عندما تقرّر السلطة في تونس استئصال المعارضة

6
عندما تقرّر السلطة في تونس استئصال المعارضة
عندما تقرّر السلطة في تونس استئصال المعارضة

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. تُعتبر الأحكام التي صدرت في تونس ضد المتهمين في قضية التآمر على أمن الدولة الدليل القاطع على قرار الرئيس قيس سعيد استئصال المعارضة، وشطبها نهائيا. لن يتعرّض المقال لتفاصيل المحاكمة التي أصبحت معلومة لدى الجميع، ولكن السؤال الأهم: لماذا قرّرت السلطة إدارة صراعها مع خصومها بهذه الطريقة وهذه الحدّية؟

للحكاية بداية، وتعود إلى الفترة الأولى التي تلت الثورة، وخاصة بعد الاغتيالات السياسية في تونس. حينها صرّح سعيّد، وهو يخطو خطواته الأولى نحو الوصول إلى الحكم “على الجميع أن يرحلوا أغلبية ومعارضة”، فمختلف الأطراف عنده مشاركة في ما اعتبرها “سرقة الثورة”. وجاءت الأحداث لتخدمه في هذا الاتجاه، وأعلن منذ ذلك التاريخ ملامح “برنامجه السياسي”. وهي الرؤية التي سخر منها الجميع، واعتبروها “خياليّة”، ولن تجد طريقها إلى التحقّق في الحالة التونسية. وبدل تحليل الخطاب وممارسة نقدهم الذاتي، استمرّوا في صراعاتهم التي استنفدت طاقاتهم، وأفقدتهم القدرة على النظر أمامهم وحولهم ومن خلفهم. وظنّ كل طرفٍ منهم أنه سيكون في مأمن مما حصل لغيره (! )، في حين أن الرئيس سعيّد وصف معارضيه بـ “الخلايا السرطانية” التي يجب القضاء عليها بـ “العلاج الكيميائي”.

كان واضحاً منذ إعلان 25 جويلية (يوليو/ تموز 2021)، أن ساكن قرطاج سيفتك بخصومه واحدا تلو الآخر، مستفيداً من عوامل عديدة، في مقدّمتها تفكك المعارضة واستفحال خلافاتها وفقدانها للسند الشعبي. وبدا واضحاً أن القضاء على المعارضة سيتم بالضرورة عبر تقليص الحرّيات، وعدم التقيد بالضوابط الحقوقية المتعارف عليها كونياً. لهذا جرى تفكيك المنظومة السابقة التي جاءت بها الثورة، بتشريعاتها ومؤسّساتها، واستبدلت بحكم فردي مطلق لا يمكن الاعتراض على أحكامه، ولا يستطيع البرلمان المدجّن أن يحاسبه أو يحد من سلطته. وبناء عليه، تم اللجوء إلى سيناريو “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، ليكون بمثابة المظلة التي تمكن السلطة من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. أولا إقصاء “الأعداء” دفعة واحدة، ولهذا صدرت أحكام عالية جدا بلغت حد 66 عاماً. وثانياً، توجيه رسالة إلى بقية الخصوم الذين بقوا خارج السجون في حالة سراحٍ مؤقت، وعلى هؤلاء أن يختاروا الانسحاب والانكفاء الذاتي، وذلك يعني الموت السياسي بالنسبة لهم، أو “التنطّع” من خلال الاشتباك مع السلطة، فيكون مآلهم مثل سابقيهم.

تلك هي حسابات السلطة كما تجلت في هذه المحاكمة السياسية بامتياز. لكن الإفراط في الترهيب والمراهنة على بثّ الخوف يمكن أن يؤدّي إلى نتائج عكسية. ويعتبر إيقاف المحامي والقاضي السابق في المحكمة الإدارية، أحمد صواب، مثالاً على محدودية المعالجة الأمنية، فالرجل مشهود له بالنزاهة ونظافة اليد والتمسّك بحقوق الإنسان. لهذا، استغرب كثيرون أن توجه له تهم ذات طابع إرهابي بناء على إشارةٍ بيده، لم يقصد منها التهديد بالذبح، كما ذهب إلى ذلك التأويل قلم التحقيق، وإنما كانت إشارة رمزية لتحذير رئيس المحكمة من مغبّة هذه القضية السياسية. لهذا، تظاهر مواطنون أغلبهم شباب وشابات، وطالبوا بإطلاق سراح هذه الشخصية الاعتبارية التي تحوّلت إلى رمز من الصعب شيطنته.

في تحرّك مواز، وقّع 40 جامعياً من كبار المختصين في العلوم القانونية والمالية على عريضةٍ اعتبروا فيها أن الأحكام التي صدرت لم تراع “أصول القانون الجزائي والمبادئ الأساسية للإجراءات وشروط المحاكمة العادلة”، وهي “أحكام أقرب إلى قضاء التعليمات منه إلى حكم قضائي”.

تمرّ تونس بلحظة فارقة تتعمق خلالها الهوة بين السلطة والنخب السياسية والجامعية والحقوقية والشبابية. ومرّة أخرى، تصدر حكومات أوروبية (فرنسا وألمانيا ) بياناتٍ تدين ما اعتبرته خروقاً، وتطالب السلطات التونسية باحترام القيم المشتركة التي قامت عليها الاتفاقيات المشتركة بين تونس والاتحاد الأوروبي. وبقطع النظر عن مدى مصداقية هذه الأطراف، في ظل تراجع الديمقراطية والحقوق في هذه الدول وغيرها، الأكيد أن تونس ليست في وضع مريح.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here