استقالة الطبوبي تصب الزيت على نار الخلافات داخل اتحاد الشغل

استقالة الطبوبي تصب الزيت على نار الخلافات داخل اتحاد الشغل
استقالة الطبوبي تصب الزيت على نار الخلافات داخل اتحاد الشغل

آمنة جبران

أهم ما يجب معرفته

استقالة نور الدين الطبوبي من الأمانة العامة لاتحاد الشغل في تونس تعكس عمق الأزمة الداخلية التي تعاني منها المنظمة. تأتي هذه الاستقالة في وقت حساس، حيث تم تحديد إضراب عام في 21 يناير المقبل، مما يزيد من تعقيد الوضع. النقابيون يرون أن هذه الخطوة تعكس عدم القدرة على إدارة الصراع الداخلي وتحتاج إلى مؤتمر عاجل لتجديد القيادة.

أفريقيا برس – تونس. أجمعت أوساط سياسية ونقابية في تونس أن قرار استقالة نور الدين الطبوبي من الأمانة العامة للاتحاد التونسي للشغل، بمثابة صب الزيت على نار الخلافات داخل المنظمة الشغيلة التي تشهد أزمة داخلية غير مسبوقة، على غرار حالة التوتر والتصعيد مع السلطة.

وقدّم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الثلاثاء، استقالته من الأمانة العامة للاتحاد وفق ما ذكره متحدث الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية.

وقال الطاهري، إن “الطبوبي أودع صباح اليوم استقالته بمكتب الضبط بالاتحاد، وتسلّمها الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي”، دون أن يقدم تفاصيل بشأن دوافع هذه الخطوة.

بيّن أن “الاستقالة لا تفعّل بشكل فوري، باعتبار أن القانون الداخلي للاتحاد ينص على دعوة المعني بالأمر خلال 15 يومًا للاستفسار عن أسباب استقالته ومحاولة ثنيه عنها، ثم تصبح نافذة في حال تمسّكه بها”. وأشار إلى أن “عدة لقاءات ستعقد خلال الأيام القليلة القادمة داخل الهياكل النقابية لتدارس الخطوات التي سيتم اتخاذها تباعًا في ظلّ التطورات الأخيرة”.

تولى الطبوبي منذ 2017 قيادة الاتحاد الذي نال مع جانب ثلاث منظمات تونسية أخرى جائزة نوبل للسلام عام 2015 لمساهمته في الانتقال الديمقراطي.

ويرى نقابيون ومتابعون أن استقالة الطبوبي من الأمانة العامة للاتحاد، تؤكد عمق الأزمة التي تعيشها المنظمة النقابية منذ فترة، كما أن توقيتها غير مناسب وبمثابة تهرب من المسؤولية خاصة أن الاتحاد قد أقر إضرابًا عامًا في 21 يناير المقبل، دفاعًا عن الحقوق والحريات، وفي مقدمتها الحق النقابي والحق في التفاوض من أجل الزيادات ومكسب الحوار الاجتماعي.

وأشار بولبابة السالمي، النقابي التونسي، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “استقالة الأمين العام نور الدين الطبوبي تدل بما لا يقطع مجالًا للشك على عمق الأزمة التي وصل إليها المكتب التنفيذي الوطني والمنظمة ككل، وكانت استقالة أنور بن قَدور عضو المكتب التنفيذي الوطني يوم 6 ديسمبر ثم استقالة الأمين العام الثلاثاء كإعلان عن حالة العجز وعدم القدرة على إدارة الصراع داخل المكتب التنفيذي وعدم القدرة على إدارة الشأن العام النقابي عامة.”

وأضاف “وعليه أصبح من الضروري والعاجل الذهاب للمؤتمر المقرر عقده أيام 25 و26 و27 مارس 2026 وبات أمرًا حتميًا لتجديد شرعية القيادة، شريطة أن يكون مؤتمرًا نزيهًا وشفافًا وديمقراطيًا. حتى نتجاوز مرحلة الانقسام وتعود المنظمة موحدة كما كانت لتواجه مختلف التحديات المطروحة حاضرًا ومستقبلًا.”

