الحرب على إيران..تونس تعزز حضورها في قلب الصراعات الدولية

14
الحرب على إيران..تونس تعزز حضورها في قلب الصراعات الدولية
الحرب على إيران..تونس تعزز حضورها في قلب الصراعات الدولية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبرت أوساط سياسية أن الدبلوماسية التونسية نجحت في تعزيز حضورها الدبلوماسي أعقاب العدوان الأخير على إيران، حيث كان موقفها من العدوان واضحا وصارما مقارنة بمواقف بقية الدول العربية.

وأعربت وزارة الخارجية في بيان لها عن “إدانتها الواضحة والصّريحة للاعتداءات الصهيونية السّافرة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وما تبعها من عملية قصف لمنشآتها النووية من الولايات المتحدة الأمريكية”. ولم تكتف وزارة الخارجية بالتنديد بل دعت إلى”إيقاف هذا العدوان فورا.”

واعتبرت أن “الشرعية الدولية لا تُجيزه أو تبرّره تحت أيّ غطاء أو أيّ عنوان، فإمّا أن تكون هناك شرعية بالرغم من نقائصها تسري على الجميع، وإمّا أنّه غياب تامّ لها بل تغييب متعمّد لمبادئها وضرب عرض الحائط لقواعدها.”

كما أكدت أن “هذا العدوان الغاشم لا يجب أن يحجب عديد الجرائم الأخرى التي ارتُكبت ولا زالت مستمرة في العديد من المناطق في العالم وأوّلها حرب الإبادة المستمرة ضدّ الشعب الفلسطيني.”

ويرى متابعون ومحللون في قراءة لموقف الدبلوماسية التونسية أن تونس اختارت الدفاع عن مواقفها وقناعاتها فيما يخص الصراعات دولية رغم الانقسامات التي تسود المنطقة العربية بخصوص إيران في ظل مخاوف دول عربية وخليجية من توسع للنفوذ الإيراني وتداعياته الأمنية والاقتصادية، فيما اختارت تونس الانسجام مع موقف شعبها الداعم لحركات التحرر والمقاومة والرافض لكل محاولات انتهاك سيادات الدول وكل أشكال الاحتلال.

ويعتقد هؤلاء أن الدبلوماسية التونسية حققت نجاحا معنويا حيث استطاعت التعبير عن موقف الشارع التونسي المندد بالاعتداءات الإسرائيلية، كما سجلت تونس موقفا قويا لدى الشعوب العربية منذ إطلاقها مؤخرا قافلة الصمود التضامنية لكسر الحصار عن غزة، ورغم أن القافلة لم تصل إلى المعبر، إلا أنها كانت محل إشادة عربية، وقد اجتاحت صورها مواقع التواصل الاجتماعي في غالبية الدول العربية وحظيت بتفاعل واسع.

صبر إستراتيجي

تقول أوساط سياسية أن تونس بحاجة إلى تقوية موقفها وحضورها الدبلوماسي في الساحة الدولية أكثر، وهو ما يتطلب تطوير قدراتها الذاتية وبناء تحالفات قوية والخروج من مربع الحياد.

ويشير محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، في حديثه مع “أفريقيا برس”، إلى أنّه “صحيح أنّ تونس اتخذت موقفًا واضحًا من العدوان على إيران، ولها موقف مبدئي من القضية الفلسطينية، فهي لا تعترف بما يسمى حلّ الدولتين، وتعبّر صراحةً عن موقف تحرير فلسطين كاملة. هذان الموقفان أكسبا تونس قيمة معنوية لدى الشعوب، وهذا أمر مهم”.

واستدرك “لكن دائما الدبلوماسية هي انعكاس لموازين القوى وتونس تحتاج بالموازاة مع هذه المواقف أن تطور قدراتها الذاتية وتراكم قوة اقتصادية وتبني تحالفات إقليمية ودولية متينة لتعزز حضورها الدبلوماسي”.

وفيما يلقي الصراع الإيراني –الإسرائيلي بضلاله على دول المنطقة العربية، إلا أن تونس مازالت تتوخى الحذر فيما يخص تموقعها، كما تتجنب سياسة الاصطفاف والمحاور، وتعتقد أن سياسة الصبر الاستراتيجي مازالت الخيار الأنجع في التعاطي مع أزمات المنطقة.

ويلفت النائب ثامر مزهود في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “المرحلة التي يمر بها العالم وخاصة الوضع العربي الذي يشكل فضاءنا الطبيعي والذي يشهد للأسف تدهورا وانهيار غير مسبوق، لا يترك أمام تونس وهي تخوض تجربة سياسية جديدة قوامها التعويل علي الذات ورفض التدخل الخارجي والإنتصار للقضايا العدالة في العالم وعلي رأسها فلسطين والدعوة إلي نظام عالمي جديد أكثر عدلاً وإنصافا وإحتراما لحقوق الشعوب التي بني النظام العالمي الحالي علي حسابها وحقوقها.”

