نصرالدين السويلمي
لا يمكن ادانة محمد عبو باي من الأوصاف الشنيعة، ليس للرجل ما يخشاه مثله مثل المكون القادم من رحم المعاناة، وحتى الذين قدموا من رحم الجريمة النوفمبرية ليس بينهم وبين الشعب التونسي غير الدستور والقوانين، ذلك الغربال وتلك المصفاة، ما عداهم لا أحد يصنف الآخر إلا من صنف نفسه ورفع عقيرته يطلب القصاص منه ومن جرائمه ويلوح بها ويفاخر بالدم ويدعو لسفك المزيد تماما كما تفعل لعوب قبة باردو!
لم يكن محمد عبو يكذب حين قبل بمن رفضهم من قبل، لم يكن يكذب حين اعتقد انه الافضل وانهم الأسوأ، كان يعتقد ذلك فعلا، وبين الاعتقاد والحقيقة مسافة تجربة، بل مسافة دولة وضروراتها ومتطلباتها، كل ما اقترب عبو من الدولة ولامس مناصبها و اشتم روائحها كلما تعرف اكثر على خصوصياتها، وليس من خصوصية أكبر وأهم وأوكد داخل هذه المنصات الحاكمة غير المرونة والتنازلات وثقافة التعايش المرة وليست تلك الحلوة العذبة.
ليس من الصعب التأكيد أن محمد عبو حالة نرجسية صادقة، تحتاجه الدولة كما تحتاجه الساحة والمشهد، فقط كان يعاند ولا يرغب في عبور النهر الفاصل بين الطوباوية والواقعية، ولعل الإرتباك الذي طبع سلوكاته اخيرا والخطاب العدواني الذي اعتلى ردوده وهجماته، سببه ذلك الشعور المر باقترابه من النهر الفاصل وقناعته انه سيضطر الى القفز بل انه قفز وانتقل من ضفة الطوباوي الى ضفة الواقعية، وما ضَغط على اعصابه اكثر انه يكرر علاقات ومقولات وتصريحات النهضة، تلك التي رسمتها وقالتها منذ 2013 وربما قبل ذلك.
لقد أصر عبو على منازلة النهضة ثوريا ولم يراع الفوارق بين النّبتة والنّبتة، تلك عميقة ضاربة والأخرى سطحية ناشئة، وجنح الى الندية ولم يعتمد الشراكة التي تراعي الأحجام وتحترم التاريخ ولا تتعسف على سنن التدرج، وخاصم الحركة ونازعها على الواجهة الثورية ولم يقاسمها، ثم مع الوقت وبعد ان لانت النهضة بين يدي السلطة، أراد عبو أن يتميز عنها بنوع مبتكر من الليونة، ففشل وانتهى به المطاف يكرر بل يكاد يستنسخ منهجية النهضة في ادارة العلاقات، فعل ذلك مع الكثير من الارتباك والارتجال، لكن مداولات الحقبة الجملية والاخرى الفخفاخية، علمته الكثير وجرعته حدج الواقعية، غير أنه يحتاج بعض الوقت ليتمكن من تفريغ شحنات المغالبة ويركز أكثر على بثور الاستئصال النامية بداخله ويحاذر ان تتحول الى اورام خبيثة، ثم وبعد ان ينتهي من ذلك سيتفرغ وتتفرغ الساحة الى بناء الاجسام الحزبية بشروطها الموضوعية ومن ثم تنمية ثقافة التكافل لدى قواعدها وتعمل على وقايتها من آفة المزاجية، هذا الفيروس الذي نخر قواعد الاحزاب وشتتها وأتى على بنيانها من الأساس.