إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. تعرّض عنصر في الحرس الوطني التونسي للطعن في مدينة المنستير شرقي البلاد على يد شقيق مطلوب تشتبه السلطات بانتمائه إلى “جماعة إرهابية”، وشغلت هذه الحادثة الشارع التونسي الذي استحضر ما شهدته البلاد خلال العقد الماضي على أيادي المتشدّدين في وقت لا يخفى فيه القلق من ما قد يحصل مع السلفيين الذين أطلق سراحهم من السجون السورية.
ونقلت وسائل إعلام محلية أن “أحد كوادر الحرس الوطني تعرض للطعن خلال عملية أمنية لاعتقال عنصر “تكفيري”. وذكرت أن منفّذ عملية الطعن هو شقيق “المتطرّف الذي يشتبه بانتمائه إلى جماعة إرهابية”.
وكانت وحدة من الحرس الوطني بالمنستير كانت توجهت في وقت سابق إلى منزل هذا “المتطرف” في المكنين بمحافظة المنستير لاعتقاله، حين عمد شقيقه المسلّح بسكين إلى طعن العنصر الأمني.
لم تدل وزارة الداخلية بأي معلومات على صلة بهذا الهجوم، فيما ذكر مصدر أمني لـ”موقع أفريقيا برس”، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن القطب القضائي لمكافحة الإرهاب يتولى التحقيق في الحادثة وقد تم إيقاف منفذ عملية الطعن، فيما حالة الأمني مستقرة.
ويقول الخبير الأمني فيصل الشريف في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: سيثبت البحث الأمني إن كان العنصر المتشدد عائدا من سوريا -ولو أني استبعد ذلك بسبب المراقبة الأمنية المفروضة- أو من خلايا نائمة بالبلاد وهو ما سيعيد النظر في هذه المجموعات التي تنشط من 2011 إلى اليوم”.
تأتي هذه الحادثة في وقت تشهد فيه تونس تشديدا في التدابير الأمنية وحملات اعتقال واسعة تطال متشدّدين وتجار مخدّرات وعدد من المفتش عنهم في قضايا مختلفة. كما أعلنت السلطات التونسية عن إجراءات جديدة لدخول البلاد اعتبارا من جانفي 2025.
وفقا لهذا الإجراء الجديد، سيتعين على جميع المسافرين القادمين إلى تونس تقديم جواز سفر تكون صلاحيته متجاوزة 3 أشهرا اعتبارا من تاريخ دخولهم البلاد. ويشمل هذا القرار جميع المسافرين، سواء كانوا سياحا أو رجال أعمال أو غيرهم، من جميع الدول. ويهدف إلى تعزيز تدابير الأمن وضمان تنظيم أفضل لتدفق المسافرين، مع الامتثال للمعايير الدولية الخاصة بالتحقق من الحدود.
وربط مراقبون بين هذه التدابير الأمنية الجديدة والأحداث في سوريا والتي أفرزت بعد سقوط نظام الأسد مخاوف من عودة متشددين تونسيين منهم من كان في السجون السورية وتم إطلاق سراحهم ومنهم من ظلّ يقاتل في صفوف هيئة تحرير الشام إلى أن وصلت إلى الحكم في سوريا.
بعد الانتفاضة الشعبية في العام 2011، شهدت تونس صعودا للجماعات الجهادية، خاصة من جماعة أنصار الشريعة. وتم تسفير المئات من التونسيين، خاصة من الشباب، إلى ليبيا وبشكل أكبر إلى سوريا تحت راية “الجهاد”. وقد شكّل ذلك صدمة لدى الشارع التونسي والعالم، فلطالما عرفت تونس بأنها من أكثر الدول العربية سلميا وانفتاحا.
وأسفرت هجمات عدّة شنتها هذه الجماعات عن مقتل عشرات المدنيين من السياح وعناصر من قوات الأمن الجيش، من ذلك حادثة تفجير حافلة تابعة للأمن الرئاسي في 24 نوفمبر 2015، في شارع محمد الخامس. وقد خلّف الهجوم 12 قتيل و16 جريحا. وأعلن على إثره حالة الطوارئ في البلاد.
