواء المتوترة التي رافقت الحملة الانتخابية، ما أدى إلى انعدام السياسة في تونس أو بالأحرى احتضار السياسة”.

وقال الزاوية إنه “عندما لا تكون هناك حياة سياسية متطورة فلا يمكن أن تتطور بقية المجالات، ولا يمكن جلب المستثمرين”، مشيراً إلى أن “نتائج الانتخابات تثبت هذا الفشل من حيث عزوف الشباب، فقد كانت هناك قطيعة عن المشاركة في الشأن العام. والرقم الثاني الذي يُعتبر غير مقبول في أي انتخابات ديمقراطية في العالم هو فوز مرشح بما يفوق 90% من الأصوات، فهذا الرقم ستاليني”، مبيناً أن “عزوف التونسيين عن التصويت هو تتويج للانغلاق السياسي في ظل منظومة مترهلة تقوم على الفكر الواحد، وبالتالي كانت سنة حزينة على جميع المستويات”.

وأضاف أنها “كانت سنة صعبة، سجلت ركوداً اقتصادياً وزراعياً أيضاً، كما أن المالية العامة واجهت عدة صعوبات، ولم نشهد تطوراً أو حتى مجرد تثبيت للوضع”، مبيناً أنه “على مستوى إنتاج الفوسفات فقد تراجع، وهذا طبيعي لأن الموازنة لم تكن مخصصة للاستثمار”، مؤكداً “أننا مررنا بعدة أزمات من حيث نقص المواد الاستهلاكية وهذا دليل على غياب سياسة اقتصادية ووهن الدولة”. وتابع: “سُجل تراجع واضح في المقدرة الشرائية وندرة بعض المواد مما أدى إلى تعكير الجو الاجتماعي، ولم يكن الوضع في أريحية”، مبيناً أنه سُجل ارتفاع في هجرة الكفاءات من أطباء ومهندسين.

وحول سنة 2025، قال الزاوية إن “الجواب بيد السلطة التنفيذية، وطالما لا توجد سياسة واضحة للخروج من الوضع الراهن وبرنامج، فإن الوضع الصعب سيستمر، مع مواصلة الانغلاق السياسي، وكل هذا لا يبعث على أي أمل”، مشيراً إلى أن “الكرة بيد السلطة التنفيذية فإن أرادت انفراجاً للوضع السياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بدون الزج بالمعارضة في السجون فقد تكون هناك هدنة”.

2024 أسوأ أعوام تونس

وفي السياق، رأت النائبة السابقة منية براهم، زوجة الناشط السياسي المعتقل عبد الحميد الجلاصي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن 2024 كانت من أسوأ الأعوام التي عرفتها البلاد خصوصاً على عائلات المعتقلين، مبينة أن “سنة 2024 بكل أسف شهدت تدمير السلطة القضائية والقضاء على استقلاليتها، والاحتفاظ بالمعتقلين خارج إطار القانون رغم انتهاء مهلة الإيقاف التحفظي”، موضحة أن قرار محكمة التعقيب بإحالة الملف إلى الدائرة الجنائية هو مواصلة لنفس المسار.

ولفتت إلى أن “المعتقلين السياسيين عاشوا سنة صعبة جداً، خصوصاً أن أغلبهم تجاوزوا الستين، وهم يعانون عدة أمراض مزمنة، واكتسبوا أمراضاً جديدة داخل السجن”، مبينة أنهم “مواطنون تونسيون ومن واجب الدولة أن توفر لهم ظروفاً لائقة وكل ضمانات المحاكمة العادلة، لأنهم تحت مسؤولية الدولة ولديهم حقوق إنسانية كونية”. وتابعت أنهم عاشوا في العام 2024 إحساساً بالظلم، ولم تكن هناك أي نقطة ضوء، والأكيد أن 2025 ستكون أصعب إذ يبدأ طور المحاكمات، مضيفة: “السؤال من سيحاكم من؟”. واعتبرت من المفروض أن المحاكمات علنية وأن قرار منع التداول الإعلامي في القضية سيُرفع وسيتم الاطلاع على تفاصيل هذا الملف، فكيف يمكن للسلطة التنفيذية أن تفسر ظلمها لأناس فقط من أجل أجندات سياسية. وبينت أن المحاكمة سياسية وبالتالي فهي لن تكون خاضعة لأي منطق أو قانون، مؤكدة أن طبيعة ونوعية هذه المحاكمات هو خضوعها للسياق العام الذي يميز كل المحاكمات السياسية في ظل الأنظمة الاستبدادية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here