عادل الثابتي
أفريقيا برس – تونس. طاويا أوراقه في تونس، خلّف عام 2025 وراءه مشهدا حافلا بالتطورات، إذ عاشت البلاد بين انتعاش اقتصادي غير مسبوق في قطاعات حيوية، ومناخ سياسي وقضائي مشحون بالتوترات والمحاكمات.
ففي حين كانت الحقول والمطارات تسجل أرقاما قياسية في الإنتاج الزراعي والسياح الأجانب، كانت قاعات المحاكم وساحات الاحتجاج تشهد فصولا جديدة من التجاذبات بين السلطة والمعارضة.
وهكذا رسم عام 2025 في تونس، ملامح مرحلة تتأرجح بين طموحات التعافي المالي وتحديات الاستقرار الاجتماعي والنقابي، في ظل موقف شعبي ورسمي ثابت تجاه القضايا القومية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والتضامن مع قطاع غزة.
قضية “التآمر”
طرأت طيلة 2025 تطورات مهمة فيما يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة” التي بدأت ملابساتها منذ عام 2023، عندما أوقفت السلطات سياسيين معارضين ومحامين وناشطي مجتمع مدني، بتهم “محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة”، و”التخابر مع جهات أجنبية”، و”التحريض على الفوضى أو العصيان”.
وفي 19 أبريل/ نيسان 2025، أصدرت محكمة ابتدائية أحكاما أولية بالسجن تراوحت بين 4 سنوات و66 سنة بحق 37 متهما، أبرزهم القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، والسياسي رئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج، وأمين عام “الحزب الجمهوري” المعارض عصام الشابي، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي.
وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، أصدرت محكمة الاستئناف بتونس، أحكاما بالسجن بين 10 و45 عاما في حق المتهمين الموقوفين، وسط احتجاجات عائلات الموقوفين، بينما طالبت منظمات حقوقية تونسية وأجنبية بإخلاء سبيل المحاكمين بدعوى “الصبغة السياسية للمحاكمة”.
وتؤكد السلطات التونسية أن المتهمين “حوكموا بتهم جنائية، وأن القضاء مستقل ولا تتدخل في شؤونه”، في حين ترى قوى معارضة أن القضية ذات “طابع سياسي” وتُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين.
مسيرات موالية ومعارضة
في 6 ديسمبر/ كانون الأول، نظم آلاف الأشخاص مسيرة وسط العاصمة تونس، احتجاجا على توقيفات شملت معارضين للسلطات في الآونة الأخيرة على خلفية قضية “التآمر”.
وكانت الصبغة اللافتة لتلك المسيرة هي المشاركة الواسعة للأحزاب المعارضة على اختلاف برامجها وتوجهاتها، وكانت المسيرة تحت عنوان “المعارضة ليست جريمة”.
وبعدها بنحو 10 أيام، تظاهر آلاف من أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد في 17 ديسمبر “إحياء للذكرى الـ 15 للثورة التونسية التي اندلعت عام 2011 ومساندة لسياسات سعيد، ورفضا للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد”.
وحينها قال الأمين العام لحزب “المسار” محمود بن مبروك، إن المظاهرة “هبة شعبية تلقائية لمساندة المسار وصفعة أولى للمعارضة التي تتآمر على منظومة المسار ورفضا لتصريحات البرلمان الأوروبي التي تتدخل في شؤوننا”، على حد تعبيره.
تطورات نقابية
وفي السياق الاحتجاجي، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر هيئة نقابية بالبلاد)، في 5 ديسمبر، إضرابا عاما في 21 يناير/ كانون الثاني 2026، للمطالبة بحقوق نقابية وزيادة الأجور.
إلا أن الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي (64 عاما)، وفي خطوة مفاجئة وغامضة، قدم في 25 ديسمبر استقالته من الاتحاد دون الإعلان عن الأسباب، وهو الذي كان يتولى المنصب منذ عام 2017.
وحينها قال متحدث الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، إن “الاستقالة لا تفعّل بشكل فوري، فالقانون الداخلي للاتحاد ينص على دعوة المعني بالأمر خلال 15 يوما للاستفسار عن أسباب استقالته ومحاولة ثنيه عنها، ثم تصبح نافذة في حال تمسّكه بها”.
