استقالة الطبوبي وأزمة اتحاد الشغل.. مرآة انسداد سياسي في تونس

استقالة الطبوبي وأزمة اتحاد الشغل.. مرآة انسداد سياسي في تونس
استقالة الطبوبي وأزمة اتحاد الشغل.. مرآة انسداد سياسي في تونس

بسمة بركات

أفريقيا برس – تونس. لا تزال تداعيات استقالة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الثلاثاء الماضي، والذي يرأس أكبر منظمة نقابية في تونس، تلقي بظلالها على المشهد السياسي والنقابي في البلاد. ويؤدي اتحاد الشغل دوراً سياسياً، إذ يشارك بفاعلية في الحوار الوطني ويمثل قوة ضغط هامة على الحكومات المتعاقبة. ويكمن وزنه الحقيقي في حجمه وتنظيمه وقدرته على تعبئة العمال، ما يجعله من أهم القوى الفاعلة في تونس. وفيما لم يوضح المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، في بيان استقالة الطبوبي الثلاثاء الماضي، أسباب الاستقالة ودوافعها، ذكرت وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن “استقالة الطبوبي تأتي في ظرف دقيق تشهده المنظمة الشغيلة النقابية، على خلفية خلافات داخل المكتب التنفيذي حول موعد وطريقة عقد المؤتمر المقبل (الاتحاد)”.

يُذكر أن “اتحاد الشغل” أدى دوراً مهماً في بناء الديمقراطية التونسية بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام، عام 2015، والتي مُنحت حينها إلى “الرباعي الراعي للحوار الوطني” خلال أزمة 2013-2014 بين الحكومة التي كانت تقودها حركة النهضة والمعارضة، التي انتهت بتشكيل حكومة تكنوقراط ووضع دستور جديد عام 2014. وضم الرباعي حينها اتحاد الشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. لكن استقالة الطبوبي تأتي في ظل تراجع دور الاتحاد، خصوصاً مع توتر علاقته بالسلطة، وفي ذروة الانسداد السياسي الذي تعيشه تونس، وتراجع دور الأجسام الوسيطة كالأحزاب والمنظمات، وعلى رأسها “اتحاد الشغل”.

حملات ضد اتحاد الشغل

وقال المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، إن المستفيد الأول من هذه الاستقالة “سيكون عدو العمل النقابي والاجتماعي، وبصفة عامة منظومة الحكم التي قادت في السنوات الأخيرة عدة حملات ضد الاتحاد”. وأوضح أن هذه المنظومة “ستستفيد من أي أزمة تصيب أي جسم وسيط، وخصوصاً الاتحاد نظراً لدوره التاريخي الهام الذي لعبه في ما يتعلق بالقضايا الوطنية والمفاوضات الاجتماعية”.

من جهة أخرى، اعتبر الصغير، أن “دور الأحزاب والمنظمات واتحاد الشغل تراجع في السنوات الأخيرة، نظراً لغياب فهم موّحد وغياب استخلاص الدروس من إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 (انقلاب الرئيس قيس سعيّد على المؤسسات الدستورية بما فيها إلغاء دستور 2014 وحل الحكومة والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء)”. وأربك ذلك، وفق الصغير، عدة فاعلين في المشهد التونسي “بمعنى أن عديد المكونات، حتى تلك التي عدّلت موقفها من الانقلاب وأيقنت أنها محاولة للسطو على مؤسسات الدولة وإرساء نظام لسلطة الفرد، شهدت ارتباكاً”، وأوضح أن هذا الارتباك “أثر على جل الأجسام الوسيطة، بما في ذلك اتحاد الشغل، وأحدث خلافات داخلية داخله”.

وفي رأيه فإن هذا الواقع “جعل موقف الاتحاد متذبذباً وغير سليم”، مشدداً على أن “الحملات الممنهجة ضد اتحاد الشغل جعلت الاتحاد في حالة ارتباك، خصوصاً أن عدة نقابيين اعتُقلوا، وتم منع التفاوض الاجتماعي”. وبيّن أن “تعمد إقصاء الاتحاد أدى إلى تراجع دوره كما حصل مع بقية المكونات السياسية والمدنية، لتعيش هذه المنظمة فترة ركود إضافة إلى المشاكل الداخلية”. وأضاف الصغير أن “الاتحاد كمنظمة عريقة بتاريخها والثقل الذي تمثله، فإنه قادر على تجاوز الأزمة”، معتبراً أنها “محنة قابلة للتدارك”.

حوار غائب

من جهته قال النقابي والأمين العام لحزب التكتل، خليل الزاوية، إن “استقالة أمين عام أكبر منظمة نقابية لها تداعياتها على المشهد العام”، مضيفاً “الوضع السياسي صعب والحوار غائب”. وأوضح أنه “بالإضافة إلى تعطل الحوار السياسي، فالحوار الاجتماعي معطل أيضاً بين الحكومة واتحاد الشغل”.

أما عن تداعيات استقالة الطبوبي، فبيّن الزاوية أنها “ستكون أيضاً على المنظمة الشغلية نفسها، إذ إن الأزمة الداخلية قد تستفحل، وبالتالي على النقابيين رص الصفوف”، موضحاً أن “القرارات التي اتخذتها الهياكل النقابية وكذلك الهيئة الإدارية للاتحاد بضرورة عقد المؤتمر (قرر الاتحاد قبل أشهر تقديم مؤتمره العام إلى مارس/ آذار 2026 عوضاً عن عام 2027، بعد خلافات داخلية حول موعد هذا الاستحقاق)، يجب المواصلة فيها والتعجيل بها”. وأشار إلى أنه “بحسب بعض الكواليس من داخل الاتحاد نفسه، فإن الطبوبي استقال لأنه أراد عقد المؤتمر في موعده المحدد في 2027، لكن هناك عدة أطراف ضد هذا الاتجاه وتريد التعجيل بعقده في شهر آذار (المقبل)”.

في هذا الصدد رأى الناشط السياسي والمحامي منجي صواب (شقيق القاضي الإداري السابق والنقابي المسجون أحمد صواب)، أن الاتحاد هو ركيزة من ركائز البلاد، وبالتالي فإن الأزمة ستلقي بظلالها على المشهد في تونس ككل. وبيّن، أنه “من المؤمل التراجع عن الاستقالة، وتتحد كلمة النقابيين، وأن تكون هذه الاستقالة فرصة للعديد من المراجعات داخل الاتحاد، ولِمَ لا، لمزيد من رص الصفوف”. وأشار إلى أن الاستقالة “سيكون لها تأثير على الإضراب العام المقرر في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل”.

وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، مطلع الشهر الحالي، إضراباً عاماً في 21 يناير المقبل، “دفاعاً عن الحقوق والحريات وفي مقدمتها الحق النقابي والحق في التفاوض من أجل الزيادات ومكسب الحوار الاجتماعي”.

محاولة تدجين الاتحاد؟

على صعيد آخر وضعت استقالة الطبوبي، وفق القيادي بحزب العمال، جيلاني الهمامي، حداً فاصلاً وواضحاً للأزمة التي هزت المنظمة النقابية، مؤكداً في تدوينة على موقع فيسبوك، الثلاثاء الماضي، أن “طوراً جديداً سينطلق قد يؤدي على ضوء المعطيات الراهنة إلى انفجار الاتحاد وتفككه، وربما أيضاً اندثاره”. وبيّن أن هذه الاستقالة التي سبق أن لوح بها الطبوبي أكثر من مرة أصبحت الآن عنصراً مهماً في المشهد العام، وستكون تداعياتها المؤكدة على المشهد ككل. وشدد على أنها خلقت حالة من الصدمة في الأوساط النقابية التونسية، وأن المغزى العميق لهذا التطور في الساحة النقابية هو العلامة النهائية لفشل النمط البيروقراطي النقابي التونسي الذي ساد لأكثر من نصف قرن.

ولفت الهمامي إلى أن ما “أنجزه” الفريق القيادي الحالي في الاتحاد، وعلى رأسه الطبوبي، لم يفلح في تحقيقه لا (الرئيسان السابقان) الحبيب بورقيبة، وبن علي، ولا حكومات “النهضة”، فقد تعرض الاتحاد، وفق الهمامي، منذ منتصف الخمسينات إلى سلسلة غير منقطعة من الأزمات كانت كلها تهدف إلى تدجينه وإخضاعه لسلطة الحكومات المتعاقبة، وخرج منها في كل مرة منتصراً. وتابع: “لكن يبدو أن استراتيجية التهميش والتحييد التي اعتمدها قيس سعيّد هذه المرة أثبتت فعاليتها مقارنة باستراتيجيات الاحتواء والتدجين السابقة”.

وفي إشارة إلى الخلافات داخل الاتحاد، قال الهمامي إنه لم يسبق أن عرف الاتحاد اعتصام جزء من المكتب التنفيذي احتجاجاً على المكتب التنفيذي نفسه، ولم يشهد الاتحاد أن اتخذت هيئته الإدارية الوطنية قراراً بعقد المؤتمر الوطني ثم ينقلب عليه جزء من المكتب التنفيذي. وبيّن أنه كان من الممكن أن يمثل المؤتمر الاستثنائي الذي قررته الهيئة الإدارية في جلسة أولى (مايو/ أيار 2025) وثبتته في جلسة ثانية (سبتمبر/ أيلول 2025)، وأذنت بتشكيل لجانه التحضيرية، الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتحاد والخروج من المأزق، خصوصاً وأنه مستهدف من طرف سلطة الحكم هذه المرة، ليس فقط بتدجينه، وإنما بمحوه من الوجود تماماً.

إلى ذلك رأى الناشط والإعلامي التونسي، زياد الهاني، أن الاتحاد ضمانة أساسية لاستقرار البلاد، مبيناً أن “الاتحاد، بغض النظر عن الأزمة والتجاذبات الداخلية التي يعيشها، هو الحاضنة التي تحتضن جل القوى الديمقراطية بالبلاد بمختلف التصورات والمواقف”. وأوضح أن “سقوط هذه القلعة لن يؤثر على النقابيين فقط، بل سيمتد (تأثيره) على كل القوى الحية في البلاد”، معتبراً في الوقت نفسه أن “الاتحاد ارتكب خطأ فظيعاً بتنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي (كان يحدد عضوية المكتب التنفيذي بولايتين فقط، وأصبح يمكن لمن أمضى دورتين الترشح للعضوية)”. ورغم شجاعة الأمين العام واعترافه بهذا الخطأ، وفق الهاني، إلا أن “بعض التوجهات داخل الاتحاد غلبت الطابع المصلحي ولم تحسن التعامل مع الأزمة”. وفي رأيه فإن “الاتحاد بصدد دفع الثمن”، متسائلاً: “بأي قوة سيخوض الإضراب العام، ويقنع التونسيين به، وبأي رسالة سيدخل المعركة؟”، وموضحاً أنه “لأول مرة في تاريخه يشهد الاتحاد استقالة الأمين العام المنتخب”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here