أفريقيا برس – تونس. يضع توسع دائرة الإيقافات والاعتقالات السياسية في تونس في الآونة الأخيرة، مصداقية السباق الرئاسي على المحك وسط تزايد الانتقادات الحقوقية واتهام المعارضة للرئاسة باستخدامها سلاح القضاء لاستبعاد منافسين بارزين من المشهد.
وشهدت تونس ارتفاعا لافتا في نسق الإيقافات السياسية والتي طالت شخصيات وقيادات بارزة مثل أمين عام حركة النهضة عجمي الوريمي وزعيم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي وهو أحد أبرز منتقدي الرئيس قيس سعيد.
وقضت محكمة تونسية الجمعة، بسجن المرايحي ثمانية أشهر بتهمة شراء أصوات، كما أكد محاميه أن المحكمة أصدرت حكما يمنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة، فيما يتواصل الاحتفاظ بالوريمي وعضو مجلس شورى النهضة محمد الغنودي والناشط الشبابي بالحركة مصعب الغربي وذلك دون إذن قضائي وفق ما ذكرته الحركة.
مسار المحاسبة
أثارت هذه الإيقافات جدلا واسعا بسبب تزامنها مع إعلان الرئيس قيس سعيد ترشحه للرئاسة حيث تباينت الآراء بين من رآها خطوة ضرورية لمواصلة مسار المحاسبة فيما فسرتها الأصوات المعارضة برغبة سعيد في إزاحة خصومه السياسيين لتعزيز فرصه في السباق والفوز بولاية ثانية.
ويعتقد المؤيدون لمسار 25 جويلية أن القضايا التي أثيرت ضد شخصيات معارضة لا ترمي إلى منعهم من الترشح للسباق الرئاسي ومنافسة الرئيس سعيد وإنما ما يجري من توقيف وسجن ومحاكمات مرتبط بقضايا فعلية من مخلفات المرحلة السابقة، وتأتي في إطار استكمال مسار المحاسبة.
ويستبعد محسن النابتي الناطق الرسمي للتيار الشعبي وهو أحد الأحزاب المساندة لمسار 25 جويلية في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “تكون هناك علاقة مباشرة بين الانتخابات الرئاسية والإيقافات الأخيرة لسبب بسيط؛ أن القضايا مرفوعة منذ ما قبل 25 جويلية 2021 وتتعلق بجرائم انتخابية في انتخابات 2019، والجميع كان يطالب بمحاسبة كل من ساهم في تعفين المناخ الانتخابي حينها بالمال السياسي والتمويل الخارجي وغيرها من القضايا التي هي مطلب لأغلب القوى الوطنية، فلا نعرف لماذا تراجع عنها البعض”.
وتابع بالقول “كذلك قضايا مثل قضية الجيلاني الدبوسي، لماذا ينسون أو يحاولون حجب الحقيقة؛ أن هذه قضية كبيرة مرفوعة منذ سنوات قبل مجيء قيس سعيد حتى، وكان الجميع يطالب بكشف ملابسات موت الرجل. أما قضايا الاغتيالات والإرهاب والجهاز، فهي قضايا القرن في تونس، فهل لأن هناك انتخابات رئاسية يجب أن لا نحاسب قتلة الشهيد محمد براهمي مثلا أي منطق هذا؟، كل وقت هو للعدالة وقضية الشهيد محمد براهمي بالنسبة لنا هي قضية وجودية ومحاكمة قتلته من حرض وخطط وموّل ونفّذ يجب أن تكون في أي وقت وتحت أي ظرف”.
ويتّسق رأي النابتي مع رأي صهيب المزريقي، القيادي بحزب البعث الذي يلفت في حديثه لـ”أفريقيا برس” بأن “الإيقافات الأخيرة كانت بدعوى من النيابة العمومية، وبالتالي هي ترتكز على ما هو قانوني من ناحية، وهي أيضا منبثقة عن جرائم مرتكبة من قبل بعض الأشخاص، والقاعدة القانونية تقول أنه لا جريمة بدون نص ولا عقوبة بدون نص سابق الوضع”.
واستدرك “لكن ما يجعل المسألة تأخذ منحى التحليل والتأويل وتفتح بابا للنقاش حول شرعيتها وحول التوجه للحرمان من الترشح للانتخابات أو تصفية خصومات سياسية هو تزامن هذه الإيقافات مع المحطة الانتخابية الرئاسية وأظن أنه كان على القضاء فتح الملفات من قبل مدة طويلة مع ذكر أسباب الإيقافات لتبيانه العموم وللمشهد السياسي بالخصوص حتى تكون إيقافات قانونية ولا تفتح باب تأويل سياسي”.
وترى أوساط سياسية أن الرئيس سعيد يملك حظوظا قوية في السباق الرئاسي المرتقب حيث مازال يحافظ على قاعدة شعبية قوية وبوسعها أن تمنحه الثقة مرة أخرى لقيادة البلاد في ولاية ثانية، وهو ما يعني أن توقيت الإيقافات لا يعني بالضرورة استهداف المعارضين والمرشحين المحتملين.
ويعتقد هؤلاء أن الشخصيات المنافسة للرئيس سبق وأن جربت حظوظها في الانتخابات وقد حظيت بنتائج ضعيفة، كما أنها محسوبة على العشرية السابقة والنخبة التي حكمت في تلك الفترة والتي يحمّلها الشارع التونسي مسؤولية تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي لا تشكل تحديا بالنسبة للرئيس سعيد، وبذلك من المستبعد أن يكون الهدف من محاكمتهم تفويت الفرصة عليهم للمشاركة في الانتخابات.
