بعد المزونة وأحكام التآمر.. هل تعود تونس إلى احتجاجات الشارع؟

13
بعد المزونة وأحكام التآمر.. هل تعود تونس إلى احتجاجات الشارع؟
بعد المزونة وأحكام التآمر.. هل تعود تونس إلى احتجاجات الشارع؟

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. تعيش تونس في الفترة الأخيرة على وقع تحركات وأحداث داخلية تدفع المتابعين إلى التساؤل إن كان “مهد الربيع العربي” سيشهد عودة إلى الاحتجاجات وفوضى الشارع أم مازال قيس سعيد يمسك بالوضع الداخلي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساهم الأحكام الأخيرة التي صدرت في قضية “التآمر على أمن الدولة” في عودة الاحتجاجات الشعبية، خاصة وأن المرصد الاجتماعي رصد في تقريره للثلاثي الأول من 2025 “تصاعدا في نسق الحراك الاحتجاجي”.

قبل 25 جويلية 2021، كان من الممكن الإجابة على مثل هذه التساؤلات بالإيجاب وكان من الممكن أن نرى التجمعات الحاشدة يوم 19 أفريل في شارع الحبيب بورقيبة أو في ساحة القصبة تنديدا بتلك الأحكام الصادرة ضدّ زعماء من المعارضة ورجال أعمال بتهمة التآمر على أمن الدولة في ختام محاكمة غير مسبوقة، لكن اليوم يبدو أن هناك شبه اتفاق شعبي على أن يستمر الشارع في “صمته”، خاصة فيما يتعلق بدعم المعارضة.

ويقول المحلل السياسي باسل ترجمان لـ”أفريقيا برس”: “بعد صدور الأحكام في قضية التآمر يمكن أن نرى حالة من التجاهل الشعبي غير المسبوق لهذه الأحكام وعدم الاهتمام كما أن الخطاب المتوتر لفريق المحامين وعائلات المدانين زاد من القطيعة بينهم وبين الشارع”.

رغم الجدل الذي أثارته الأحكام الصادرة في قضية “التآمر على أمن الدولة”، يستبعد متابعون كثر أن يشهد الشارع “انفجارا” كذلك الذي حصل في 2010-2011، وما تلاه من تطورات على مدى سنوات حكم منظومة ما بعد 2011 إلى غاية 2021، لكن ذلك لا ينفي أن هناك تململا في صفوف التونسيين ليس من شخص الرئيس في حدّ ذاته لكن من فشل المسؤولين في إيجاد حلول للكثير من المشاكل التي تعاني منها البلاد.

وهنا، يقول حسام الحامي، منسق ائتلاف صمود، (معارض)، لـ”أفريقيا برس”: “المواطن التونسي دائما ما يعطي الثقة في السياسي على أنه سينجح في تحسين أوضاعه ولديه الأمل في أن المنظومة الجديدة ستطور واقعه وتحسنه وستقدم حلولا للتنمية وللوضع الاقتصادي، لكن مع طول الوقت والسياسات الفاشلة وتراكم القصور في ايجاد الحلول للتونسيين، وعدم الاستجابة للمطالب الملحة والمستعجلة ستحدث احتجاجات”.

ويقدم الحامي كمثال الاحتجاجات التي شهدتها منطقة المزونة، في مدينة سيدي بوزيد مؤخرا، على خلفية وفاة 3 تلاميذ إثر سقوط جدار المعهد الثانوي عليهم، حيث يقول: “إذا تواصلت هذه السياسات مع اعتماد السلطة لسياسة اطفاء الحرائق، فإن حرائق أخرى ستكون في طور الاشتعال وبالتالي ما دمنا لم نضع سياسات حول الحوكمة الرشيدة وخلق الثروة، ستبقى هذه الأحداث والاحتجاجات متواترة خاصة في المناطق الداخلية المحرومة”.

وشهد مقياس الاحتجاجات في تونس تصاعدا في درجاته في الأشهر الأخيرة. أحدث هذه الاحتجاجات شهدتها مدينة المزونة لكن سبقتها مجموعة أخرى من الاحتجاجات وفق تقرير المرصد الاجتماعي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والذي جاء بعنوان “نسق تصاعدي للحراك الاحتجاجي.. انتحار بطعم الاحتجاج.. وعنف وسط تواصل الإفلات من العقاب”.

وفق المرصد الاجتماعي عاد الفاعل الاحتجاجي في تونس للتحرك والمطالبة، لينتهي الربع الأول من سنة 2025، بتسجيل 1132 تحركا احتجاجيا. استعادت بها الأشهر الأولى للسنة طفرتها، وتضاعف معها نسق الاحتجاج بنحو الـ 238% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية 2024، حيث تم رصد 475 تحركا فقط خلال الثلاثية الأولى واعتبرت السنة الأضعف من حيث الحراكات على امتداد سنوات ما بعد 2011.

وتوزعت رقعة الاحتجاج لتشمل كل مدن البلاد، تم خلالها أساسا اعتماد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والاضرابات عن العمل فضلا عن تعطيل النشاط وإضرابات الجوع وغلق الطرقات وحمل الشارة الحمراء وأيام الغضب وغلق مقرات العمل..

لكن، رغم ذلك لم تصل هذه الاحتجاجات مرحلة “الخطر” و”انقلاب” موازين علاقة الشارع بنظام الرئيس قيس سعيّد، وذلك لأن الاحتجاجات ارتبطت بشكل عام ببعض الأحداث مثل انهيار جدار معهد المزونة أو الاحتجاجات في مدينة صفاقس ضدّ تواجد المهاجرين الأفارقة بعد جدل أثاره فيديو نشرته النائبة فاطمة المسدي عن طريقة عيشهم في مخيم العامرة.

وسعت المعارضة في كل مناسبة إلى استغلال هذه الأحداث لدفع التونسيين نحو الشارع مجدّدا، لكن هذه المعادلة لم تتحقق بعد، حيث ظل الفضاء الرقمي “الشارع” الرئيسي للتونسيين للتعبير عن آراءهم التي لا شكّ أنها تعكس حالة عدم الرضا لدى عموم التونسيين، بسبب ارتفاع الأسعار وتدني المستوى المعيشي وصعوبة مواجهة متطلبات الحياة.. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن أسباب غيابهم عن الشارع وحالة “الاستكانة” التي صارت تسيطر عليهم.

الإجابة على هذا السؤال يتصدى لها أستاذ علم الاجتماع الطيب الطويلي، مبررا ذلك بأن “التونسي الذي هز أركان شوارع البلاد من جنوبها إلى شمالها خلال ثورة 2011 كان يضع سقف انتظارات عاليا، وكان في كل مرة يجد مبررا للطبقة التي حكمت البلاد بعد 2011، وبأن المسار الانتقالي ليس سهلا، لكن مع مرور السنوات بدأ هذا السقف ينهار وشعر المواطن بخيبة كبرى من المعارضة والمنظومة الحاكمة عموما “.

ويضيف الطويلي لـ”أفريقيا برس”: “ترجم الشارع التونسي غضبه بانسحابه من الشارع الذي لم يخرج إليه إلا لنصرة فلسطين، أو في بعض الاحتجاجات المنفردة ومحدودة المكان لأشخاص أو مجموعات إما تم طردها من عملها أو بسبب اهمال في ملف أو سوء الخدمات”.

وكان المرصد الاجتماعي ذكر في تقريره تواصل الاحتجاجات التقليدية تنديدا بسوء البنية التحتية وتردي الخدمات الإدارية العمومية وضعف أسطول النقل، وتواصل انقطاع مياه الشرب وتذبذب نسق التزود بها، والذي أصبح معضلة يعاني منها السكان بشكل دائم ويومي في مدن وأرياف كل ولايات البلاد.

وفي تونس العاصمة، تكررت الاحتجاجات، خاصة أمام المحكمة الابتدائية، في سياق تحرك “جبهة الخلاص الوطني” ضد المحاكمة في قضية “التآمر على أمن الدولة”، والتي لم تسجّل تأييدا شعبيا كبيرا في موقف يرى مراقبون أن المعني به أساسا هي المعارضة التي فشلت في رصّ صفوفها، ما ترك المجال للنظام.

وبالأرقام احتل الموظفون والعمال والمعطلون المرتبة الأولى على قائمة الفاعلين الذين نظموا تحركات خلال الربع الأول لسنة 2025، وفق تقرير المرصد الاجتماعي، حيث مثلوا الفاعل الأساسي في نحو نصف التحركات المسجلة. يليهم في ذلك النشطاء والحقوقيين والنقابيين والطلبة والمساجين والصحفيين، الذين شكلوا ربع التحركات التي شهدتها الساحات والميادين منذ بداية السنة.

كما عرفت نفس الفترة تحركات للسكان والفلاحين والتجار وسواق النقل الفردي والنقل العمومي للحافلات والتلاميذ والأولياء وأعوان الصحة والإطارات الطبية وأحباء الفرق الرياضية والمشجّعين الشباب خاصة بعد أن اعتقلت قوات الأمن الشاب محمد أمين الطويهري على خلفية تمزيقه لافتة دعائية لشركة كارفور خلال مباراة المنتخب الوطني في ملعب رادس. وتمت إحالة الشاب على المحاكمة في خطوة زادت من حدّة الغضب الشعبي خاصة في صفوف الشباب، الذين كانوا السند الأكبر لقيس سعيّد خلال حملته الانتخابية الأولى.

ارتفاع حالات الانتحار

تواصل تونس العاصمة بما تعكسه من مركزية للقرار احتلال المرتبة الأولى من حيث الجهات التي تعرف زخما احتجاجيا خلال الربع الأول للسنة، أين عرفت لوحدها 293 تحركا اجتماعيا. يليها ولاية تطاوين (الجنوب الشرقي) بـ75 تحركا ثم ولاية قفصة (الجنوب الغربي) بـ 74 تحركا ثم القيروان (الوسط) بـ61 تحركا وجندوبة (الشمال الغربي) بـ54 تحركا ونابل (الوطن القبلي) بـ 53 تحركا ومدنين (الجنوب الشرقي) بـ 51 تحركا ثم تأتي كل من ولاية توزر وسيدي بوزيد (الجنوب الغربي) بـ50 تحركا ثم ولاية القصرين (وسط غرب) بـ 48 تحركا احتجاجيا فبنزرت (شمال) بـ 40 تحركا وسوسة (الساحل) بـ36 تحركا…

واتجه المحتجون في أكثر من 80% من التحركات التي خاضها نحو السلط الرسمية بمختلف تمثلاتها من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وسلط جهوية ووزارات وبلديات وولاة، أما البقية فكان السلط القضائية وصاحب العمل المعني الأول بها.

لكن، اللافت وفق أرقام تقرير المرصد الاجتماعي، لم يكن الاحتجاجات بقدر ما كان الرقم الذي رصد على مستوى حالات الانتحار المسجلة خلال الثلاثة أشهر الأولى والتي قدّرت بـ 33 بين حالات ومحاولات الانتحار، جزء كبير منها جاء في شكل احتجاجي ممسرح في الفضاء العام أو أمام مقرات امنية أو داخل فضاءات المحاكم أو داخل مؤسسات تعليمية..

وتشمل حالات الانتحار المرصودة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي 14 انتحارا في صفوف فئة الشباب و10 حالات لفئة الأطفال و8 حالات لفئة الكهول وحالة انتحار لشيخ. وشكل الذكور 25 حالة من أحداث الانتحار في حين مثل النساء 8 حالات ممن اختاروا أن يكون الانتحار أطرا لتبليغ ضيقهم وحجم اليأس الذي يشعرون به.

في ظل التطورات الراهنة في تونس، يذكّر متابعون بمرحلة حكم النهضة، حيث أدى تشرذم المعارضة إلى استقواء الإسلاميين. وفي كثير من المناسبات كان خطاب المعارضة، خاصة مع عبير موسى وحزب الدستوري الحر، يؤدي إلى عكس ما يرمي إليه وأفاد الإسلاميين في خطاب المظلومية الذي روّجوا له.

هنا، يحذر الخبراء الرئيس قيس سعيّد ويدعونه إلى عدم نسيان ذلك التاريخ، فـ”صمت” الشارع ليس بالضرورة تأييدا مطلقا له، وخوف التونسيين من عودة الإرهاب والفوضى وانعدام الأمن، قد ينتهي في الأخير إلى انفجار غير منتظر، وما بدأ بوقفات احتجاجية فردية قد يتطوّر إلى غضب شعبي يسقط الحصانة المطلقة التي منحها التونسيون للرئيس.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here