ومنذ أشهر، تعمل السلطات التونسية متابعة العناصر الناشطة سابقا في تنظيمي “أنصار الشريعة” و”أجناد الخلافة” و”كتيبة عقبة بن نافع” والصادرة ضدهم أحكاما قضائية. وتقول السلطات إنها أحرزت تقدما كبيرا على صعيد مكافحة الجهاديين في السنوات الأخيرة. لكن بقيت بعض الحوادث المتفرّقة على غرار تعرّض عنصر في الحرس الوطني للطعن على يد رجل وصفته وزارة الداخلية بأنه “متطرف” في بلدة ملولش في شرق البلاد في نهاية يوليو 2022.
بينما كان العديد من السوريين يحتفلون بسقوط نظام الأسد، انتشرت تحذيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها تدوينات تونسية، من “خطر عودة المقاتلين المتشددين من سوريا”، وهو أمر لم تتضح بعد معالمه، ووفق خبراء ستحدّده طبيعة العلاقة بين النظام في تونس بقيادة قيس سعيّد، الذي كان من أبرز داعمي نظام الأسد، وبين النظام السوري الجديد بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) قائد هيئة تحرير الشام.
ووفق فيصل الشريف من المؤكّد أن السلطات التونسية، مهما كانت علاقتها بالنظام الجديد في سوريا، ستعمل على “تشديد المراقبة على العائدين من سوريا، وهم مكشوفون وأغلبهم صار معروفا لدى السلطات الأمنية، والبحث الأمني سيوضح إن كان منفذ عملية الطعن الأخيرة في المنستير معروفا لدى أجهزة الأمن أم لا”.
تبدو عملية الطعن في حيثياتها الأولية ردّة فعل من المتطرف ضد اعتقال أخيه، إلا أنها في سياقها العام لا يمكن اعتبارها حادثة عرضية بل إن البعض يربطها بحادثة إرهابية استجدت الأيام في ألمانيا حين أقدم سعودي على دهس حشد من المواطنين في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ وسط ألمانيا.
رأى المتابعون في هذه التحركات محاولة من المتشدّدين للفت الانتباه، وربما العودة إلى مرحلة الاستقطاب. وفي هذا السياق يوضح فيصل الشريف: “ربما مع اقتراب رأس السنة أرادت هذه العناصر المتشددة القيام بهذه العملية لتثير الرأي العام ليقولوا إنهم موجودون وقادرون على ضرب الأمن مرة أخرى وهو رمز الدولة بالنسبة لهم”.
هذه الأحداث جاءت بالتزامن مع حملة أمنية موسعة، بالإضافة تطورات في سير محاكمات وقادة المعارضة الموقوفين على ذمة القضية التي تعرف إعلاميا بقضية «التآمر على أمن الدولة» حيث رفضت محكمة التعقيب جميع مطالب هيئة الدفاع.
وأقرت دائـرة الاتـهـام بـمحـكمة الاسـتئناف رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي على الدائرة الجنائية بتهمة “الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة”، فيما مدّد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس، تمديد حبس رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، في القضية التي يلاحق فيها من أجل تهم “إجراء تحويلات مالية بالخارج وفتح حساب بنكي بالخارج دون ترخيص من البنك المركزي التونسي”.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الانتقادات ضدّ التضييق الحاصل في مجال حرية الرأي والتعبير واستهداف الصحافيين كل من يوجه انتقادات للنظام، الأمر الذي يدعو البعض إلى التساؤل إن كانت “حالة الطوارئ” الأمنية التي فرضتها التطورات في سوريا وما تبعها من قلق بخصوص ملف عودة الجهاديين، ستمثّل مبّررا للسلطات لتفرض قيودا أكثر على المعارضة؟
في هذا السياق، يستبعد فيصل الشريف “أن تفرض السلطات إجراءات متشددة على المعارضة، خاصة من السياسيين الذين لا علاقة لهم بذلك، وستكون هناك مراقبة متشددة لاستدراج الخلايا النائمة لهذه الجماعات الإرهابية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس