رامي الزراع، مختص في الاتصال السياسي
أهم ما يجب معرفته
تتناول المقالة واقع الهجرة للأفارقة إلى تونس، حيث يواجهون تحديات كبيرة في مجالات التعليم والاقتصاد والسكن. رغم أن تونس ليست جنة للأفارقة، إلا أن العديد منهم لا يرفضونها، بل يرغبون في الاستقرار فيها. لكن الواقع يشير إلى أن تونس لا توفر الشروط اللازمة لتحقيق ذلك، مما يجعلها مجرد محطة عبور نحو أوروبا. تسلط المقالة الضوء على ضرورة وجود سياسة هجرة واضحة وعادلة.
أفريقيا برس – تونس. هل يرغب الأفارقة القادمون من جنوب الصحراء في الاستقرار بتونس؟ أم أن البلاد ليست سوى محطة عبور اضطرارية في طريق أطول نحو أوروبا؟
السؤال يبدو بسيطًا، لكنه يخفي خلفه شبكة معقدة من الدوافع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ترتبط أساسًا بفكرة مركزية تحكم التجربة الإفريقية: النجاة (Survive)، الهجرة كامتداد لمنطق النجاة في العديد من المجتمعات الإفريقية، لا تُفهم الهجرة بوصفها قطيعة مع الوطن، بل كاستمرار طبيعي لمنطق البقاء. الطفل يُربى أولًا على النجاة الجسدية في بيئات قاسية مناخيًا واجتماعيًا، ثم يُلقن في سن مبكرة كيف يعتمد على نفسه، وغالبًا ما يُطلب منه وهو في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة أن يبدأ رحلته الخاصة في البحث عن ذاته ومصدر رزقه. الهجرة، في هذا السياق، ليست مغامرة فردية، بل استثمار عائلي طويل المدى: على الفرد أن ينجو، أن ينجح، أن يكافئ العائلة وأن يؤمن مستقبل أبنائه، ومن هنا يصبح السؤال الحاسم: هل تونس فضاء يسمح بتحقيق هذه الدورة كاملة؟
تونس: صورة متخيَّلة وواقع مختلف قبل الوصول، تُرى تونس في المخيال الإفريقي كدولة إسلامية محافظة قريبة ثقافيًا، سهلة الاندماج، وأكثر أمانًا من مسارات الهجرة الخطرة. لكن بعد الوصول، تبدأ الصدمة: المجتمع التونسي أكثر تعقيدًا مما يُتصور، المرأة فاعلة ومستقلة في الفضاء العام، العلاقات الاجتماعية محكومة بقواعد غير مكتوبة، والدارجة التونسية تشكل حاجزًا لغويًا حقيقيًا. وهنا يبرز الفرق الأول مع أوروبا: في الدول الأوروبية، توجد برامج لغوية واضحة، مسارات إدماج محددة، مؤسسات تواكب المهاجر منذ اليوم الأول، أما في تونس، فالاندماج مسألة فردية بالكامل.
التعليم: الفارق الجوهري بين العبور والاستقرار، أكبر سؤال يطرحه المهاجر الإفريقي ليس: هل أجد عملاً؟ بل: أين سأدرس أبنائي؟ في تونس: التعليم العمومي عربي اللغة، المسار غير واضح للأسر الإفريقية، لصعوبة إدماج الأطفال لغويًا وثقافيًا، أما التعليم الخاص “الفرنسي” فهو الخيار الأكثر أمانًا لكنه باهظ الكلفة خارج قدرة أغلب العائلات الإفريقية. في المقابل، في أوروبا: التعليم مجاني وإجباري، برامج دعم لغوي، إدماج تدريجي للأطفال، المدرسة تُعدّ فضاء حماية لا عبئًا اقتصاديًا، وبدون تعليم مضمون، يصبح الاستقرار في تونس مخاطرة لا يمكن تبريرها.
الاقتصاد: العمل موجود… لكن بلا كرامة، اقتصاديًا، تبدو تونس بلد فرص محدودة حتى لأبنائها، فكيف بالوافدين؟ الأجور التي يتقاضاها الأفارقة ضعيفة وغير منتظمة بالكاد تغطي أساسيات العيش. العمل غالبًا: غير مصرح به، بلا عقود، بلا تأمين صحي، بلا حماية قانونية. أما في أوروبا، حتى في أصعب ظروف اللجوء، فهناك: حد أدنى للأجور أو مساعدات تغطية صحية، إمكانية التقاضي، وضوح في الحقوق والواجبات. أما في تونس، فالوضع الاقتصادي يحكم على وجود المهاجر بالهشاشة الدائمة.
السكن: من أزمة اجتماعية إلى إقصاء غير معلن، حيث يعد السكن الاختبار الأكثر قسوة. في تونس، هناك رفض ضمني أو صريح لتأجير المساكن للأفارقة، واكتظاظ، وأسعار مرتفعة مقارنة بالدخل، وغياب أي حماية قانونية حقيقية للمستأجر الأجنبي. كثيرون يعيشون في غرف مشتركة في ظروف غير إنسانية، دون عقود، تحت تهديد الطرد في أي لحظة. أما في أوروبا، رغم الصعوبات، فهناك: مراكز إيواء، دعم سكني وقوانين تحمي المستأجر، مسارات انتقالية نحو الاستقرار. فالسكن ليس جدرانًا فقط، بل إحساس بالأمان، وهو ما تفتقده التجربة التونسية.
تونس ليست جنة… لكنها ليست الجحيم، المفارقة أن أغلب الأفارقة لا يرفضون تونس ولا يحملون عداءً للمجتمع التونسي، بل كانوا مستعدين للبقاء، لكن الواقع يقول: تونس لا توفر اليوم شروط الاستقرار طويل المدى، فتتحول: من بلد محتمل للحياة إلى محطة انتظار ثم إلى نقطة عبور.
السؤال الذي يجب أن نطرحه، هل المشكلة في المهاجر الإفريقي؟ أم في غياب سياسة هجرة واضحة، عادلة، وإنسانية؟ تونس ليست جنة الأفارقة، لكنها أيضًا ليست مضطرة لأن تكون مجرد معبر. الاختيار سياسي قبل أن يكون اجتماعيًا.