بدوره، اعتبر النقابي شاكر حسن، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الاستقالة مطلوبة ولكنها جاءت متأخرة كثيرًا، والآن في غير وقتها لأنها تعتبر هروب أو تهرب من المسؤولية، لأن المطلوب العمل على إيجاد حلول للخروج من الأزمة مع الإعلام بالاستقالة في نهاية المطاف أو الالتزام بعدم الترشح مجددًا”. لافتًا أن “الاستقالة مطروحة لكل من تحمل دورتين أو أكثر في المكتب التنفيذي الوطني، وهي سبب العلة الأصلي”.

وتأتي استقالة الطبوبي في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المعارضة الداخلية صلب الاتحاد والرافضة أساسًا لتوجهات القيادة خاصة فيما يخص موقفها من السلطة منذ انطلاق مسار 25 جويلية 2021.

وساند اتحاد الشغل في البداية إجراءات 25 جويلية قبل أن يبدي تحفظات عليها، بعد رفض الرئيس قيس سعيد دعوات لحوار وطني أطلقها الاتحاد في ديسمبر 2022. وبالرأي المعارضين فقد قادت هذه التوجهات إلى عزلة المنظمة الشغيلة في المشهد السياسي الجديد.

وبات الاتحاد يشهد انقسامًا واضحًا، وهو ما حاولت القيادة نفيه مرارًا بزعمها أن تلك الخلافات شأن داخلي يمكن تجاوزه في أي لحظة، غير أن الاستقالة تؤكد للرأي العام حجم الشروخ التي تعصف بالبيت الداخلي للاتحاد.

ويعتقد عبد الوهاب الشيباني، القيادي بحزب التيار الشعبي، والمنخرط باتحاد الشغل، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “ما حصل هو محاولة بين المنقلبين على الفصل 20 المتعلق بالتمديد لفتح باب الحوار داخل المنظمة حتى يتمكنوا من الإبقاء على منظومة الطبوبي وجماعته”.

وعلق “لن يتغير شيء داخل الاتحاد فقط قد تطفو بعض الصراعات أكثر وتظهر الأطماع أكثر بين الورثة”.

ورغم أن اتحاد الشغل قرر تقديم عقد مؤتمره العام إلى مارس 2026 عوضًا عن عام 2027، في مسعى من قيادة المنظمة لتخفيف الضغوط عنها، مع ذلك لم تنجح في إسكات أصوات المعارضة الداخلية الممتعضة من تعديل الفصل 20 في مؤتمر سوسة الاستثنائي سنة 2020 والقاضي بالتمديد للقيادات الحالية.

ويحذر المتابعون من تهاوي بيت الاتحاد الداخلي وانفراط عقده بعد استقالة الطبوبي، حيث ستكون السلطة الطرف المستفيد من تعمق أزمة الاتحاد فيما ستخسر النقابة ذات النفوذ القوي في البلاد مزيد من شعبيتها ومصداقيتها أمام الرأي العام.

ويبين منذر ثابت، المحلل السياسي، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “استقالة الطبوبي هي عنوان لتفاقم أزمة اتحاد الشغل وليست حلاً لها بأي شكل من الأشكال، حيث وجد الاتحاد نفسه خارج دوره الكلاسيكي كمركز نفوذ اجتماعي وكمرجع تحكيمي.”

وأردف “الاتحاد فقد هذا الدور وفقد البعد السياسي الذي كان يميزه منذ الحركة الوطنية وصولًا إلى مرحلة ما بعد 14 جانفي.”

وبرأيه فإن “الاتحاد يجد نفسه الآن أمام إكراه الدفاع عن مصداقيته والذهاب إلى الإضراب العام، أو الاستمرار في العزلة بالنظر إلى التوتر العلاقات مع السلطة وإلى حالة برود مع المعارضة، وهو يحتاج اليوم الآن إلى تجديد خط السير بقيادة جديدة وتوجه يكون وفياً لنهج الاستقلالية.”

ويعتقد محللون أن استقالة الطبوبي جاءت متأخرة خصوصًا مع تكرار الدعوات المطالبة بالإصلاح والتغيير في كل مرة. وكانت مخرجات مؤتمر سوسة النقطة التي أفاضت الكأس وجعلت من احتمالات التجاوز والتوافق صعبة داخل الاتحاد.

وعلى غرار مؤتمر سوسة، يمكن العودة إلى تجاهل الطبوبي لنقابيي اتحاد الشغل الجهوي لصفاقس في مايو الماضي، وهو ما زاد من عزلته داخليًا حيث خسر الطبوبي أصوات مساندة له داخل بيت الاتحاد في وقت تشهد فيه علاقة الاتحاد مع السلطة توترًا كبيرًا، وبالتالي بقيت المنظمة تعيش حالة تخبط داخلي مع عزلة في المشهد السياسي التونسي.

ولا يستبعد المحللون أن يؤدي رحيل الطبوبي إلى مزيد إضعاف اتحاد الشغل في المشهد، في الوقت الذي تختار فيه السلطة النهج الفردي في إدارة شؤون البلاد، كما تعمل على استبعاد وإقصاء الأجسام الوسيطة وأبرزها المنظمة الشغيلة التي ترفض تدخلها في الشأن الحكومي كما كان يحصل مع الحكومات السابقة.

ويقول خالد كرونة، المحلل السياسي، في حديثه مع “أفريقيا برس” “لا تبدو استقالة الطبوبي من الأمانة العامة للاتحاد مفاجئة حتى إن كانت سابقة في تاريخ المنظمة التي لم يستقل أبدًا أي أمين عام في مختلف الظروف. وهي ليست مفاجئة بالنظر إلى ما سبقها من انقسام واضح ومن شروخ طالت المنظمة منذ انحرافها ساعة عقد مؤتمر غير انتخابي (وهي بدعة غير مسبوقة) ومنذ ليّ رقبة النظام الداخلي لتكريس التمديد لأنفار من ‘القيادة’.”

وتابع “استقالة الطبوبي لن تكون خاتمة الأزمة، بل ستصب الزيت على النار لأنها تأتي قبل أسابيع من إضراب عام لوحت به المنظمة المثخنة وفي فترة تجاذب حول صيغ وتاريخ عقد مؤتمر الاتحاد.”

وفي تقديره، فإن “المخرج الوحيد للأزمة مشروط بعقد مؤتمر يصالح النقابيين ويعيد المجمدين والمطرودين ويعيد تكريس آليات ديمقراطية في نظامه الداخلي وهو مشروط أيضًا بتجديد المكتب التنفيذي برمته وانسحاب المسؤولين على الانهيار المروع من المشهد.”

وبالنسبة لمحمد ذويب، المحلل السياسي، فيلفت بدوره في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “الاستقالة متوقعة، فالطبوبي ليس في مستوى قيادة المنظمة”. وفق تعبيره.

واستنتج بالقول “رغبته في الانفراد بالسلطة هو ومكتبه التنفيذي ودوسه على قوانين المنظمة في 2020 سيؤدي بالاتحاد إلى المجهول خاصة في ظل توتر علاقته بالسلطة.

اتحاد الشغل التونسي، الذي تأسس في عام 1946، لعب دورًا محوريًا في تاريخ تونس الحديث، خاصة خلال فترة الانتقال الديمقراطي بعد الثورة في 2011. حصل الاتحاد على جائزة نوبل للسلام في عام 2015 تقديرًا لدوره في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التوترات الداخلية والخلافات حول القيادة والسياسات، مما أثر على مصداقيته ونفوذه في الساحة السياسية التونسية.

تاريخيًا، كان اتحاد الشغل يمثل صوت العمال والنقابيين في تونس، لكنه واجه تحديات كبيرة بعد 25 يوليو 2021، عندما بدأت الحكومة في اتخاذ إجراءات أثارت جدلاً واسعًا. هذه الأحداث أدت إلى انقسامات داخلية، حيث انتقد بعض الأعضاء القيادة الحالية، مما جعل الوضع أكثر تعقيدًا مع استقالة الطبوبي، التي قد تؤدي إلى مزيد من التآ

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here