الزيارات الميدانية لقيس سعيد تفقد تأثيرها في خضم الأزمة الاقتصادية

25
الزيارات الميدانية لقيس سعيد تفقد تأثيرها في خضم الأزمة الاقتصادية
الزيارات الميدانية لقيس سعيد تفقد تأثيرها في خضم الأزمة الاقتصادية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. فقدت الزيارات الميدانية للرئيس قيس سعيد، التي يجريها من حين إلى آخر إلى مدن داخلية وأحياء شعبية تأثيرها وفق استنتاجات المتابعين والمحللين، حيث لم تعد تحظى باهتمام شعبي واسع في خضم تواصل الأزمة الاقتصادية، وما نجم عنها من غلاء للأسعار وتردي مستوى المعيشة.

وتعد الزيارة الغير معلنة التي أجراها الرئيس قيس سعيد الأحد الماضي، إلى أحياء “الملاسين وسيدي حسين وحي الزهور”آخر زياراته الميدانية التي مكنته من التقاء الناس والإنصات إلى مشاغلهم.

ورغم أهمية الزيارات الميدانية المتكررة التي يجريها الرئيس سعيد، والتي تمكنه من التطلع على أوضاع التونسيين بشكل مباشر، كما تمكنه من توجيه رسائل إلى المسؤولين لتذكيرهم بضرورة القيام بالأدوار الموكلة إليهم، إلا أنها لم تعد بذلك البريق في ظل عجز الرئاسة عن ترجمة تعهداتها ووعودها على أرض الواقع.

ومنذ أن كان مرشحا رئاسيا في انتخابات 2019، عرف عن الرئيس سعيد تواصله المباشر مع التونسيين من خلال ما يقوم به من زيارات ولقاءات مفاجأة، حيث كان يرتاد المقاهي الشعبية والأحياء الفقيرة، في خطوة نالت حينها الاستحسان لما أبداه من اهتمام بالمشاغل الاجتماعية.

لكن مع فوزه بالعهدة الرئاسية الثانية في أكتوبر الماضي، أبدى طيف واسع من التونسيين تذمرهم من استمرار سياسة المماطلة والوعود، وهو ما عكسته عودة التحركات الاحتجاجية في قطاعات عدة أبزرها قطاع التعليم التي طالبت السلطة بالإيفاء بالتزاماتها بحقهم، وقد استجابت لذلك بقبولها تسوية ملف المدرسين، في محاولة لإثبات مدى التزامها بقضايا الناس من جهة، وتجنبا لتوسع دائرة الاحتجاجات من جهة أخرى.

سياسة القرب

تتساءل أوساط سياسية عن مدى قدرة الرئيس سعيد في تخفيف غضب الشارع بمجرد قيامه بزيارات ميدانية ونجاحه في تطويق احتجاجات محتملة، ومدى قدرة الحكومة في المقابل على تحمل أعباء مقاربة الدولة الاجتماعية التي يتبناها الرئيس، في حين يترقب التونسيون تحسنا جديا وحقيقيا لواقعهم المعيشي من خلال توفير مواطن الشغل وزيادة الأجور، وتحسين مشكلة النقل والبنية التحتية المرتبطة به، إضافة إلى مشكلة الخدمات خاصة المتعلقة بالخدمات الصحية.

ويشير شكري عنان الناطق الرسمي باسم حركة حق في حديثه ل”أفريقيا برس” أن”معاناة التونسي من جراء غلاء الأسعار وارتفاع تكلفة المعيشة على جميع المستويات، لا يمكن أن نجد لها الحلول إلا بمعالجة الأسباب الحقيقية وأهمها منظومات الإنتاج وتحفيز الفلاحين وتطبيق القانون على المحتكرين والوسطاء والعمل بجدية على تنظيم مسالك التوزيع، وأن تقوم السلط المختصة بدورها في الرقابة الدورية والمنتظمة وليست الظرفية.”

وفي تقديره فإن”المشاكل معروفة والأسباب معلومة، مما لا يستوجب زيارات ميدانية متكررة لرئيس الجمهورية بقدر ما تستوجب الإنكباب على إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة الإقتصادية التي تعيشها تونس والتخفيف من المعاناة اليومية التي يحياها التونسي في مختلف جوانب حياته في النقل والصحة والتعليم وغلاء الأسعار، وفي هذا المجال، نجدد التأكيد على أن إيجاد الحلول الجذرية للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية لن يتسنى إلا في إطار مسار تشاركي وبحوار حقيقي.”

ويتسق رأي عنان مع رأي النائب بوبكر يحي الذي يلفت في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن”الزيارات الميدانية لرئيس الجمهورية هي خيار انتهجه للتواصل المباشر مع الشعب للوقوف على مشاغلهم و احتياجاتهم وقد تفاعل معها المواطن بإيجابية للتحقيق آماله وطموحاته.”

واستدرك “لكن أمام غلاء المعيشة وعدم تلبية بعض الحاجيات الملحة للمواطن كالتشغيل والقضاء على العمل الهش وتخلص من المناولة وغيرها، وأمام الركود الاقتصادي المتواصل وغياب مشاريع كبرى مهمة وتحسين المستوى المعيشي للفرد من حيث التعليم

والصحة وغيرها، أصبحت هذه الزيارات بمثابة تجديد للثقة بين الرئيس والمواطن، أكثر منه فعل على أرض الواقع وهي اقل تأثير بكثير مما كانت عليه.”

وعلى رغم التحديات الاقتصادية التي تواجه قيس سعيد في ولايته الثانية، إلا أنه يراهن على سياسة القرب لكسب ثقة المواطن والحفاظ على قاعدته الشعبية، من خلال مشروعه السياسي القائم بالأساس على النظام القاعدي والديمقراطية المباشرة والذي يمنح فيه سلطة القرار للمواطن من خلال المجالس المحلية المنتشرة في كل ولاية.

بموازاة ذلك، يراهن الرئيس سعيد على معركته ضد الفساد واللوبيات لأجل إنقاذ الاقتصاد، رغم العراقيل التي تضعها في طريقه الدولة العميقة والتي تسعى للتشويش على أدائه، وقد نجح في الآونة الأخيرة في إثارة ملفات مهمة مثل ملف مزارع الزيتون الحكومية، والتي تسمى في تونس ب”هناشير الدولة”، وسعيه لإعادة ممتلكات الدولة في القطاع الزراعي كحال بقية القطاعات الأخرى ومحاسبة المتورطين.

مع ذلك تطال هذه الحملة انتقادات بسبب مراوحتها مكانها وعدم تجاوزها مرحلة الشعارات باكتفاء الرئيس بزيارات ميدانية ورسائل تحذيرية إلى المسؤولين، وعدم السماح لمشاركة بقية الأطراف الفاعلة في البلاد في هذه الجهود بهدف التسريع في النتائج.

ويقول صهيب المزريقي القيادي في حركة بعث في حديثه مع “أفريقيا برس” أن”الإتصال بالشعب والعمل الجماهيري هو من صميم وجوهر الديمقراطية، وما يقوم به قيس سعيد من زيارات شعبية واتصاله مباشرة مع الشعب التونسي نقطة مهمة جدا عجزت كل الحكومات المتتالية والمتعالية على الشعب القيام بها، بل أكثر من ذلك يمكن اعتبارها كنقطة بداية تحطيم صورة سلبية كلاسيكية دأب عليها الشعب التونسي، وهو توجه الطبقة السياسية له فقط في الإنتخابات وتحويله لمجرد رقم انتخابي.”

وأضاف”أما عن مدى تأثير الزيارة على الشعب التونسي ووقعها عليها أمام الوضع الإقتصادي المتأزم، هذا يعود طبعا اليوم لمدى إدراك الشعب التونسي لصعوبة المرحلة وارتهان الدولة التونسية لدى القوى الأجنبية والدول الامبريالية والصناديق المانحة، في مقابل ذلك اضطرار الدولة التونسية للدخول في مرحلة التقشف.”

وأردف”التضحية مع تونس خيار وطني وضروري لتجاوز الأزمة المركبة والمعقدة التي ورثناها من عشرية سوداء خاصة إقتصاديا.”

بدوره، يستبعد المحلل السياسي باسل ترجمان في حديثه مع”أفريقيا برس”أن” تكون لزيارات رئيس الجمهورية الميدانية أي هدف استعراضي أو هدف لجمع التأييد، وإنما هو ضمن رؤيته وتصوره لإدارة شؤون الحكم ومعرفة الأحوال للاطلاع على ما يجري.”

وعلق عن زيارته الأخيرة إلى منطقة سيدي حسين بالقول”الزيارة كانت إلى شعبي، وقد شاهدنا أنه نزل في وقت لا يبحث فيه عن من يصفق له، بل لأجل معرفة ما يجري ومتابعة أوضاع الأحياء الشعبية، وبالتالي تأثير هذه الزيارات كبير ومتواصل، وفيما يخص الأزمة الاقتصادية فإنه أصبح واضحا للجميع أن هنالك بعض التحسن”.

حانت مرحلة الأفعال

تعتقد الأوساط المعارضة في تونس أنه حان الوقت للمرور إلى مرحلة الأفعال وعدم اكتفاء السلطة بالزيارات الميدانية والشعارات الميدانية والتنصل من المسؤولية بإلقاء اللوم على الحكومات السابقة، كما أن الأزمات التي ترزح تحت وطأتها البلاد تتطلب الذهاب إلى حلول ورؤية التشاركية.

وترى هذه الأوساط أن السلطة انهمكت في معاركها السياسية مع خصومها السياسيين في حين أن الأولوية باتت لإهتمامات الناس وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية.

ويبين علي مبارك الإعلامي والمحلل السياسي في حديثه مع “أفريقيا برس” أن”العمل السياسي يقوم على شيئين مهمين ألا وهما، الخطاب السياسي ثم الفعل السياسي، وإذا لم يكن الفعل السياسي كترجمة للخطاب السياسي فإنه لم يعد للخطاب أي معنى.”

وبرأيه”هذا هو الفخ الذي سقط فيه رئيس الجمهورية.”

وأبرز بالقول”جميل أن تتواصل مع الطبقة الشعبية ومع الشارع، وأن تستمع إلى همومهم وأن تزور المناطق الداخلية، هذا جيد لكن حين تكرر هذه الزيارات ولا تترجم إلى أفعال وقرارات وقوانين على أرض الميدان، فالمواطن البسيط لن يصدقك مرة أخرى، ولن يعود لهذه الزيارات أي مفعول وتأثير، وهو ما لاحظناه خاصة في الزيارات الأخيرة حيث لم تعد تلك الهبة الشعبية موجودة كما السابق، وبات جليا تراجع عدد الحضور.”

وحسب مبارك فإن”خطابات الرئيس قي ضفة وواقع المواطن في ضفة أخرى، كما لاحظ أنه”يتحدث في عديد المرات عن الغلاء كأنه يتحدث من موقع المعارضة، في حين أن الشارع يراه هو الحاكم الفعلي والوحيد.”

واستنتج بالقول” الشارع لم يعد يبالي بمثل هذه الخطابات والزيارات، وستكون لها تأثير عكسي خاصة في ظل ما نعيشه من أزمة اقتصادية، وبدل التركيز على الزيارات يجب التركيز على الأفعال وتغيير المنظومة التشريعية كما تحدث عنها الرئيس سابقا، عليه الذهاب في أقرب وقت إلى الفعل السياسي حتى نتجاوز الأزمة بأخف الأضرار خاصة في ظل وضع إقليمي ودولي متحرك.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here