إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. قّلل خبراء اقتصاد من تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تونس، نظرا لضعف الصادرات التونسية نحو الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنهم أكّدوا في نفس الوقت على ضرورة البحث عن أسواق جديدة وفتح أفق أخرى وتوسيع نطاق العلاقات التجارية كما السياسية، فتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة نحو تونس يشوبها الكثير من الغموض ولا تبدو مطمئنة للكثير من المتابعين.
يبلغ رقم المعاملات الجارية التونسية الأميركية حوالي 1.2 مليار دولار، وتتركز أغلب الصادرات على التمور وزيت الزيتون وبعض منتجات النسيج. ويقول الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق، محسن حسن، لـ”أفريقيا برس”: “إن التأثيرات المباشرة على تونس محدودة لأنه ليس لدينا مبادلات تجارية كبيرة”، وهو ما أكّده فؤاد قديش، الرئيس السابق لمنظمة كونكت الدولية، في تصريحات إذاعية، حيث “تمثل الصادرات التونسية 3 بالمائة فقط نحو الولايات المتحدة الأميركية ولا تتجاوز 3 مليون دينار وهو مبلغ ضئيل”.
ويرى محسن حسن أن “القرار ستكون له تأثيرات غير مباشرة”، لافتا إلى أنه “من الانعكاسات الايجابية تراجع قيمة الدولار بما قد يساعد على تقليص كلفة توريد المواد الأولية والأساسية والطاقية بالنسبة لتونس”، في المقابل ستكون التأثيرات السلبية في علاقة بالوضع مع أوروبا”.
وعلى ضوء التطورات الأخيرة، يرى وزيرة التجارة الأسبق أن على “تونس الاستفادة من ذلك والعمل على جذب الاستثمارات الجديدة، حيث ستدفع الحرب التجارية التي شنّها ترامب أوروبا والصين وحتى الدول العربية إلى البحث عن أسواق جديدة”.
ويضيف محسن حسن لـ”أفريقيا برس” أن “تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية يأتي على رأس استراتيجية تأهيل مناخ الأعمال في تونس”. ويؤيّد خبراء سياسيون هذا التوجّه مؤكدين في نفس الوقت على ضرورة “تفعيل الدبلوماسية السياسية أيضا وإعادة بوصلتها” كخطوة أولى وضرورية.
في هذا السياق، ينظر الخبراء إلى تأثيرات قرار ترامب من زاوية أخرى، حيث اعتبروا أن تونس من بين الدول العربية التي فرضت عليها أكبر نسبة (28 بالمئة) مقابل مثلا 10 بالمئة للمغرب والسعودية، وهي نسب ولئن كانت عالية بدورها إلا أنها أقل بكثير مما فرض على تونس، التي صارت تنظر بحذر لكل ما يصدر عن البيت الأبيض تجاهها.
وأبرز ما يدلّ على ذلك، التعليقات التي صاحبت فيديو تم تداوله على نطاق واسع مؤخرا، يظهر فيه ترامب وهو يتحدث إلى السفير الأميركي الجديد في تونس، ويقول له: “ينتظر عمل كبير هناك”. بالعودة إلى الفيديو الأصلي يظهر أن الترجمة كانت غير دقيقة، فهو لم يقل “ينتظر عمل كبير في تونس”، بل قال مهنئا بيل بازي، أحد أبرز داعميه ومرشحه لترأس الديبلوماسية الأميركية في تونس: ” أحسنت يا بيل… بيل، في الواقع، سيكون السفير الأميركي القادم في تونس. هذا إنجاز عظيم. أنت نشيط للغاية وفي صعود مستمر. هذا رائع. ستقضي وقتا ممتعا. بلدان عظيمان. (يقصد تونس والكويت) استمتع بوقتك.”
رغم التلاعب بحديث ترامب، إلا أن المتابعين يرون أنه يعكس الواقع، فتعيين رئيس بلدية ديربورن هايتس على رأس الدبلوماسية في تونس، يعكس جانبا من السياسة الأميركية القادمة تجاه تونس. وكان هذا الفيديو مادة خصبة للمعارضة التي تناقلته بسرعة قياسية “مبشّرة بربيع عربي جديد في تونس”.
ودعمت المعارضة موقفها بالتأكيد على غياب سفيرة تونس لدى الولايات المتحدة عن العشاء السنوي الذي استضافه البيت الأبيض ليلة 27 رمضان، على شرف السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية وشخصيات من الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأميركية. وقد تم تسجيل الفيديو بهذه المناسبة.
فتح ذلك الباب على مصراعيه للتأويلات، بين من يقول إنه تم تجاهلها ومن يرى أن في هذا الغياب تأكيد على التوجهات الأميركية الجديدة في تونس. ومما غذّى هذه التأويلات الصمت الرسمي وعدم الرد على ما راج بشأن غياب ممثلة تونس عن هذا التقليد الذي يعود إلى سنة عام 1805، ويفخر التونسيون بأنهم كانوا السبب في ارسائه حيث أقامه الرئيس جيفرسون على شرف سليمان ملّيملّي مبعوث باي تونس في ذلك الوقت.
وفي خضم هذا الجدل، جاء الرد عبر صفحة بيل بيزي، الذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ على قرار تعيينه سفيرا في تونس. قال بيزي في تدوينة، أرفقها بمجموعة من الصور، “لقد كان شرفا لي أن تتم دعوتي إلى عشاء الإفطار في البيت الأبيض والتحدث مع مجموعة من الدبلوماسيين المحترمين من جميع أنحاء العالم… تقديري لإعادة تأكيد الرئيس ترامب على ترشيحي والتأثير الذي سيحدثه في العمل كسفير للولايات المتحدة في تونس بعد موافقة مجلس الشيوخ، أتطلع إلى خدمة بلدنا بهذه الصفة بينما أعمل مع الشعب التونسي العظيم لإحداث تأثير إيجابي”.
وبخصوص ما يتردّد بشأن مستقل العلاقات التونسية الأميركية في عهد دونالد ترامب، يعتقد المحلل السياسي منذر ثابت أن “التمشي الدبلوماسي الأمريكي الذي سيكلف به السفير الجديد المعتمد من واشنطن لدى تونس لن يكون حالة خاصة واستثنائية بالنظر إلى التمشي العام الذي يقوم على هدف استراتيجي يرتكز على الضغط والابتزاز لتحقيق المصالح”.
ويقول ثابت في تصريح لـ”أفريقيا برس”: “الخطة الأساسية التي يسعى ترامب إلى العمل وفقها في تونس وكل المنطقة العربية هي خطة ابراهام أي التطبيع الكامل مع اسرائيل والضغط بكل الوسائل والوسائط لتحقيق تلك الغاية وتوظيف العقوبات والمساعدات وأيضا توظيف الملف الكلاسيكي وهو ملف حقوق الإنسان ومسألة الديمقراطية وما شابه… يعني وارد جدا أن تكون مهمة السفير الجديد مهمة غير ملائمة للأوضاع الرسمية لتونس. أتصور أنه سيكون هنالك أشكال مسبق مع هذا السفير الجديد”.
لا شكّ في أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيمضي قدما في مشروعه الخاص بغزة والتطبيع مع إسرائيل، وقد أكد على ذلك في خطابه في مـأدبة الإفطار في البيت الأبيض، مباشرة بعد تهنئة السفير الأميركي الجديد بمنصبه. وهنا لا شكّ أيضا في أن على النظام في تونس، في سياق تعزيز سيادته، التعامل بحنكة وفطنة مع الرئيس الأميركي الذي يتميز بصراحته ووضوحه “المستفز” والذي كان سببا رئيسيا في الانقلاب الحاصل في ميزان القوى والنظام العالمي القائم منذ عقود.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس