باسم عزيزي: سياسة التعويل على الذات سلاح ذو حدّين

2
باسم عزيزي: سياسة التعويل على الذات سلاح ذو حدّين
باسم عزيزي: سياسة التعويل على الذات سلاح ذو حدّين

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. وصف الخبير الجبائي باسم عزيزي في حواره مع “أفريقيا برس” سياسة التعويل على الذات التي تنتهجها الحكومة التونسية لمعالجة أوضاعها الاقتصادية بمثابة “سلاح ذو حدين”، حيث من شأنها أن “تساهم في خلاص ديونها الخارجية، وفي التحرر من التبعية للمانحين الدوليين، مع ذلك ستكون أمام تحدي تحسين الوضعية المالية العمومية والإيفاء بالتزاماتها.”

ورأى أن ” توقعات صندوق النقد الدولي بخصوص تونس، الذي توقع مؤخرا تحسن مؤشر النمو، لم تأتي من فراغ وفي محلها، فهو يراقب عن كثب جميع المؤشرات المتعلقة باقتصادات الدول”، لافتا أن “قراءة صندوق النقد أخذت في عين الاعتبار القرار السيادي الذي اختارته تونس على ضوء الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، باختيارها سياسة التعويل على الذات، وقد تحملت تبعات قرارها، وقات بالإصلاحات المطلوبة دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، ما يعني أن الصندوق أقر بأن خيار تونس في هذا الصدد كان في محله.”

وباسم عزيزي هو خبير مالي تونسي، ورئيس الغرفة الجهوية للمستشارين الجبائيين بولاية نابل.

كيف تقيم المشهد الاقتصادي في تونس، هل نجحت السياسات الاقتصادية في التحكم في نسبة التضخم وفي التزاماتها المالية؟

في الواقع مازال المشهد الاقتصادي في تونس يتسم بتحديات ورهانات وهي مرتبطة أساسا بسياسات الدولة، وقد اعتمدت الدولة مؤخرا سياسة التعويل على الذات برفضها التوجه إلى صندوق النقد الدولي والاقتراض الخارجي، وفي تقديري هي سياسة إيجابية لكن في المقابل هي بمثابة سلاح ذو حدين، ولها تداعيات فيما يخص تحسين الوضعية المالية العمومية، التي عانت من أزمات عدة مثل أزمة كوفيد وارتفاع الأسعار عالميا، ورغم أننا نلاحظ تحسنا لبعض المؤشرات مثل ارتفاع نسبة النمو، وتراجع نسبة التضخم التي تشهد منحى تنازلي، مع ذلك مازال المشهد الاقتصادي يواجه تحديات خاصة في مدى قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها، وتحسين وضعية المالية العمومية، في ظل تمسكها برفض الاقتراض الخارجي، والالتجاء إلى المانحين الدوليين.

البنك المركزي حذر مؤخرا من أن التضخم في تونس مازال محفوفا بالمخاطر رغم صمود الدينار، هل تؤيد هذه المخاوف؟

صحيح، لقد حذر البنك المركزي مؤخرا من ارتفاع التضخم، رغم ما يشهده من منحى تنازلي في الآونة الأخيرة، مع التوضيح أن نسبة التضخم تعكس منحى تطور الأسعار وليست مؤشرا أساسيا، حيث أن نسبة الركود التضخمي هي المسؤولة عن ارتفاع الأسعار الذي يمس المواطن بشكل مباشر، وهي مرتبطة بنسبة النمو، ورغم أن نسبة التضخم في منحى تنازلي كما ذكرت، لكن هذا لا يعني أننا لا نؤيد مؤيد مخاوف البنك المركزي، ونأمل أن تتحسن نسبة التضخم في الفترة القادمة بوتيرة أفضل مما هي عليه اليوم.

هل ستواصل مديونية تونس منحاها التنازلي حسب تقديرك؟

نعم أعتقد ذلك، فقد واصلت الحكومة التونسية خلاص أقساط من ديونها الخارجية هذا العام بالعملة الصعبة، وقد استفادت مما شهدته بعض القطاعات من انتعاشة، مثل الارتفاع الكبير لصادرات القطاع الزراعي خاصة الحبوب والتمور،كذلك هناك ارتفاع في عائدات السياحة التي وفرت نسبة كبيرة من العملة الأجنبية، إضافة إلى ارتفاع عائدات التونسيين بالخارج، التي ساهمت في تعبئة موارد الميزانية بالعملة الأجنبية، وساهمت في مساعدة الدولة على خلاص ديونها، كل هذا يوفر عملة أجنبية، ويؤشر على أن الديون الخارجية ستشهد مزيدا من الانخفاض وفي منحى تنازلي خاصة مع تواصل نسق المؤشرات الايجابية في قطاعات عدة، وكذلك بسبب اعتماد الدولة سياسة التعويل الذات.

