تعديل حكومي مفاجئ في تونس يعكس ارتباك السلطة في إدارة الأزمات

84
تعديل حكومي مفاجئ في تونس يعكس ارتباك السلطة في إدارة الأزمات
تعديل حكومي مفاجئ في تونس يعكس ارتباك السلطة في إدارة الأزمات

أفريقيا برس – تونس. اعتبرت أوساط سياسية في تونس أن التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس قيس سعيد مؤخرا يعكس ارتباك السلطة في إدارة الأزمات وخلافات داخل الفريق الحكومي في التعاطي خاصة مع ملفي الهجرة والإيقافات السياسية.

وأجرى الرئيس سعيّد، مساء السبت، تعديلا وزاريا جزئيا على حكومة أحمد الحشاني، شمل وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية، وذلك عقب موجة اعتقالات في المجتمع المدني، أثارت جدلا واسعا ومخاوفا من حصول مزيد من التراجع في الحرّيات في البلاد.

وقالت الرئاسة، في بيان مقتضب، إن “رئيس الجمهورية قيس سعيد قرر السبت إجراء تحوير جزئي على الحكومة”. وأضافت أنه “تم بمقتضى هذا التعديل الوزاري تعيين خالد النوري، وزيرا للداخلية خلفا لكمال الفقي، وكمال المدوري، وزيرا للشؤون الاجتماعية خلفا لمالك الزاهي”.

وقد استُحدث منصب كاتب دولة (وزير دولة) لدى وزارة الداخليّة مكلّف الأمن القومي، وقد عُهد به إلى سفيان بن الصادق، وفق ما ذكره البيان.

أداء حكومي ضعيف

تباينت آراء المحللين والمتابعين بشأن أسباب تخلي الرئيس عن الوزيرين الفقيه والزاهي اللذان يعتبران من الشخصيات المقربة إليه والداعمة لمسار 25 جويلية بشكل قوي، وما إذا كان قرار التخلي عنهما ناجما عن رغبة سعيد أم يخضع لرأي أحد المقربين الذي نصحه بإجراء التعديل للتخفيف من الانتقادات الحادة التي طالت الرئاسة بسبب قيامها بموجة اعتقالات زادت المخاوف بشأن مصير الحريات بالبلد، وأيضا لضعف أداء الحكومة التي لم تنجح في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية على غرار تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغلاء المعيشة ونقص في المواد الغذائية الأساسية.

واعتبر صهيب المزريقي القيادي بحركة البعث في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “التغييرات التي طرأت على الحكومة وقد مسّت كل من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية أمر طبيعي جدا وهو دارج في ديمقراطيات العالم كله حينما يكون هناك خلل في السير الحكومي أو عدم التناغم بين أعضاءها”. ثم استدرك “لكن ما نريده اليوم هو تغيير جذري على مستوى عمل الحكومة تسبقه رؤية علمية ومتكاملة ذات منوال تنموي جديد وخارطة طريق سياسية واقتصادية يتم عرضها من قبل رئيس الجمهورية على مجلس نواب الشعب وفق الفصل 100 من دستور البلاد التونسية لسنة 2022”.

وبلغ عدد الإقالات في حكومة الحشاني خمسة إقالات في غضون ثلاث أشهر فقط، وسط تواصل الشغور في وزارتي النقل والثقافة، وتأتي الإقالات دون توضيح الأسباب من قبل الرئاسة التي تكتفي عادة بيان رسمي للإعلان عنها في خطوة تؤكد الارتباك والتخبط في إدارة الأزمات ومساعيها تخفيف التوتر وحالة الاحتقان السياسي والاجتماعي خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها أواخر العام الجاري.

وبينما لم يعلن الرئيس سعيد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة لكن الأوساط السياسية تجمع على أنه سيكون مرشحا للسباق وسيسعى للفوز بولاية جديدة ومواصلة مشروعه السياسي وهو ما ألمح إليه في تصريحاته الأخيرة.

ويراهن سعيد على شعبيته الواسعة التي أيدته خاصة منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021، والتي وضع فيها حدا للنخبة السياسية التي حكمت البلاد طيلة عقد من الزمن والتي يحمّلها الشارع مسؤولية تردي أوضاعهم المعيشية، غير أن هذه الشعبية باتت مهددة بسبب عدم قدرة الرئاسة على تلبية احتياجات المواطن ولاستخدامها القمع بموجب المرسوم 54 لغلق أفواه المعارضين وخصومها السياسيين.

وحوكم أكثر من 60 شخصًا خلال عام ونصف، بينهم صحافيّون ومحامون ومعارضون لسعيّد، على أساس هذا المرسوم حسب النقابة الوطنيّة للصحافيّين التونسيّين.

وقد تظاهر مئات الشباب الجمعة الماضية، احتجاجًا على أحكام بالسجن وموجة توقيفات طالت إعلاميّين ومحامين. وحسب تقارير إعلامية فقد سار المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة هاتفين “تسقط الديكتاتوريّة” و”يسقط المرسوم (54)” و”فاسدة المنظومة من قيس إلى الحكومة” و”جاك الدور جاك الدور يا قيس الديكتاتور”.

وقضت محكمة تونسيّة مؤخرا بسجن كلّ من المحلّل والمعلّق السياسي مراد الزغيدي ومقدّم البرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة برهان بسيّس سنة على خلفيّة تصريحات منتقدة للسلطة. وتزامن توقيف الزغيدي وبسيّس مع توقيف المحامية والمعلّقة التلفزيونيّة سنية الدهماني بالقوّة بأيدي رجال الشرطة في 11 مايو.

ويجد سعيّد في التعديلات الوزارية الحل لمواجهة الانتقادات والأزمات فيما يقول المتابعون أن مثل هذه الخطوة غير كافية لمواجهة ضعف الأداء الحكومي أو عثرات البرلمان وأن الوقت لم يعد يسمح للارتجال وعلى السلطة الانتقال إلى مرحلة الخطط والبرامج والبناء.

غياب الانسجام

على عكس بعض الأصوات التي ترى أن التعديل الوزاري مفاجئا ويأتي ردا على المستجدات الأخيرة، إلا أن أصوات أخرى تشير إلى أنه كان متوقعا حيث أن ملف المهاجرين الأفارقة على الخصوص كان سببا رئيسيا في إقالة وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية.

ويلفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “التعديل الوزاري كان متوقعا”.

ويشرح بالقول “من المعلوم أن وزير الشؤون الاجتماعية لديه مشاكل عديدة داخل الوزارة، كما أن هناك آليات وبرامج تنفذها الوزارة لكن بقيت معطلة، وأيضا هناك شكاوي قضائية ضده وعديد المشاكل الأخرى التي مسّت أعوان هذه الوزارة”.

وعلّق عبد الكبير بالقول “نرى أن استمرارية هذا الوزير كانت ستكون مضرة لرؤية ومسار الرئيس سعيد وخاصة ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية، والجميع في حراك 25 جويلية يعمل لصالح شخص وليس لحزب بعينه”.

وبالنسبة لإقالة وزير الداخلية، يرى عبد الكبير أنه “معلوم منذ الوهلة الأولى التي عيّن فيها أن الفقيه ينتمي إلى مدرسة فكرية تختلف تماما عن المدرسة الفكرية المتأتي منها سعيد فقد جاء من مدرسة فكرية يسارية بحتة، أما سعيد فهو أكاديمي ولديه رؤية وتفكير آخر عروبي وإسلامي ويميني أكثر منه يساري”.

وأضاف عبد الكبير “يعرف أيضا عن علاقات وزير الداخلية الكبيرة بالمحامين والنشطاء ورؤيتهما مختلفة في إدارة هذا الملف، ويقال أن وزير الداخلية لم يكن حاسما في مسالة إعطاء الأوامر في الإيقافات الأخيرة وكانت كلها من طرف الرئاسة بالأساس، يعني العلاقات ليست ممتازة في كل الحالات بين الأطراف الوزارية الأخرى”.

واستنتج عبد الكبير “كل هذه الأسباب دفعت بسعيّد إلى هذا التعديل، ومنذ أكثر من شهر كنا نعلم أن هناك تعديلا مرتقبا سيشمل هذه الوزارة وذلك لغياب وزير الداخلية عن بعض المناسبات الهامة.. إذن اليوم هذا التعديل منتظر، بالمقابل الحديث على أن ملف الإيقافات والهجرة هو من عجّل بهذا التعديل، حيث يريد رئيس الجمهورية أن يجعل من وزير الداخلية كبش فداء فهذا مستبعد في تقديري، أنا لا أرى ذلك على اعتبار أن ملف الهجرة وملف الإيقافات تشرف عليه رئاسة الجمهورية بالأساس وأيضا بالتنسيق مع وزارة العدل أكثر منه مع وزارة الداخلية فالأسباب هذه استبعدها، وأعتقد أن هناك خلافا حقيقيا على مستوى الرؤية والأفكار والمدرسة السياسية وهو ما استوجب ضخ دماء جديدة بالفريق الحكومي”.

ويتسق رأي عبد الكبير مع رأي المحلل السياسي منذر ثابت الذي يستعبد ما يروج عن صراع أجنحة داخل السلطة وأنه هناك خلافا حقيقيا في معالجة ملف الهجرة وهو وراء الإقالات الأخيرة.

ويشير ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس” بالقول “يبدو أن هناك من يرفض تمكين المهاجرين الأفارقة من بطاقات إقامة مؤقتة وشغل مؤقت وإيوائهم في إطار مراجعة الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، هناك من يرفض ذلك ويطالب بالتعاطي مع هذا الملف بأكثر حزم”.

ويضيف ثابت “أعتقد أن هذا الملف هام لأن ما يمكن أن يجمع بين وزير الشؤون الاجتماعية ووزير الداخلية الأسبق هو هذا الملف بالتحديد، وهو ما يمكن أن يشكل الرابط وموضوع الخلاف، كما أنه هناك تأويلات بأن رئيس الجمهورية يحمّلهم مسؤولية الإيقافات الأخيرة لكن الأرجح أن هذه الإقالات في علاقة بملف الهجرة بالأساس”.

وخلص ثابت “ليس هناك صراع أجنحة، أعتقد أن ملف الهجرة والتعاطي مع المهاجرين هو من كان حاسما في هذا التعديل، كما يبدو أن هناك حالة من عدم الانسجام بين الوزيرين حسب تصريحات الرئيس سعيّد مع رئيس الحكومة مؤخرا حيث أكد على أهمية انسجام الفريق الحكومي”.

وكان وزير الداخلية الأسبق كمال الفقيه قد ذكر خلال جلسة استماع برلمانية أخيرة أنه تم إرجاع وصد حوالي 130 ألف مهاجرا على الحدود التونسية، وأن عدد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء قدر بحوالي 23 ألف شخصا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here