راضية الجربي: نرفض المساس بمجلة الأحوال الشخصية

2
راضية الجربي: نرفض المساس بمجلة الأحوال الشخصية
راضية الجربي: نرفض المساس بمجلة الأحوال الشخصية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أثارت مبادرة برلمانية تهدف إلى تعديل الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية، والذي يسمح بأن يكون الطلاق لدى عدول الإشهاد بدل المحكمة، جدلاً واسعًا في تونس في الأيام الأخيرة، بين مؤيد لهذه التعديلات لتخفيف العبء على القضاة، ومعارضين يرون أنها تشكل تهديدًا لمكاسب المرأة التونسية.

وأكدت راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، في حوارها مع “أفريقيا برس”، رفض المنظمة القطعي المساس بمجلة الأحوال الشخصية من خلال تعديل الفصل 32، حيث اعتبرت أن “المبادرة البرلمانية تهدف إلى ضرب المجلة واستهداف حقوق النساء، كما أنها قد تهدد التماسك الأسري بتسهيل إجراءات الطلاق، في حين أن القانون بصيغته الحالية يمنح الزوجين فترة كافية للتأمل والصلح قبل أن ينطق القاضي بالحكم”.

واعتبرت الجربي أن “هذه المبادرة تمثل انحرافًا بالإجراءات وتمييعًا لمؤسسة الأسرة، وتقزيمًا للعائلة التونسية، من خلال اللجوء إلى غير أهل الاختصاص لفض النزاعات الأسرية”.

وأشارت إلى “وجود تراجع مقلق لمكتسبات النساء في تونس، إضافة إلى تراجع مناخ الحريات في البلاد في السنوات الأخيرة”، مشددة على أن “المنظمة التي تسعى جاهدة لمكافحة مظاهر مجتمعية خطيرة مثل جرائم العنف وتقتيل النساء، مستهدفة بدورها من خلال سياسة تجويع وتوقف دعمها المالي منذ أشهر”، مضيفة أن “التعاون الحكومي بات محتشمًا، في الوقت الذي تحتاج فيه معالجة مثل هذه الظواهر إلى التشارك والتعاون الأوثق لتحقيق نتائج أفضل”، وفق تقديرها.

راضية الجربي هي محامية وناشطة حقوقية تونسية، تشغل منصب رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية وعضو في المجلس الدولي للنساء. تُعرف بدفاعها القوي عن حقوق المرأة ومكتسباتها، وتعارض بشدة أي تعديلات تهدد مجلة الأحوال الشخصية، معتبرة أن حماية حقوق النساء ضرورة لضمان استقرار الأسرة والمجتمع. حصلت على عدة جوائز تقديراً لجهودها في دعم حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.

لماذا رفض الاتحاد الوطني للمرأة التونسية بشكل قطعي تعديل مجلة الأحوال الشخصية فيما يخص مسألة الطلاق؟

الاتحاد الوطني للمرأة التونسية يرفض تعديل الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية المتعلق بالطلاق لعدة أسباب موضوعية، وهي ليست مرتبطة بخصومة بين النساء والرجال، بل تتعلق أساسًا بحقوق النساء ومصلحة الأسرة التونسية والدولة بشكل عام.

أولًا، يرفض الاتحاد هذه المبادرة البرلمانية التي تسمح لعدول الإشهاد بإبرام عقود الطلاق بالتراضي لأن أصحاب هذه المبادرة يسعون إلى المساس بمجلة الأحوال الشخصية من خلال إثارة قضية الطلاق وتعديل القانون على غرار القانون الفرنسي.

من وجهة نظر الاتحاد، لا يمكن لهذا الشكل من القانون أن يحد من قضايا الطلاق عبر منح آلية الطلاق إلى عدل الإشهاد، حيث ينظر أصحاب المبادرة إلى مسألة الطلاق على أنها مجرد عقد أو هبة، وهو نهج سطحي يتجاهل الأبعاد الأعمق للزواج كمؤسسة أسرية. فالطلاق ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو تفكيك لعائلة، وغالبًا ما يشمل أطفالًا يحتاجون إلى حماية ورعاية. وبالتالي، لا يمكن تسهيل هذه الخطوة بهذه الطريقة لأن ذلك يمثل انحرافًا بالإجراءات وتمييعًا لمؤسسة الأسرة، وتقزيمًا للعائلة التونسية، بحسب رأي الاتحاد.

ثانيًا، يذكّر الاتحاد بأن الطلاق يجب أن يتم أمام القاضي، حيث تنص فصول مجلة الأحوال الشخصية على أن الطلاق يجب أن يتم داخل أروقة المحكمة، وذلك لضمان حماية حقوق الأطراف ولإعطاء فرصة للصلح والتأمل قبل اتخاذ هذا القرار المصيري.

وأخيرًا، يشير الاتحاد إلى أن الكثيرين ممن يلجؤون إلى الطلاق غالبًا ما يكونون مرغمين أو مجبرين على ذلك، وليس دائمًا بقبول متبادل، وهو ما يجعل من غير المقبول تسريع وتسهيل هذه الإجراءات كما تقترحه هذه المبادرة.

كيف يمكن الحد من ظاهرة الطلاق وفق تقديرك؟

قبل كل شيء، وفي ظل الوضع المأساوي الذي تعيشه المرأة التونسية اليوم، ومع تفشي الفقر والأمية، يجب التركيز أولًا على توعية النساء بحقوقهن وبكل الخطوات المتعلقة بالطلاق. من الضروري شرح عملية الطلاق بالتراضي للنساء، حيث إن هناك الكثير منهن لا يدركن الفرق بين الطلاق للضرر والطلاق بالتراضي، ولا يمكن تجاهل هذا الجانب الأساسي والذهاب إلى جهات غير متخصصة لفض مثل هذه النزاعات الأسرية.

كما يجب التذكير بأن عملية الطلاق حين تتم في المحكمة، تستبقها بالضرورة فترة خاصة للصلح بين الزوجين، وبعد انتهاء هذه الفترة يقوم القاضي بدراسة الأسباب، ثم يصدر حكمه بناءً على تقييمه للوضع. أما الطلاق عن طريق عدل الإشهاد، فيحوله إلى مجرد عملية تجارية، وكأنه عقد بيع وشراء، دون الاهتمام بتداعيات هذه الخطوة على التماسك الأسري، ودون النظر إلى الآثار الاجتماعية السلبية التي قد تنتج عن ارتفاع معدلات الطلاق.

نحن نؤكد على أهمية مبدأ المواجهة الذي يضمنه الطلاق عبر المحكمة، حيث يستمع القاضي لجميع الأطراف ويتحقق من صحة الروايات من خلال العمل الميداني والبحث في الوقائع، بهدف حماية الأطفال وضمان حقوقهم. أما المبادرة المقترحة، فهي لا تحد من حالات الطلاق بقدر ما تسهله، نظرًا لاختصارها للعديد من الإجراءات التي تفرضها مجلة الأحوال الشخصية قبل اتخاذ قرار الطلاق بشكل نهائي، مثل مرحلة التأمل وفترة الصلح، مما يجعل الهدف الأساسي حماية الأسر التونسية وليس تسريع عملية الطلاق.

اعتبرتم هذه المبادرة البرلمانية لتعديل قانون الطلاق بمثابة ضرب لحقوق النساء، وتشكل خطورة على التماسك الأسري، كيف ذلك؟

بالتأكيد، هذه المبادرة تعتبر ضربًا مباشرًا لحقوق النساء بعد تحقيق العديد من المكتسبات لصالح المرأة والأسرة التونسية والطفل. يجب التذكير بأن مجلة الأحوال الشخصية مرتبطة بشكل وثيق بمجلة الطفل، نظرًا لأن الحضانة تراعي دائمًا المصلحة الفضلى للأطفال. هناك قوانين مترابطة سنتها الدولة لحماية الأسر التونسية، لكن المساس بحقوق النساء سيؤدي حتمًا إلى تفكيك الأسرة تحت ذريعة الحد من الطلاق والعنوسة.

ما نستنتجه في النهاية هو أن الهدف من هذه المبادرات هو ضرب مجلة الأحوال الشخصية وتقويض مقومات المجتمع التونسي من خلال استهداف المرأة، دون النظر إلى مستقبل الأطفال واستقرارهم النفسي. يبدو أن هناك نوعًا من النقمة على المرأة التونسية وعلى هذه المجلة التي تضمن حقوقها. اليوم يحاولون المساس بالفصل 32، وغدًا قد يأتي الدور على بقية الفصول الأخرى.