كيف تقيم مسار العفو الجبائي الذي صدر في قانون المالية الخاص لسنة 2025 وكنت قد أعلنت عنه في أحد تصريحاتك؟

بخصوص العفو الجبائي، فهو يعد سابقة من نوعها في تونس، وقد تم الإعلان عن هذا العفو في العام الماضي، وهو مقترح كذلك في مشروع المالية لسنة 2025، وهو يساهم في تحسين الوضعية المالية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة رغم ما تعيشه من صعوبات، إلا أن الإقبال عليه كان ضعيفا السنة الماضية بسبب تزامنه مع العفو الاجتماعي المتعلق باستخلاص الخطايا والدين الخاصة بأنظمة الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية، لكن وقع تدارك ذلك في السنة الحالية، وقد قامت المنظومة الجبائية بتسهيل إجراءات العفو، وقد لاحظنا أن الإقبال كان كبيرا، في انتظار أرقام رسمية تؤكد ذلك.

ماهي قراءتك لمراجعة صندوق النقد الدولي لتوقعاته بخصوص تونس مؤخرا، حيث توقع استقرار نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لتونس عند 1,4 بالمائة، وذلك للسنة الحالية والعام القادم 2026.

توقعات الصندوق الدولي لتونس لم تأتي من فراغ، فهو يراقب عن كثب جميع المؤشرات الاقتصادية المتعلقة ببلدنا، بما فيها نسبة النمو، ونسبة التداين الخارجي، نسبة التضخم والاستهلاك وغيرها من المؤشرات الأساسية التي يقيس عليها الصندوق مدى تطور البلدان، بالتالي لم يراجع توقعاته بشأن تونس من فراغ، كما أخذ بعين الاعتبار إعادة تصنيف تونس من قبل بعض المختصين في الشأن العالمي ومنحها درجات إيجابية، واعتقد أن توقعات الصندوق في محلها، وبرأيي ستتواصل هذه المؤشرات في مزيد التحسن.

ويجب الإشارة أن قراءة صندوق النقد أخذت في عين الاعتبار القرار السيادي الذي اختارته تونس على ضوء الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، باختيارها سياسة التعويل على الذات، وقد تحملت تبعات قرارها، وقامت بإصلاحاتها في المالية العمومية وفي البنية التحتية وفي الاستثمار الداخلي وكذلك القطاعات الحيوية، دون اللجوء إلى الاقتراض، وبالتأكيد الصندوق كان مجبرا على مراجعة توقعاته، ليقر بأن خيار تونس كان في محله في هذا الصدد.

ماهي انعكاسات تعديل قانون الشيكات على النمو الاقتصادي للبلاد؟

قانون الشيكات له انعكاسات كبيرة على النمو الاقتصادي، وهو بمثابة ثورة تشريعية، حيث لسنوات طويلة يتعامل التونسيون بنظام الشيكات في معاملتهم المالية والتجارية، ثم يصدر في ليلة وضحاها قانون يغير صيغة التعامل بالصكوك البنكية، وقد أثر هذا القانون ايجابيا على قطاعات، وبشكل سلبي على قطاعات أخرى، ونعتقد أنه يتطلب وقت حتى نلتمس نتائجه على أرض الواقع في ظل بعض الصعوبات في التعامل، لكن مع ذلك ليس له أي انعكاسات سلبية على الاقتصاد وعلى الاستثمار بصفة عامة.

هل نشهد بداية نهاية عصر الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية، هل تراجع الثقة في الدولار اضطراب مؤقت أم تحول هيكلي في النظام المالي العالمي؟

فيما يخص الدولار الأميركي بعد تراجعه كعملة احتياط عالمية ما من شأنه أن يزيد التنافس والصراع بين القوى الكبرى، وهنا لا نستطيع أن نتحدث عن اضطراب مؤقت، بل عن تحول هيكلي في النظام المالي العالمي، حتى صندوق النقد الدولي خفض توقعاته بشأن نمو الاقتصاد الأميركي والعالمي عموما، وأمام هذه التحولات ستجد القارة الأفريقية نفسها أمام مفترق حاسم.

وبالنسبة لتونس، فقد أعلن البنك المركزي أن الدولار الأميركي قد انخفض إلى ما قيمته 2،99 دينار، في انخفاض غير مسبوق، وهي وضعية ملائمة لتونس بعد تراجع كلفة أسعار توريد المواد النفطية والمحروقات، ونحن نعلم مدى عجز الميزان الطاقي التي تعانيه منه البلاد، دون احتساب الديون الخارجية التي وقع خلاصها بالدولار الأميركي، بالتالي بانخفاض الدولار أمام الدينار التونسي، سيساهم ذلك في تحسن المؤشرات المحلية، كما ستتمكن الحكومة من إعادة تكوين مخزون العملة الأجنبية الذي بدوره يشهد تحسنا لافتا في الفترة الأخيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here