وتابع “وحيث بدأ الآن تشكل نظام عالمي جديد تطرح تونس وعديد من دول الجنوب التموقع فيه بشكل يحفظ حقوق شعوبها ومصالحها، ولصعوبة هذه المرحلة ودقتها والتحولات الكبرى على المستوي الدولي يصبح الصبر الإستراتيجي عنصر هام في التعامل مع الأزمات، ولكن برؤية واضحة ومقاربة ترتكز علي ثوابت.”

ويعتقد أنه “لا بد من العمل الجماعي على مستوي مغاربي وعربي بما تبقى في هذا الجسم العربي المنهك نظرا لحجم التحديات التي لا يمكن مواجهتها تكتلات كبري وهو ما يقتضي العمل بصبر إستراتيجي كذلك يحدد لنا ماذا نفعل وماذا نريد وإلى أين نتجه”.

وتؤكد أوساط حقوقية ومدنية أن التضامن الرسمي والشعبي مع فلسطين وإيران لا يجب أن يتوقف بمجرد الوصول إلى هدنة وأن الدبلوماسية التونسية يجب أن تواصل تحركاتها وتطور مواقفها فيما يخص قضايا المنطقة، خاصة أن الكيان الصهيوني يواصل تحت مرأى العالم ارتباكه جرائم بحق الإنسانية في قطاع غزة.

ويبين حسام الحامي، منسق إئتلاف صمود، الذي نظم وقفة احتجاجية أعقاب توقف العدوان على إيران في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الائتلاف اختار الاحتجاج حيث أنه ارتأى أنه حتى لو توقفت الحرب، لكن إبادة الشعب الفلسطيني مستمرة وضرب محور المقاومة مستمر، وبالتالي قررنا مواصلة التضامن مع الشعب الفلسطيني والإيراني.”

وعلق “نحن ندين العدوان على إيران وعلى كل دولة ذات سيادة، وهو مخالف للقانون الدولي”. وبالنسبة لتقييمه للموقف التونسي من المستجدات، يرى أنه “كان واضحا ومنددا بالممارسات الإسرائيلية، لكن في نفس الوقت لدينا تحفظات في مستوى شكل بيان الخارجية حيث لا يرتقي إلى أن يكون بيانا دبلوماسيا.. نحن نتفق معه في المضمون، لكن كنا نأمل أن يكون الشكل أيضا في مستوى تاريخ الدبلوماسية التونسية، ما استغربناه هو طريقة صياغة البيان بطريقة غير دبلوماسية بالمرة”. وفق تعبيره.

وبالنسبة للمحلل السياسي خالد كرونة فإن “بيان الخارجية التونسية عقب عدوان جيش دولة الاحتلال على إيران ينسجم مع مجمل المواقف التونسية من القضايا الإقليمية.”

وأوضح في حديثه مع “أفريقيا برس” “فهو من جهة أدان بوضوح عدوان الصهاينة، ومن جهة ثانية أصّل موقفه مثلما دأبت على ذلك الدبلوماسية التونسية استنادا إلى القوانين الدولية و ميثاق الأمم المتحدة. ويُعزى هذا الموقف إلى حالة التقلقل التي يعرفها محيط تونس الإقليمي وآثار الصدوع الجديدة في جسم النظام العربي الرسمي بعد ما حصل في سوريا، وعطفا على استمرار أزمة الحالة الليبية، واتجاهات الحكومة المغربية المتسارعة نحو تكريس التطبيع سياسيا واقتصاديا وأكاديميا”.

ما بعد الحرب

في ظل التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية للعدوان على إيران، يتساءل محللون عما إذ كانت تونس ستواصل نهجها الدبلوماسي أم أن هذه المتغيرات ستفرض عليها التحرر من مواقفها التقليدية القائمة على مبدأ الحياد، خاصة أن تونس اختارت الاصطفاف ضد موجة التطبيع في المنطقة ودعم المقاومة سلطة وشعبا.

ويعتقد المحلل السياسي غازي معلى في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الموقف التونسي سيبقى على نفس الاتجاه التي تنتهجه البلاد منذ سنة 2019، مستبعدا أن “تغير الحرب من قناعات السلطة”.

وأردف “السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل في حالة وجود إجماع العربي بعد هذه الحرب بتبني خيار حل الدولتين هل ستؤيده تونس أم لا؟.. ورد بالقول “لا أعتقد أن سقف المواقف التونسية سيصل إلى درجة الاعتراف بحل الدولتين، لا يوجد بوادر من السلطة إلى الآن على ذلك.”

