ضبابية تحيط بالانتخابات الرئاسية في تونس..تباين بين نص الدستور ونص القانون الانتخابي حول الجنسية وسن المترشّح

73
ضبابية تحيط بالانتخابات الرئاسية في تونس..تباين بين نص الدستور ونص القانون الانتخابي حول الجنسية وسن المترشّح
ضبابية تحيط بالانتخابات الرئاسية في تونس..تباين بين نص الدستور ونص القانون الانتخابي حول الجنسية وسن المترشّح

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. يتواصل الجدل في تونس بشأن الانتخابات الرئاسية، وسط غياب جدول زمني وتنظيمي يوضّح تفاصيل الاستعداد لهذا الاستحقاق الانتخابي، وضبابية زادها تعقيدا اختلافات بين النص الدستوري والنص القانوني وتواصل أزمة إرساء المحكمة الدستورية ودعوات المعارضة للمقاطعة، وسط توقّعات بأن تشهد هذه الانتخابات عزوفا شعبيا عن التصويت على غرار الانتخابات المحلية وجولتي الانتخابات البرلمانية.

دستوريا، تنتهي عهدة الرئيس قيس سعيّد في أكتوبر 2024. لكن، ورغم بدأ العدّ التنازلي إلاّ أن الطريق مازال غير معبّد للمرور نحو الانتخابات الرئاسية التي من المفروض أن تجرى، وفق نص الدستور، خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدة الرئاسيّة.

وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي، خلال مداخلة في برنامج حول الانتخابات في إذاعة موزاييك الخاصة “سيشهد العالم حوالي 75 انتخابات سنة 2024 وتقريبا هناك 4 مليارات إنسان سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع فقط 9 ملايين من بينهم لا يعرفون موعد الانتخابات” ويقصد بذلك التونسيين.

وفي تدوينة لها على موقع فيسبوك كتبت رئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي قائلة: “قانونيا ودستوريا آخر أجل للانتخابات الرئاسية هو يوم 25 جويلية 2024”.

ورغم إعلانها ترشّحها للانتخابات الرئاسية إلا أن ألفة الحامدي، وهي في العقد الثالث من عمرها، قد تحرم من خوض غمارها وذلك لأن نص دستور 2022 يفرض على المترشّح أن يكون قد بلغ الأربعين سنة يوم تقديم ترشّحه.

لكن، قد يتسنى لها المشاركة إذا ما تم إقرار العمل بالنص القانوني، حيث يحدد قانون الانتخابات (لسنة 2014) سنّ المترشّح يوم تقديم ملف ترشّحه للهيئة العليا للانتخابات بـ35 سنة.

ويعتبر هذا التباين بين نص الدستور ونص القانون واحدا من بين أبرز النقاط المثيرة للجدل والتي لا يمكن تنظيم الانتخابات إذا لم تتم معالجتها. فالأمر، وفق الخبراء بمثابة “ورطة قانونية” خاصة وأن التباين يشمل، إلى جانب السن، النقطة المتعلقة بالجنسية.

وجاء في الفصل 89 من الدستور “الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكلّ تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب وأم، وجد لأب، وجد لأم تونسيين، وكلّهم تونسيون دون انقطاع. ويجب أن يكون المترشح أو المترشّحة، بالغا من العمر أربعين سنة على الأقل ومتمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية”.

في المقابل ينص القانون الانتخابي لعام 2014، على: “يحق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام، الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية. ويشترط في المترشح يوم تقديم ترشحه أن يكون بالغا من العمر خمسا وثلاثين سنة على الأقل. وإذا كان حاملا لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدم ضمن ملف ترشحه تعهدا بالتخلي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيسا للجمهورية”.

ويقول صهيب مزريقي، القيادي بحركة البعث في حوار مع “أفريقيا برس”: “من ناحية المبدأ يجب أن يكون القانون الانتخابي منسجما مع الدستور وبالتالي من المفروض تنقيح القانون الانتخابي في عدة نقاط كان قد حسم فيها الدستور مثلا في السن وعدم ازدواج الجنسية وشرط الإقامة والبطاقة عدد 3 والتزكيات”.

وكان الرئيس قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري السابق، أعطى في تصريحات، ردّا على هذا الجدل، العلوية للنص الدستوري، معتبرا أنه “لا وجود لتعارض بين أحكام الدستور والقانون الانتخاب”، وأن “قواعد الدستور أعلى درجة من القواعد التي تتضمنها أحكام دونه مرتبة»”. وشدّد على أن “الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجري وفق الشروط التي حددها دستور 25 جويلية 2022”.

في المقابل، يردّ الخبراء على أن هذه التصريحات لا تحلّ “الورطة القانونية” ولا بديل عن تعديل واضح ونص صريح يلغي هذا التباين. ويوضّح صهيب مزريقي “الوضع يستوجب الإسراع إما بتنقيح القانون الانتخابي القديم أو إحداث قانون جديد خاصة وأن الوقت ضيّق مع قرب موعد الانتخابات”، مشددا على “ضرورة أن يتم تنقيح القانون بصورة تشاركية لا تستثني المنظمات والشخصيات الوطنية لضمان حياد القانون وأن يكون على نفس المسافة مع جميع المترشحين”.

انتظمت آخر انتخابات رئاسية في شهر أكتوبر 2019، وفاز فيها الرئيس قيس سعيّد على حساب منافسه نبيل القروي، الذي أثيرت حوله شبهات فساد. ولم يكن قيس سعيّد حينها معروفا بنشاطه السياسي والحزبي، واقتصر حضوره كمحلل وخبير في القانون الدستوري.

وعكس فوزه في تلك الفترة موقف الشارع التونسي الذي أصيب بخيبة أمل من المنظومة الحاكمة والسياسات الحزبية ما بعد ثورة 14 جانفي/يناير 2011. ولم يعلن قيس سعيّد بعد ترشحه لولاية ثانية، وإن كان أمرا منتظرا، كما هو الحال مع إمكانية فوزه بولاية ثانية.

وتدوم العهدة الرئاسية خمس سنوات. ولا يجوز توليّ رئاسة الجمهوريّة لأكثر من دورتين متّصلتين أو منفصلتين. وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في تاريخها المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإنّ المدّة الرّئاسيّة تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها.

وستحدّد الانتخابات التوجهات العامة للبلاد خلال السنوات القادمة، خاصة على مستوى الأداء السياسي والذي سينعكس على الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور.

وتقول المعارضة التونسية إن “الديمقراطية في مهد الربيع العربي مهدّدة خاصة مع استمرار العمل بأحكام 25 جويلية التي تضع كل السلطات في يد الرئيس”.

وتضيف أن “المناخ السياسي غير مناسب لإجراء الانتخابات وسط قيود على الصحافة وسجن معارضين وناشطين” وأن “أولوية الاستعداد للانتخابات اليوم هي البتّ في أمر المحكمة الدستورية، ففي غياب هذا الهيكل القانوني المنظّم لن تكون هناك متابعة أو سلطة تحمي هذه الديمقراطية من أيّة ممارسات سلطوية”.

أزمة المحكمة الدستورية

نصّ دستور 2014، أول دستور بعد ثورة 2011، على إرساء المحكمة الدستورية خلال سنة من الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 26 أكتوبر 2014. لكن لم يتم العمل بذلك ولم تتشكّل المحكمة الدستورية إلى اليوم.

وفق الدستور السابق تضم هذه الهيئة القضائية 12 عضوا، 4 ينتخبهم البرلمان و4 يختارهم “المجلس الأعلى للقضاء” (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.

وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور والمعاهدات ومشاريع القوانين والقوانين والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ والنزاعات المتعلقة بها. ويعود لها النظر إذا تقدم البرلمان بلائحة لسحب الثقة من رئيس الجمهورية وإقرار فراغ منصبه لسبب من الأسباب، كما يعود لها النظر في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

ونظرا لأهمية هذه الأدوار التي تضطلع بها المحكمة الدستورية سعت أغلب الجهات الحاكمة في المنظومة السابقة إلى محاولة السيطرة عليها، وهذا كان من أسباب تعطّلها في كل مرة. وبعد 25 جويلية 2021، وحل البرلمان وما أعقبه من تغييرات في الدستور (إثر الاستفتاء) طرأت تغييرات على هيكل المحكمة الدستورية.

صار عدد أعضاء المحكمة الدستورية “تسعة تتم تسميتهم بأمر (من رئيس الجمهورية)”. وهؤلاء الأعضاء “ثلثهم الأول أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية (التمييز أعلى من الاستئناف) أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات”.

وحدد دستور 2022، مهام المحكمة، بـ “مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم”. و”عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب، يتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”.

ويوضح صهيب مزريقي، أن “عملية إرساء المحكمة الدستورية ليست صعبة حسب دستور 2022، على عكس دستور 2014 وما تضمنه من محاصصة حزبية بقصد السيطرة على التشريع، إذ إنها تستوجب فقط التعيين من قبل رئيس الجمهورية، وبعدها يتم عرض الأسماء المقترحة على مجلس نواب الشعب”.

في المقابل، تبرر المعارضة استمرار التعطيل بأن الرئيس سعيّد “لا يريد أن تراقبه أي جهة”، كما تعتبر أن “المماطلة” في تحديد موعد الانتخابات مردّها “قلق” سعيّد من مآل هذه الانتخابات وما ستفرزه، في حين يقول أنصاره العكس ويعتبرون أن الصندوق سيكون لصالح الرئيس إذا ما شارك في الانتخابات.

وبين هذا وذاك يبدو الشارع التونسي بعيدا وفي واد آخر يفكر في غلاء المعيشة وتكاليف المصيف وأين يقضي عطلته وسط الغلاء وغياب الرقابة الذي حرمه حتى من الاستمتاع بالشواطئ العمومية، وهو يبحث هنا وهناك عن السكر الذي تتواصل أزمة فقدانه والزيت الذي حرمت أسعاره المرتفعة التونسي من الاستمتاع بواحد من أهم أطباقه الصيفية المفضّلة وهو “المقلي” (طبق مكون من بطاطس وطماطم وفلفل وبيض يقلى في الزيت).

وسط هذا كله لم يعد الشارع التونسي يلقي بالا للمعارضة واحتجاجاتها. وكانت جبهة الخلاص الوطني، أكبر تجمع للمعارضة التونسية، أعلنت أواخر أبريل الماضي، اعتزامها مقاطعة الانتخابات الرئاسية بسبب “غياب شروط التنافس”، مع احتمال التراجع في حال تغيرت الأوضاع.

ومرة أخرى، يتأكّد البون الشاسع الذي يفصل بين المعارضة والشارع التونسي. هذا الأخير فقد شغفه ولم تعد السياسة تجذبه مثلما كان في السنوات الأولى للثورة. انهمك في البحث عن قوته اليومي وزادته الحوارات السياسية إحباطا. لم يتوقف كثيرا عند حملة الإيقافات الأخيرة ولا يسأل كثيرا عن الانتخابات ومواعيدها. وكان عبّر عن رأيه هذا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدت عزوفا كبيرا. مع ذلك، لا يبدو أن المعارضة توقفت لمراجعة نفسها وتدارك هذا التغيير بل مازالت تردد ذات الشعارات الخاصة بحرية التعبير والديمقراطية والتخويف من “مآلات حكم قيس سعيّد” رغم أن مقاطعتها للانتخابات الأخيرة جعلت النتائج غير متوازنة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here