آمنة جبران
أهم ما يجب معرفته
حسام حمدي، ناشط بيئي تونسي، دعا إلى تفكيك المجمع الكيمياوي في قابس لحل أزمة التلوث التي تؤثر سلبًا على صحة السكان. وأكد أن الحكومة يجب أن تحدد جدولًا زمنيًا واضحًا للتفكيك، مشيرًا إلى أن الحلول المؤقتة لن تكون كافية. حمدي يعتبر أن التوازن بين الاقتصاد وحماية البيئة يتطلب حوارًا شفافًا وإجراءات جدية.
أفريقيا برس – تونس. جدد تونسيون في مدينة قابس جنوب شرق احتجاجاتهم المطالبة بغلق مجمع صناعي يتسبب في انبعاثات غازية وملوثات يشكو منها سكان المدينة.
وأكد حسام حمدي، الناشط البيئي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “تفكيك وحدات المجمع الكيمياوي الملوثة خطوة ضرورية لحل المشكل البيئي في الجهة نظرًا لتبعاتها السلبية على صحة السكان وعلى القطاعات الحيوية، حيث كلف هذا المجمع الجهة خسائر باهظة على كل المستويات، ومن غير المنطقي أن تستمر هذه الأضرار”، وفق تعبيره.
ورأى أن “تحديد جدول زمني واضح لتفكيك الوحدات الصناعية من شأنه أن يثبت حسن نوايا الحكومة لحل المشكل وجديتها”، لافتًا أن “العمر الافتراضي للمجمع قد انتهى، وأن الحل الأمثل هو اعتماد مقاربة شاملة وجديدة لقطاع الفسفاط عمومًا.”
واستبعد “قدرة الصين على حل المشكل البيئي بقابس، وأن الترويج لذلك بمثابة بيع الوهم للناس لإسكاتهم وطمأنتهم، حيث إن الصين بدورها تواجه مشاكل بيئية، ولن يكون مساعدتها لتونس في هذا المجال دون مقابل”، داعيًا الحكومة إلى التعامل بشفافية مع كل العقود الخاصة بالمجمع الكيمياوي ومع كل ما يرتبط بالمجمع من علاقات وصفقات.
حسام حمدي ناشط بيئي منذ عام 2015 يجوب دول العالم وزار لحد الآن 77 دولة، وهو رئيس جمعية “تونسي ريسيكلاج” التي تهدف إلى جمع المواد القابلة لإعادة التدوير مباشرة من المنازل والمدارس وإعادة تدويرها، وقد نجح في إنشاء نوادي بيئية وإدخال الفرز الانتقائي في 40 مدرسة. حسام هو أيضًا مؤسس مشارك ورئيس مجلس إدارة جمعية “سولي آند جرين” التي تنشط في مجال التغير المناخي. وقد تمكنت الجمعية من إعادة تشجير 300,000 شجرة مزروعة حتى الآن. وهو أيضًا مؤسس مشارك ورئيس مجلس إدارة جمعية “تونس نظيفة”، التي تنظم عمليات تنظيف منتظمة (170 عملية حتى الآن، و300 كيلومتر مغطاة). كما أنه أحد مؤسسي شبكة تونس الخضراء، التي تركز على الدعوة البيئية. وبالإضافة إلى نشاطه البيئي في تونس، شارك حسام في عدد من المبادرات الإنسانية والبيئية في الخارج.
مع استمرار اقتحام الأهالي لمقر المجمع الكيمياوي في قابس ورفع شعارات تطالب بتفكيكه، كيف يمكن للحكومة أن توازن بين المطالب الشعبية والاعتبارات الاقتصادية؟
تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة هي أبرز وأهم مطالب أهالي قابس، وبرأيي هذا المطلب يفي بالغرض الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بما أن لهذا المجمع تبعات سلبية على الاقتصاد وعلى قطاعات حية مثل الفلاحة والصيد البحري، أيضًا على الثروة المائية الموجودة بالجهة وعلى صحة السكان، كلفة هذا المجمع كانت غالية على جميع المستويات، أما الحديث عن ضرورة تحقيق توازن بين المطالب الشعبية وبين الاستحقاقات الاقتصادية هذا برأيي كلام غير دقيق، وعلى العكس أول خطوة لحل هذا المشكل البيئي هو تحديد جدول زمني واضح لتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة أو لنقل “وحدات الموت” هذه.
الحكومة أعلنت في ديسمبر عن مباحثات مع الصين لتأهيل وحدات الإنتاج في المجمع الكيمياوي، هل ترون هذه الخطوة كافية لمعالجة أزمة التلوث أم مجرد حل مؤقت؟
الصين لا تمتلك عصا سحرية أو عصا موسى لتغيير الواقع البيئي الموجود في قابس، أظن كما هو معلوم العمر الافتراضي للوحدات انتهى، ومن هنا من الواجب وضع برنامج ورؤية جديدة لقطاع الفسفاط بشكل عام فهذا هو الإشكال الحقيقي، أما الحديث كون الشركات الصينية ستكون لها عصا سحرية لإنقاذ قابس، فنحن نستبعد ذلك، باعتبار أن الصين شأنها شأن العديد من الدول في العالم تواجه مشاكل بيئية في بعض القطاعات، ومثل هذا التسويق هو نوع من بيع الوهم للناس لإسكاتهم، وحتى لو قامت الصين بمساعدتنا بالفعل فلن يكون ذلك دون مقابل.
كيف يمكن للدولة أن توازن بين الحفاظ على المجمع الكيمياوي كركيزة مهمة في الاقتصاد، وآلاف فرص العمل التي يوفرها المجمع وبين حماية البيئة وصحة المواطنين؟
الأكيد حل هذه المشكل يتطلب حوارًا وجدولًا زمنيًا واضحًا لتفكيك الوحدات ورؤية واضحة وشاملة لقطاع الفسفاط حتى يكون لديه نفع حقيقي للبلاد، وللحد من تأثيره السلبي على البنية والقطاعات الاقتصادية الأخرى، لذلك أعتقد أن الحوار هو الحل، أيضًا هذا المشكل يتطلب وضوح حكومي، لدينا سنوات نستمع إلى وجود برامج حكومية لحل هذا المشكل لكن معظمها ضبابية، وبرأيي أول خطوة ومبادرة تثبت حسن نية الحكومة هي الشروع في إغلاق الوحدات. كما أن ما يروج على أن المجمع الكيمياوي يوفر آلاف مواطن الشغل فهذا غير صحيح.
هل تعتقدون أن تفعيل قانون 2017 المتعلق بوقف سكب الفوسفوجيبس في البحر يمكن أن يشكل بداية الحل؟
الفوسفوجيبس يكاد سكبه بصفة يومية في البحر، وأي قانون أو ترتيب دون إجراء فعلي على أرض الواقع ليس له معنى.
هناك حديث عن وجود لوبيات مرتبطة بالمجمع الكيميائي، وإن استمرار التلوث في قابس يخدم مصالح أطراف نافذة، سواء عبر عقود توريد أو صفقات مشبوهة، هل هذا صحيح؟
لا أستطيع أن أجزم بوجود لوبيات واضحة لكن الأكيد أنه هنالك شبكة معقدة مرتبطة بالمجمع وناجمة عن عمليات التوريد والتصدير وبعض الخدمات المرتبطة بهذه الصناعة ككل، لذلك هي شبكة معقدة من المصالح ليست مرئية للعموم، ولمواجهة هذه الشبكة على الحكومة تخطي الشفافية في العقود وفي العلاقات مع كل ما كل يخص المجمع الكيميائي.
هل توجد شركات أجنبية مرتبطة بالمجمع الكيميائي تستفيد من استمرار نشاطه رغم الأضرار البيئية؟
طبعا هناك شركات أجنبية مرتبطة بالمجمع الكيميائي وتستفيد من استمرار نشاطه وهو ما يفسر استمرار عمليات التصدير والتوريد، يعني هناك شركات عالمية وطلب عالمي على المواد التي ينتجها المجمع الكيميائي وقطاع الفسفاط عموما، لكن لا نستطيع أن نضعها في قفص الاتهام بدرجة أولى كون هذا المشكل بالأساس داخلي ويتبع الدولة، وهي المسؤولة بالأساس على حماية البيئة وحماية المواطنين. أما مواد المجمع فهو منتوج موجود في السوق العالمية، وطبيعي أن يكون هناك طلب عليه.
هل تعتقدون أن بعض القوى تضغط للحفاظ على عمل المجمع باعتباره مصدرًا للفوسفات والمواد الكيميائية المهمة عالميًا؟
دائما ما تساهم مثل هذه الضغوط للجوء نحو الحل الأسهل باعتبار ما يعيشه الاقتصاد التونسي من حالة ركود في السنوات الأخيرة فيما توفر الوحدات الصناعية بإمكانياتها الحالية طلبات المستوردين، ولا ننسى أنه لم يبلغ بعد طاقته الإنتاجية كاملة، وكما ذكرت العمر الافتراضي للمجمع انتهى، ويجب الذهاب نحو مقاربة جديدة.
ما السيناريوهات المحتملة إذا استمرت الاحتجاجات دون حلول ملموسة؟
فيما يخص حالة قابس البيئية وحتى على مستوى بعض المنشئات الوطنية الملوثة الموجودة في جهات أخرى بالبلاد، فعلينا قبل كل شيء استخلاص الدروس السابقة، لقد كان ينظر إلى المجمع الكيميائي في أوائل السبعينات كرافد اقتصادي كبير، وعلقت عليه آمال واسعة حتى يغير وجه الجهة لكن وما وقع هو العكس، وعلينا التذكير مرة أخرى أن هذه المنشأة الصناعية قامت بقتل قطاع اقتصادي حيوي مثل الصناعة والصيد البحري، وأمام هذا الواقع وإزاء هذه الكارثة البيئية علينا اعتماد دراسة شفافة للموفرات، واعتماد مقاربة تعتمد على الاقتصاد الدائري وإتباع خطوات دول العالم الأخرى التي تبحث عن حلول لمشاكلها البيئية بكل جدية، كما يجب الانتباه إلى أن قطاع الفسفاط يستأثر بنسبة كبيرة من المياه العذبة وهو دليل على سوء الحوكمة، وإجمالا علينا اعتماد روية مغايرة ومقاربة جديدة والذهاب نحو نموذج أكثر شفافية لحل هذا المشكل البيئي.
هل يمكن أن تتحول أزمة قابس إلى نموذج وطني لإعادة صياغة العلاقة بين الصناعة والبيئة في تونس؟
حتى تتحول قابس إلى نموذج وطني لإعادة صياغة العلاقة بين الصناعة والبيئة، يتطلب ذلك رؤية سياسية وإستراتيجية واضحة وأيضا يتطلب جانب الاتصالي واضح، نحن نحتاج إلى إدارة جدية لهذا الموضوع لتقوية القطاعات الصناعية دون أضرار بيئية، وليس من المنطقي أن يضر قطاع اقتصادي معين ببقية القطاعات الأخرى.
تعتبر مدينة قابس من المناطق الصناعية المهمة في تونس، حيث يضم المجمع الكيمياوي العديد من الوحدات التي تساهم في الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، فإن هذه الوحدات قد تسببت في تلوث بيئي كبير، مما أدى إلى احتجاجات من قبل السكان الذين يعانون من آثارها السلبية على صحتهم. في السنوات الأخيرة، زادت المطالبات بإغلاق المجمع أو تفكيكه كحل للأزمة البيئية.
تاريخيًا، شهدت تونس العديد من التحركات الشعبية للمطالبة بتحسين الظروف البيئية والصحية. في قابس، كانت الاحتجاجات تتزايد بسبب تدهور جودة الهواء والمياه، مما دفع الناشطين مثل حسام حمدي إلى المطالبة بإجراءات جادة من الحكومة. يعتبر هذا الصراع بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة من القضايا الرئيسية التي تواجه تونس اليوم.