نحو طريق الاستبداد
بينما يشدد المؤيدون لمسار 25 جويلية أن حملة الإيقافات تأتي في إطار استكمال مسار المحاسبة، تحذر المعارضة من تواصل التضييق على الحريات وعلى النشاط السياسي والعودة بالبلد إلى زمن القمع والاستبداد.
وذكرت جبهة الخلاص الوطني خلال مؤتمر صحفي عقدته الأربعاء، إن”300 شخص يقبعون في السجون نتيجة استخدام السلطة المرسوم 54 (لمتابعة الجرائم على وسائل التواصل الاجتماعي) وقانون مكافحة الإرهاب، ضد الناشطين السياسيين والمدوّنين”.
واعتبرت الجبهة أن “استهداف السياسيين، وخاصة من قياداتها وقيادات حزب حركة النهضة وآخرها إيقاف أمينها العام، العجمي الوريمي دون أية تهمة، يثبت رغبة السلطة في إقصاء كل معارضيها”، حسب ما نقلته وسائل إعلامية.
وتثير الإيقافات السياسية قلق الأوساط الحقوقية حيث أعربت منظمة العفو الدولية عن “توجسها إزاء حملة الاعتقالات التي تشنّها السلطات التونسية ضد المعارضة السياسية، ووصفتها بأنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومحاولة لتقويض المعارضة السياسية”، واعتبرت أن “هذه الاعتقالات تأتي في وقت حرج قبل الانتخابات الرئاسية، مما يزيد من القلق”.
ولا تخفي شخصيات سياسية عن مخاوفها من تحول البلد إلى نظام استبدادي وتراجع الديمقراطية التي تعد أبرز مكاسب ثورة يناير.
ويشير منصف الشريقي أمين عام الحزب الاشتراكي،أحد أبرز الأحزاب المعارضة، في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه على”عكس ما هو منتظر فقد زادت وتيرة الاعتداء على الحقوق وعلى الحريات سواء على السياسيين أو المدونين أو الصحافيين أو كتّاب أو حتى على المواطن العادي، وهو ما يفسر توجه السلطة القائمة أكثر فأكثر نحو الاستبداد وهذا ما ينذر بالخطر على المشهد العام بتونس”.
ويضيف الشريقي “نحن إزاء تحول السلطة التي أفتكت مقتضيات الحكم يوم 25 جويلية 2021 شيئا فشيئا نحو نظام استبدادي، السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية تحديدا هو المسؤول على كل شاردة وواردة تهم الشأن العام، لم تعد هناك سلط، هناك وظائف تعمل وفق توجهات السلطة التنفيذية وبالأساس رئيس الجمهورية”.
وفي تقدير الشريقي فإن “الإيقافات التي نشهدها خاصة عند المنافسة الانتخابية هي دلالة ومؤشر على أن هذه السلطة في مأزق، وهو مأزق ينم على خوف وعلى ضبابية في الرؤية إضافة إلى عدم وجود برنامج ورؤية اقتصادية واجتماعية لتحسين أوضاع البلد”، مؤكدا أن “الخوف على مزاحمة المعارضين لمكانهم في السلطة يدل على ضعف داخلي تعيشه السلطة الحالية وتوجهها نحو الاستبداد”.
ويلاحظ الشريقي أن “المشهد تسيطر فيه السلطة التنفيذية على أدوات وأجهزة الدولة عن طريق الجيش والأمن وعن طريق هيئة تشرف على الانتخابات التي يدرك كل مطلع على الشأن السياسي أنها ستكون صورية”.
وحسب الشريقي فقد “أصبحت هيئة الانتخابات أداة في يد السلطة التنفيذية بدل أن تكون أداة محايدة تفصل بين الحاكم والمحكوم والمعارض، لكنها أصبحت أداة بيد السلطة تنفذ توجهاتها ورغباتها بدون حيادية واستقلالية على عكس الهيئات السابقة التي كانت نوعا ما مستقلة”.
وتجمع المعارضة على أن الرئيس سعيد استخدم سلاح القضاء لإزاحة منافسيه من السباق، فيما حذر مركز أبحاث أميركي في تحليله للمشهد الانتخابي بتونس من “سباق بلا معارضة”.
وقال مركز الأبحاث الأمريكي “North Africa post” في تحليله للأزمة السياسية بالبلد أنه “من غير المرجح أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة حرة ونزيهة بسبب حملة القمع المستمرة ضد زعماء المعارضة ومنتقديها والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان”.
ويعلّق المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس”، بخصوص تصعيد السلطات ضد المعارضة بأن “الإشكال عام يتعلق بالعلاقة بين السلطة السياسية والقضاء، وهو أمر لا يخص تونس فقط بل يتعلق بكل النظم السياسة بما في ذلك النظام الأمريكي أو الفرنسي”.
ويستنتج أنه “في تونس، السلطة تستفيد من الديناميكية القضائية بقطع النظر عن الحيثيات والهوام، لكن ثمة أمر لا يقبل النقاش أو التشكيك، هو أن بعض المعارضات اعتمدت أساليب التصفية بعد 14 جانفي عبر مسالك خارج القضاء”.
وتشهد تونس، منذ فبراير/ شباط 2023، حملة توقيفات شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قياداتها، منهم علي العريض ونور الدين البحيري وسيد الفرجاني.
واتهم الرئيس سعيّد بعض الموقوفين بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، وهي اتهامات تنفي المعارضة صحتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس