آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر سيف الدين العرفاوي، الناشط السياسي، في حواره مع «أفريقيا برس» أنّ استهداف المجتمع المدني في تونس بعد إغلاق جمعيات وازنة في الآونة الأخيرة، مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، دليلٌ آخر على تكريس ديكتاتورية تضرب عرض الحائط كلّ القوانين وتتجاهل مفهوم ومعنى الحرية، وفق تعبيره.
ورأى أنّ حماية الحريات في ظل سياسة التضييق التي تنتهجها السلطة تتطلب الوحدة وكسر مفهوم الخوف لدى الأغلبية الصامتة، كما أنّ الأحزاب والأجسام الوسيطة لن تتم حمايتها إلا بالوحدة وفرض القوانين.
وأشار إلى أنّ المشهد الحزبي في طور إعادة التشكيل بوجوه جديدة وأفكار جديدة وبرامج أكثر تطورًا وفهمًا للواقع وتتوافق مع تطلعات الجزء الأكبر من الشعب، حيث إنّ جيلا كاملا ممن لم تكن لهم فرصة للدخول فعليا وعمليا في ما يهمّ الوطن، يسعون اليوم لتقديم بديل وحلول ناجعة لأزمات ومشاغل التونسيين.
سيف الدين العرفاوي هو ناشط سياسي وحقوقي مستقل، عضو اتحاد الشباب العربي ورئيس لجنة العلاقات الدولية بالاتحاد 2024/2025، وقد شارك في العديد من التحركات، أهمها اعتصام الرحيل سابقا باعتباره معارضًا، وحاليا كان له حضور مع مكوّنات المجتمع المدني في العديد من المناسبات والتظاهرات، أهمها أزمة كورونا على المستوى المحلي في مدينة الحمامات.
كيف تقيم المشهد السياسي التونسي خلال الولاية الثانية للرئيس قيس سعيّد؟
أوّلا شكرا على دعوتكم لهذا الحوار في ظلّ التضييق الواضح والجلي على الإعلام التونسي، على غرار مجالات وقطاعات أخرى حسّاسة.
بالنسبة إلى سؤالك عن المشهد السياسي التونسي خلال الولاية الثانية لقيس سعيّد، فهو مشهد أقلّ ما يُقال عنه مقرف. فاليوم عدنا إلى مربّع الرأي الواحد والتصرّف الواحد والفكر الواحد، مع شيطنة كلّ مكوّنات الحياة السياسية وعمودها الفقري: الأحزاب. والخطير وضع الجميع في سلّة واحدة، مع ضرورة الذكر أنّ للأحزاب دورا في ما حصل.
هل بوسع الرئيس قيس سعيّد بناء دولة اجتماعية في ظل الضغوط الاقتصادية؟
الأكيد أنّ بناء دولة اجتماعية يتطلب عدّة نقاط وعوامل لنجاحها، وخطة استراتيجية وبرنامجا واضحا. والمؤكّد عندي، بعيدا عن الاعتقاد، أنّ قيس سعيّد غير مؤهّل أصلا لإنجاز ضخم من هذا النوع؛ فالرجل لم يتقدّم ببرنامج لا في الولاية الأولى ولا الثانية، فكيف سيكون البناء مع الضغوط الاقتصادية والفشل في التعامل مع أبسط المواضيع التي تهمّ المواطن؟
كيف تقيّمون قرار السلطات بتجميد نشاط جمعيات مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟
قرار السلطة بتجميد الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أضِف إليه تعليق نشاط جمعية مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية لمدة شهر بتاريخ 31 أكتوبر 2025؛ فإن دلّ على شيء فهو دليل على ضرب كل مكوّنات المجتمع المدني. وكل رأي أو بيان أو كلمة مهما كان الطرف يواجه بوابل من التخوين والسبّ والشتم من قبل أنصار النظام. وهو دليل أيضًا على إرساء وتركيز دكتاتورية تضرب عرض الحائط كلّ القوانين وتتجاهل مفهوم ومعنى الحرية.
كيف يمكن حماية الحريات في ظلّ التضييق المستمر من قبل السلطة؟
لا وجود لحلول كثيرة؛ يوجد طريقان مستويان لا يلتقيان: فإمّا طريق الديمقراطية وإمّا الدكتاتورية. والحلّ الوحيد لحماية الحريات، بكل وسائل التضييق المستمر، هو الوحدة وكسر مفهوم الخوف لدى الأغلبية الصامتة. فالشيء الوحيد الذي نجح فيه النظام هو إعادة زرع الخوف، بل وتقسيم أبناء وبنات الشعب الواحد والأرض الواحدة والوطن الواحد.
هل ترون أنّ المشهد الحزبي في تونس يتجه نحو الانكماش أو إعادة التشكل؟ وكيف يمكن حماية دور الأحزاب والأجسام الوسيطة؟
المشهد الحزبي في تونس كان في فترة انكماش وكانت نسبيا طويلة، أمّا اليوم فالمشهد في طور إعادة التشكّل بوجوه جديدة وأفكار جديدة وبرامج أكثر تطوّرا وفهما للواقع، وتتوافق مع تطلعات الجزء الأكبر من الشعب، والأيام ستُثبت صحة كلامي. خاصة أنّ من أتحدّث عنهم في المشهد السياسي الجديد هم جيل كامل لم تكن لهم فرصة الدخول فعليا وعمليا في ما يهمّ الوطن.
وكما ذكرت سابقا، فإنّ الأحزاب والأجسام الوسيطة لا ولن تتمّ حمايتها إلّا بالوحدة، والتي ستكون نتيجتها فرض وتطبيق القانون الذي يُعتبر حبرا على ورق. فبقوّة القانون وتفعيله وتطبيقه يكون الجميع محميًّا مهما كانت قوّة الطرف المقابل أو منصبه.
تشهد الساحة السياسية طرح عدد من المبادرات من قبل بعض القوى السياسية، سواء تحت عنوان الإنقاذ الوطني أو استعادة المسار الديمقراطي. كيف تنظرون إلى هذه المبادرات، وهل برأيكم قادرة على تقديم بديل ناجع للتونسيين؟
قلت سابقا في عدّة تصريحات أو تدوينات: «مرحبا بكلّ المبادرات» التي من شأنها ضخّ روح الوجود، وتُعطي إحساسا للناس أنّه مهما حصل، فهناك مواطنون ومواطنات لهم من الصبر والشجاعة ما يُخوّل لهم التقدّم بهذه المبادرات لعامة الناس. غير أنّها وحسب رأيي تحرّكات ظرفية، ومع احترامي لأصحاب هذه المبادرات، فقد خلت من الحلول الواقعية وإن كانت ذات طابع جدّي. وهنا عليهم تغيير العقلية وفهم الواقع، وبالتالي إقناع المواطنين، ولكن ليس بنفس الطريقة؛ لأنّ المواطن والمواطنة لهما من الذكاء ما يسمح للأغلبية بالتمييز. وبالنسبة لي، حاليا لست جزءا منها بالمفهوم التطبيقي والعملي، غير أنّه نظريا مرحّب بها ومرحّب بكلّ تقدّم من أي مبادرة.
عادت الإضرابات العمالية في بعض القطاعات مثل النقل والتعليم والصحة، كيف تفسّرون هذا التصعيد؟ وهل تعتقدون أنّ الحكومة ستستجيب لمطالب العمال أم ستعتبرها مُسيّسة؟
الإضرابات العمالية بصفة عامة حقٌّ مشروع يكفله الدستور حتى بصياغة قيس سعيّد وكذلك كل دساتير الجمهورية التونسية. وهذا التصعيد طبيعي؛ فكلّ الحكومات الست في هذا العهد، وما قبلها، شهدت إضرابات. أمّا ميزة النظام الحالي فهي تخوين الجميع. وبالنسبة إلى الحكومة، فهي لن تستجيب لمطالب العمال؛ إذ استبقت الزيادات في ميزانية 2026 دون مفاوضات، وعليه ستعتبر الإضرابات مسيّسة.
ما قراءتكم للاحتجاجات التي شهدتها محافظة قابس؟ وهل هناك تقصير رسمي في معالجة ملف التلوث الصناعي؟
قابس وأهاليها لهم حق مشروع تضبطه قبل الدساتير قوانين وضوابط إنسانية، وأبرزها الحقّ في الحياة. ومن يسعى إلى تخوينهم وتشويههم وطمس الحقيقة بدعاية واهية وردود تافهة تمثّل أصحابها وبخطابات بعيدة عن الواقع، فالتاريخ كفيل بذكرهم لاحقًا، ولن تنساهم الذاكرة الوطنية عامة والڨوابسية خاصة.
الأكيد أنّ التقصير قائم في ملفّ التلوث، والمتضرّر ليس قابس فقط بل قفصة أيضًا على سبيل المثال لا الحصر وجميع العهود مشاركة في الكارثة وتسويف الحقيقة. وما يُعاب على النظام أنّه على علمٍ بكلّ الحيثيات؛ وقيس سعيّد نفسه زار قابس سنة 2020 وأطلق وعودًا لم تُنفّذ. والمؤسف هو ترذيل القضية وعدم التعامل معها بجدّية. فلو كنّا في دولة أخرى، وبعد خروج 130 ألف مواطن ومساندة ولايات أخرى لهم، لتقدّمت الحكومة باستقالة جماعية.
كيف تقيّمون الوضع الاقتصادي والمعيشي في تونس اليوم؟ وهل لديكم مقترحات عملية للخروج من الأزمة؟
الوضع الاقتصادي بات مرتكزا على سياسة القروض التي أغرقت الدولة والشعب. وأكاد أجزم: لو استغنينا عن القروض فسنكون أمام كارثة إعلان الإفلاس رسميا. ما نراه اليوم من غلاء أسعار يفوق القدرة الشرائية للمواطن، مع مجهود وطني يبذله الناس لتأمين لقمة العيش وتعليم الأبناء، والعجز عن شراء أضحية العيد كمثال أو تجاوز فترتي رمضان وعيد الفطر؛ وقد بات ذلك إنجازا للمواطن العادي.
الخروج من الأزمة يتطلّب عوامل عدّة: أوّلها سياسي اجتماعي أخلاقي لتمكين إنجاز الملفّ الاقتصادي، الذي أساسه الاستعانة بـخبراء اقتصاديين مشهود لهم ومتّفق على كفاءتهم من كلّ الأطراف. وحتى إن كانت الحلول موجعة وتؤدّي إلى الإنقاذ، فلا بدّ من المضيّ فيها. كما يستوجب الأمر قيادة حكيمة جامعة هدفها النجاح، لا قيادة مبتدئة مفرّقة عنوانها الفشل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