وسبق أن أعلنت تونس خلال القمة العربية بالمنامة في مارس سنة 2024 عن رفضها ما يسمى بـ “حل الدولتين” لأجل إنهاء الصراع العربي –الإسرائيلي، حيث تؤكد دعمها الكامل للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامته دولته المستقلة كاملة السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس.

ويلتقي الموقف التونسي الرافض لخيار حل الدولتين مع الموقف الإيراني، وقد يزيد وحدة المواقف بشأن القضية الفلسطينية من فرص التقارب بين تونس وإيران، حيث تراهن تونس على تنويع شركاءها الدوليين وتوجها غربا لكسر تحالفها مع الغرب والتحرر من عباءته وهيمنته.

ويبين المحلل السياسي فريد العليبي في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “الموقف الرسمي التونسي من العدوان الصهيوني الأمريكي على إيران كان منسجما مع ثوابت السياسة التونسية الحالية لذلك كان التنديد بالعدوان والوقوف إلى جانب إيران فهذا يقود إلى ذاك، والمحدد الرئيسي لذلك الموقف هو وقوف تونس إلى جانب الحق الفلسطيني دون حدود من خلال رفض حل الدولتين وإقرار شرعية تحرير فلسطين كاملة وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة على كل الأرض المحتلة من النهر إلى البحر”. ووفق تقديره فإن”هذا الموقف يلتقي مع الموقف الإيراني”.

أما بالنسبة إلى تجدد المواجهة بين إيران وأمريكا وإسرائيل، فيرى العليبي أنها “جد محتملة فالملف النووي لم يغلق بعد، كما أن ترسانة إيران الصاروخية لا تزال على حالها تقريبا، ومن هنا سيعمل الأمريكيون والإسرائيليون على استكمال المهمة بالعمل على إسقاط النظام هذه المرة وهم يعتقدون أنهم اقتربوا من تحقيق هذا الهدف، والآن هناك هدنة فقط قبل أن تتكلم المدافع مجددا.”

ويؤكد المحللون والمتابعون أن جولات المعارك بين إيران وإسرائيل لن تنتهي، وأنه ستكون هناك جولات جديدة في ظل تمسك طهران ببرنامجها النووي، خاصة أنها نجحت في إثبات أنها قوة إقليمية قادرة على التصدي لإسرائيل وحلفاءها في المنطقة.

وبالعودة إلى أساسيات تحليل الوضع في الشرق الأوسط، يلفت المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه مع” أفريقيا برس” أن “إسرائيل تعتبر أن النظام الإيراني نظاما عقائديا إسلاميا يسعى للتسلح النووي، وبالتالي هو نظام خطير يهدد التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي بالمنطقة، وبالتالي إسرائيل ومن ورائها اللوبي الصهيوني في واشنطن يسعيان إلى الإطاحة بهذا النظام.”

وأضاف أن “حجم الاختراق لإيران الذي أنجزته المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، والخسائر في مستوى قيادات الصف الأول تؤكد أن إسرائيل تشتغل على سيناريو الإطاحة بالنظام الإيراني، ومن المؤكد أن المسألة الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل لم تتحقق، حيث تكبدت إسرائيل خلال المواجهة العسكرية الأخيرة خسائر مادية ومعنوية.. عقيدة المنتصر والمتفوق أسقطتها الضربات الإيرانية.”

واستنتج بالقول “ليس الهدنة إلا وضع مؤقت، وضع لتقييم ومراجعة الثغرات في نظام الدفاع الإسرائيلي، النظام الإيراني أيضا ليس في إمكانه التراجع عن البرنامج النووي، ليس بإمكان النظام الإيراني التنازل عنه، وهو برنامج تسلح نووي، ولا يمكن له التنازل عنه لأنه سينجر عن ذلك انقسام داخلي”.

وفي 13 يونيو الجاري، شنت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفر عن 627 شهيدا بحسب آخر حصيلة، و5 آلاف و332 مصابا، وفق وزارة الصحة الإيرانية.

وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، اخترق عدد كبير منها منظومات الدفاع، ما خلف دمارا وذعرا غير مسبوقين، فضلا عن 29 قتيلا و3 آلاف و345 جريحا، حسب وزارة الصحة وإعلام عبري.

ومع رد إيران الصاروخي ضد إسرائيل وتكبيدها خسائر كبيرة، هاجمت الولايات المتحدة منشآت نووية بإيران، مدعية “نهاية” برنامجها النووي، فردت طهران بقصف قاعدة “العديد” العسكرية الأمريكية بقطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 يونيو وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here