تجارة نشطة على حدود تونس والجزائر… مبادلات لا تنتظر القرار

11
تجارة نشطة على حدود تونس والجزائر... مبادلات لا تنتظر القرار
تجارة نشطة على حدود تونس والجزائر... مبادلات لا تنتظر القرار

أفريقيا برس – تونس. لا يزال ملف تنمية المناطق الحدودية بين تونس والجزائر يُطرح في النقاشات الرسمية بين البلدين، حيث تجدد الحديث عن المسألة التجارية والاقتصادية على هامش الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطّاف، إلى تونس الأربعاء الماضي.

ومنذ أكثر من 20 عاماً يحاول البلدان إنشاء مناطق تجارة حرة في المناطق الحدودية، فقد وقعت تونس عام 2003 مع الجزائر مذكرة تفاهم تقضي بإقامة منطقة تبادل حر مشتركة للمساهمة في تنمية المناطق الحدودية وتقليص ظاهرة التجارة الموازية، إذ تعهدت السلطات التونسية بإقامة 14 منطقة حينها، غير أن المشروع لم يتحقق.

في الأثناء سبقت المجتمعات المحلية في المدن الحدودية التونسية والجزائرية القرار الرسمي بخطوات، إذ تمكن سكان البلدات المتاخمة للحدود من تطوير أسواق تستجيب للاحتياجات التنموية للسكان، ما خلق فرص عمل من الجانبين.

وتعد رحلات التسوق التي تنطلق من تونس نحو المدن الحدودية الجزائرية فرعاً مهماً للتبادل التجاري غير الرسمي بين البلدين حيث غالباً ما تكون أسواق مدن العلمة وسطيف قسنطينة المقصد الرئيسي للتونسيين للتسوق إذ يستفيدون من وفرة العرض في الأسواق الجزائرية وفوارق الأسعار بين المنتجات في البلدين.

ولا تملك جامعة وكالات الأسفار التونسية أرقاماً رسمية عن عدد الرحلات التي تنظم للجزائر، لكن هذا النوع من الرحلات يعرف تطوراً مهماً بحجم نشاط الوكالات الناشطة في المدن الحدودية، وبدرجة أقل المدن الساحلية، وفق عضو جامعة وكالات الأسفار ظافر لطيف.

يقول لطيف إن وكالات الأسفار تنظم بصفة متواترة رحلات تجارية نحو المدن الجزائرية على متن مركبات تتسع لـ40 مسافراً وبسعر يتراوح ما بين 400 و500 دينار تونسي (بين 133.3 و166.6 دولاراً)، مشيراً إلى أن الرحلات تنطلق سواء من العاصمة تونس أو إحدى مدن الشمال الغربي التي لا تزيد المسافة الفاصلة بينها وبين أقرب بوابة حدودية مع الجزائر عن 180 كيلومتراً على أن تستمر السفرة نحو 72 ساعة من بينها يوم كامل مخصص للتسوّق.

وتتنزل رحلات توريد السلع بطرق غير نظامية من الجزائر ضمن المبادرات الذاتية للمواطنين لمكافحة البطالة وخلق مصادر دخل للأسر خاصة داخل الأحياء الشعبية. وتشمل قائمة السلع التي تورد من الجزائر إلى تونس زيوت الطهي النباتية والأجبان والحليب المجفف والسكر والبُن إلى جانب مواد التنظيف وقطع السيارات والإلكترونيات والعطور ومستحضرات التجميل والمفروشات.

وبالإضافة إلى الرحلات المنظمة، يعبر يومياً مئات المواطنين من القرى والتجمعات السكنية القريبة من البوابات الحدودية مشياً على الأقدام أو على متن سيارات للتزود بالاحتياجات الأساسية لأسرهم، ولا تستغرق هذه العملية إلا بضع ساعات ذهاباً وإياباً باعتبار أن المسافة الفاصلة بين معبر ملولة من الجانب التونسي وبلدة السوارخ الجزائرية لا تتجاوز 20 كيلومتراً.

تكشف شهادات لمواطنين من منطقة ملولة الحدودية جمعتها أن الأسواق الأسبوعية والمحلات التجارية متناهية الصغر تمثل فضاءات العرض للسلع الموردة من الجزائر، حيث يقوم التجار بتطوير بقالات تختص في خدمة التزويد بالسلع الأساسية بأسعار رخيصة للمجتمعات المحلية.

وعلى الضفة الجزائرية أدى الطلب التونسي على السلع الأساسية إلى مشهد تجاري جديد داخل التجمعات السكنية والقرى الحدودية، حيث تم فتح سلاسل من المحلات التجارية متوسطة الحجم متخصصة في تجارة التجزئة للمواد الغذائية ومواد التنظيف، وهي عبارة عن مشاريع صغرى يقوم رواد أعمال من أبناء المناطق الحدودية الجزائرية بتنميتها بالتعويل على الإمكانيات الذاتية.

ووفق تصريح لمسؤول في منظمة المستهلكين بمدينة الطارف الجزائرية فضل عدم الكشف عن اسمه تمتد هذه المحلات على الشوارع الرئيسية في بلدات السوارخ والقالة والعيون وعين العسل وهو مشهد تجاري تشكل في فترة ما بعد جائحة فيروس كورونا قبل خمس سنوات وتزامن مع زيادة تأثيرات أزمة الجفاف على تونس.

وقال المتحدث إن فتح محلات تجارة التجزئة في المناطق الحدودية على خلق مجالات شعل جديدة على غرار أنشطة النقل غير النظامي وصرافة العملة في الجانب الجزائري. وأشار إلى أن آثار توسع تجارة التجزئة تمتد كذلك في المدن الحدودية الجزائرية إلى تجارة الجملة، ومركزها المدن الكبرى التي وجدت بدورها مجالات توسع جديدة في مناطق كانت بالأمس القريب تكتفي بالحد القليل من السلع لتلبية حاجيات السكان المحليين.

وتستند السلطات الجزائرية في تسهيل عبور السلع التموينية الأساسية إلى تونس، إلى القرار الرسمي المركزي الذي عبّر عنه بيان مقتضب للرئاسة الجزائرية بتاريخ العاشر من فبراير/شباط 2023. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون “أمر بعدم إزعاج وعرقلة المواطنين التونسيين الأشقاء في مراكز العبور الراغبين في الدخول أو الخروج من وإلى الجزائر”.

ويقول الباحث في مركز الدراسات للشرق الأوسط حمزة المؤدب، إن لدى السلطات المركزية في تونس كما في الجزائر أسبابها لتطبيق سياسة “دعه يعمل، دعه يمر” مع التجار غير النظاميين أو العاملين في مجالات النقل والصرافة وهي أن هذه السياسة تستخدم صمام أمان لتنفيس بعض الضغوط الاقتصادية التي يشعر بها سكان في المناطق الحدودية من الجانبين.

ويؤكد المؤدب أن التجارة البينية غير الرسمية تحقق نوعاً من الاستقرار والأمن في هذه المناطق وتجنّب السكان الوقوع في شبكات الجريمة والاستقطاب الإرهابي وبالتالي، فإن قمع التجارة البينية غير الرسمية سيحرم عائلات بأكملها من شريان الحياة الاقتصادي ويثير الاضطرابات.

في غياب نصوص واضحة تحدد كميات السلع والمواد التموينية المسموح بتمريرها من التونسيين أو حتى الجزائريين الذين يعبرون نحو التراب التونسي، يوكل لمصالح الجمارك الجزائرية في المعابر السلطة التقديرية لتحديد هذه الكميات بناء على المعاينة بالعين المجردة، وغالباً ما يتقيد بحدود الاستهلاك الأسري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here