واعتبر العضو السابق بالاتحاد رشيد النجار أن “السلطة ترغب في تغيير القيادة الحالية للاتحاد”.
احتجاجات ضد التلوث
ولأسباب غير سياسية، استمرت على مدى أشهر، احتجاجات في مدينة قابس جنوب شرقي تونس للمطالبة بتفكيك مصنع المنتجات الكيميائية بعد تعدد حالات اختناق بالغازات المنبعثة منه منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي 21 أكتوبر، تظاهر آلاف المحتجين بمدينة قابس، للمطالبة بوضع حد لتلوث المصنع الكيميائي، وتجددت المظاهرات في17 ديسمبر.
وأمر الرئيس قيس سعيد في 8 نوفمبر، بتشكيل فريق عمل لإيجاد حلول عاجلة لمعالجة التلوث البيئي في قابس.
ويقع المصنع الكيميائي في منطقة “شاطئ السلام” التّي يقطنها نحو 18 ألف نسمة، وتبعد قرابة 4 كلم عن مدينة قابس مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم، وتم إنشاء المُجمّع عام 1972 وبداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات.
انتعاش اقتصادي
واقتصاديا، حققت تونس خلال عام 2025 انتعاشا اقتصاديا ملموساً في عدة قطاعات حيوية، متجاوزة سنوات صعبة من الجفاف وتداعيات جائحة كورونا سنتي 2020 و2021.
قاد قطاع الزراعة هذا التعافي بنمو قياسي، إذ ارتفع إنتاج الحبوب بنسبة 72.2 بالمئة ليصل إلى 19.8 مليون قنطار (القنطار يساوي 100 كغ).، متفوقاً بشكل كبير على المواسم العجاف السابقة.
كما سجلت البلاد محصولا استثنائيا من زيت الزيتون بنحو 500 ألف طن، ما حقق عائدات تصديرية تجاوزت 1.1 مليار دولار، بالإضافة إلى إنتاج قياسي من التمور بلغ 404 آلاف طن.
وفي سياق متصل، حقق قطاع السياحة طفرة تاريخية غير مسبوقة بتجاوز عتبة 11 مليون سائح لأول مرة في تاريخ البلاد، وهو ما انعكس إيجاباً على الخزينة العامة بعائدات قدرت بنحو 2.33 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.
ونتيجة لهذه النجاحات، استقر معدل نمو الاقتصاد التونسي لعام 2025 بين 2.3 بالمئة و2.4 بالمئة، مدفوعاً بالأداء القوي لقطاعات الفوسفات والبناء والزراعة والسياحة.
وترافق هذا النمو مع تحسن في القوة الشرائية، بتراجع نسبة التضخم بشكل ملحوظ لتستقر عند 4.9 بالمئة في نوفمبر 2025، نزولاً من 6.2 بالمئة في العام السابق، وسط تطلعات حكومية برفع نسبة النمو إلى 3.2 بالمئة عام 2026 رغم التحديات القائمة.
تضامن مع غزة
وخلال 2025، واصل التونسيون دعمهم للقضية الفلسطينية، إذ نظمت مئات الوقفات الاحتجاجية رفضا للحرب والحصار الإسرائيليين على غزة.
وبرزت على الساحة الحقوقية والشعبية، جمعيات ناشطة تحيي فعاليات دورية لدعم غزة، على غرار “جمعية أنصار فلسطين” و”تنسيقة العمل المشترك من أجل فلسطين” و”التحالف التونسي لدعم الحق الفلسطيني”.
وفي 9 يونيو/ حزيران انطلقت “قافلة الصمود المغاربية” من تونس العاصمة وعبرت ليبيا وكانت تنوي التوجه بريا إلى غزة، في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع وتضامنا مع الشعب الفلسطيني، وذلك بمشاركة مئات الناشطين.
كما استضافت تونس خلال سبتمبر عشرات السفن من “أسطول الصمود” العالمي، قبل انطلاقها إلى شواطئ غزة، محاولةً كسر الحصار الإسرائيلي.
لكن إسرائيل مارست أعمال قرصنة ضد السفن المتجهة نحو غزة وبينها تونسية، إذ استولت عليها ورحّلت الناشطين الذين كانوا على متنها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





