التونسيون بتجديد العهد لقيس سعيّد: “الشعب يريد” استمرار “الحرب ضد الفساد”

56
التونسيون بتجديد العهد لقيس سعيّد:
التونسيون بتجديد العهد لقيس سعيّد: "الشعب يريد" استمرار "الحرب ضد الفساد"

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. حقق الرئيس قيس سعيد فوزا ساحقا بحصده 90.69 في المئة من أصوات في الانتخابات التونسية، محتفظا بقبضته على السلطة بعد فترة ولاية أولى رفع فيها الرئيس شعارات من قبيل “الشعب يريد” و”الحملة ضدّ الفساد” و”استرجاع هيبة الدولة” و”تطهير البلاد من الخونة” وغيرها من الشعارات التي لقيت صدى في الشارع التونسي خاصة بين فئة الكهول.

لم يكن غريبا أن تظهر النتائج أن فوز قيس سعيّد بولاية ثانية، مدتها خمس سنوات، يعود أساسا إلى أصوات الكهول والمسنين (من 35 إلى 75 سنة) في حين كان الشباب الصوت الحاسم له في انتخابات 2019. لم تشهد هذه الانتخابات إقبالا كبيرا، حيث تشير أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 28.8% – وهي نسبة أقل من تلك التي سجلت في الجولة الأولى من انتخابات 2019، والأدنى منذ ثورة 2011.

تعكس هذه النسبة مقاطعة ما يقرب من سبعة ملايين ناخب (6.944.669) من مجموع 9 ملايين و 753 ألف ناخب، ولامبالاة لها دلالتها وخلفيّاتها، وهي لامبالاة لا تعني فقط قيس سعيّد بل أيضا بشكل أكبر المعارضة حيث لم تكن مقاطعتهم تلبية لطلب أحزاب المعارضة، كما لم يلبّي هؤلاء “غير المصوّتين” نداء المعارضة للتصويت لأحد المرشحين الآخرين، العياشي زمّال، الذي حلّ في المرتبة الثانية وخاض الانتخابات من السجن، أو زهيّر المغزاوي، النائب السابق وأمين عام حركة الشعب.

تصويت وجداني

الـ 28.8% الذين انتخبوا قيس سعيّد كانوا حاسمين في اختيارهم وفي اقتناعهم بسياسته، بغض النظر عمّا تندّد به المعارضة من “تدهور المناخ السياسي في تونس والانجراف الاستبدادي”، بل إن خطاب المعارضة مازال بعيدا عمّا يريد الشارع التونسي سماعه.

مقاطعة الشباب للانتخابات وعزوفه عن التصويت لقيس سعيّد دلالته واضحة ويرتبط بشكل أساسي بالتشغيل وغياب آفاق للعاطلين عن العمل بعد وعود واتفاقات مازال أغلبها حبرا على ورق. أما أسباب ارتفاع نسبة الكهول في التصويت فعديدة وتتركّز أغلبها حول خطاب قيس سعيّد ومصطلحاته التي تمسّ وجدان هذه الشريحة من المجتمع”.

تعوّد التونسيون، خاصة من رجال دولة الاستقلال وممن عاشوا أغلب سنوات عمرهم مع نظامي بورقيبة وبن علي، على شكل الرئيس “القوي”، ورغم خلاف العديدين مع الرئيس الحبيب بورقيبة إلا أنهم يعتبرونه رمزا ترتبط بصورته هيبة الدولة التي تملك سيادتها، وحتى زين العابدين بن علي، وبعد سنوات من الثورة هناك كثيرون يعتبرونه امتدادا لتلك الدولة “الصغيرة لكن مميزة”، التي فقدت “هيبتها” على امتداد حكومات الترويكا وكل من شارك في السلطة بعد 2011، ولم يتم استثناء المعارضة التي تاهت بين سياسة فرّق تسد التي اتبعتها النهضة وحلفائها وخطاب شعاراتي لغته مختلفة عن لغة الشارع، الذي لم يستسغ أغلبه، النظام البرلماني الهجين، الذي جاء بعد 2011.

وجدت نسبة من التونسيين تلك الصورة الضائعة في خطاب قيس سعيد وحديثه المتكرر عن “توحيد الدولة، وهذه دولة كل التونسيين وليست دولة أحد”. وكرّر سعيّد هذا الحديث عقب إعلان النتائج الأولية حيث قال أمام أنصاره خلال جولته في شارع الحبيب بورقيبة إنه “سيعمل وفق ما يريده الشعب وسيبني البلاد ويطهرها من الفاسدين والمشككين والمتمردين”. وتعهد بالدفاع عن تونس ضد “التهديدات الداخلية والخارجية”.

الأسباب “الوجدانية” و”الأخلاقية” (نظافة اليد)، التي دفعت الكثيرين لاختيار قيّس سعيد وانتخابات 2019 تكررت مع انتخابات 2024، مع استمرار تراجع الثقة في الأحزاب. وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي منذر ثابت لـ”أفريقيا برس”: “بقطع النظر على المؤاخذات المتعلقة بالمسار الانتخابي في جزئياته والاحترازات التي عبرت عنها عديد الإطراف، فإن انتصار الرئيس سعيد في هذه الانتخابات يؤكد ثمة إشكالية في علاقة بمنظومة الأحزاب”.

ويضيف ثابت: “الرأي العام يرفض إلى حد الآن الأحزاب السياسية. في المقابل، الأحزاب المعارضة مأزومة وعاجزة على فرض محور نضالي مشترك فهي منقسمة إلى معارضات متصارعة وغير منسجمة.. والأحزاب دون حراك اجتماعي لا يمكنها أن ترجّح الكفة لصالحها في غياب الاتحاد العام التونسي للشغل وفي غياب الحركة الاجتماعية لا يمكن للحركة السياسية المعارضة أن تغير معطيات الواقع”، وبالتالي يبقى المجال مفتوحا للرئيس قيس سعيّد.

وبالمثل، يشير الناشط في المجتمع المدني نزار الجليدي إلى أن “هذه الانتخابات كشفت أن ن تمثل المعارضة لا تملك خزان انتخابي مهم ولا تملك مشاريع”. ويضيف الجليدي أن “من ذهب للانتخابات يمثلون ثلث المطلوب منهم المشاركة، وقد يبدو هذا الرقم ضعيفا، لكنه رقم مهم جدا حيث كشف أن التونسيين متعلقون بالانتخابات الرئاسية أكثر من أي انتخابات أخرى”.

“تجديد العهدة مع الرئيس يكاد يفهم من منظور اجتماعي، فرغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي فإن من صوت للرئيس قيس سعيد يؤيّده الرئيس في مشروعه خاصة النقطة الكبرى وهي مقاومة الفساد، وهو يبدو أفضل البرامج الانتخابية التي تروق للمواطن التونسي الذي صار متقينا أن كل الملفات المتراكمة وأزمات البلاد مصدرها لوبيات فساد كبيرة جدا”.

تشي النتيجة التي حققها الرئيس قيس سعيّد أن تونس ما بعد انتخابات 2024 مقبلة على استقرار سياسي مقارنة بسنوات ماضية، وتحديدا في علاقة بين السلطة والشارع من عامة الشعب، وهذا وإن كان يترجم حظوظ قيس سعيّد ويفسر بعضا من أسباب فوزه الساحق، وفق ما قدمته الأرقام، إلا أنه يعني في جانبه الآخر أن سقف التحدّي سيكون عاليا هذه المرة بالنسبة للرئيس قيس سعيّد، فالمعارضة أغلب قادتها في السجن، والشارع قال كلمته الفصل فيما يتعلق بالأحزاب، وليس هناك سوى العمل فعلا على تطبيق “حملة محاربة الفساد”، والتوجه نحو التركيز على التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الوضع المعيشي للتونسيين، بالإضافة إلى السياسة الخارجية فهذه الانتخابات تأتي في سياق إقليمي ودولي حرج تونس ليست بمعزل عنه والشارع التونسي يتابع تفاصيله بدفة خاصة الحرب في فلسطين ولبنان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here