ونحن نتساءل باستغراب: كيف يمكن لقانون قطاعي هدفه تنظيم قطاع محدد، مثل قطاع عدول الإشهاد، أن يسمح لنفسه بالتدخل في تركيبة المجتمع؟ لا يحق لهم ذلك، خاصة وأن مجلة الأحوال الشخصية مقننة وتحظى بحماية الدستور. نحن نرفض المساس بهذه المجلة، لأننا نرى في ذلك تهديدًا لانهيار المجتمع التونسي وتفكيك الأسرة التونسية.

نكرر التذكير بأن الطلاق عبر المحكمة يسمح بالحد من حالات الانفصال، لأنه يمنح فرصة للتأمل والتصالح بين الطرفين. الحلول موجودة لمعالجة هذه الظاهرة دون الحاجة إلى المساس بالفصل 32 أو بأي جزء من مجلة الأحوال الشخصية.

حذرتِ مؤخرًا من أي تراجع في مجال حقوق النساء، هل تؤيدين المخاوف بشأن تراجع المجال الحقوقي بشكل عام منذ انطلاق مسار 25 جويلية؟

في الواقع، ثبت منذ ما بعد الثورة، وبشكل لا يدعو إلى الشك، أن مسألة الحقوق في تونس مسألة هشة، ومع كل أزمة تمر بها البلاد، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، تتعالى الأصوات المنادية بالعودة إلى الوراء، من خلال استهداف مجلة الأحوال الشخصية وحقوق الإنسان. هذا مؤشر واضح على أن المكتسبات الحقوقية ليست قائمة على أرضية صلبة وقوية.

نلاحظ أيضًا وجود رغبة واضحة لدى البعض في التراجع عن هذه الحقوق، وهذا ما يظهر جليًا في قبول 111 نائبًا بالبرلمان مناقشة تعديل الفصل 32، والمضي قدمًا نحو هذه المبادرة لتعديل إجراءات الطلاق، دون الانتباه إلى أهمية هذا الفصل في حماية حقوق النساء والأطفال. لم ينتبه أحد منهم إلى خطورة تدخل قطاع عدول الإشهاد في المسائل الأسرية والمعيشية، ومعاملتها بصبغة تجارية.

بالفعل، نحن نستشعر الخطر بشأن مستقبل حقوق المرأة وحقوق الإنسان عمومًا في بلدنا، ونرى أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تقويض المكتسبات التي ناضلت من أجلها الأجيال السابقة.

ما هي تحركاتكم لأجل الحد من العنف المسلط ضد النساء؟ وهل هناك تفاعل مع الجهات الحكومية لتعزيز هذه الجهود؟

نحن لم نتوقف عن القيام بدورنا كما يجب لمواجهة العنف رغم الصعوبات والتحديات. لقد أشرنا مرارًا إلى خطورة هذه الظواهر، وقدمنا الإحصائيات، وقمنا بالدراسات لتنوير وتوعية الرأي العام، باعتبار أن هذه القضايا العميقة تهدد المجتمع بأسره. في هذا السياق، حاولنا التواصل مع وزارة المرأة مؤخرًا بهدف إنشاء لجنة للتفكير والتشاور حول هذه المسائل، لكن للأسف لم نتلقَّ أي رد حتى الآن.

وقد أدركنا أن النساء يعانين من الفقر، ولذلك ركزنا على فكرة التمكين الاقتصادي، بهدف تأمينهن من العنف ودعمهن عبر قروض ومشاريع صغيرة. لدينا أيضًا مراكز لإيواء النساء المعنفات، وخلايا للإصغاء والتوجيه، لكن نعترف بأن جهودنا تبقى غير كافية، وأننا بحاجة إلى تعاون حقيقي مع السلطة والمؤسسات العمومية والمجتمع المدني، لأن التعاون الوثيق سيحقق نتائج إيجابية أكبر.

نحن متطوعات لخدمة النساء والقضايا الحقوقية والتنموية في بلدنا، لكن للأسف التعاون معنا لا يزال محتشمًا، خاصة بعد حرماننا من المنحة المالية التي كانت تُخصص لدعم عمل المنظمة منذ عام 1948. هذا التمويل توقف في الأشهر الأخيرة، مما يجعلنا نشعر بالقلق والخوف بشأن مستقبل الحقوق في بلدنا، حيث بات واضحًا أن منظمتنا مستهدفة أيضًا من خلال سياسة التجويع. ليست المرأة فقط المستهدفة، بل كل من يدافع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق المجتمع بشكل عام.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here