أفريقيا برس – تونس. تباينت أراء الأوساط الاقتصادية في تونس بعد الكشف عن ملامح مشروع قانون الموازنة لعام 2025 حيث ستتجه البلد إلى زيادة الضرائب على الموظفين والشركات وإلى مضاعفة الدين المحلي، فيما تتجه الأنظار إلى الرؤية الاقتصادية التي سينتهجها الرئيس قيس سعيد بعد انتخابه لعهدة ثانية ومدى قدرته على تحسين أوضاع التونسيين.
وبينما رأى خبراء أن الإجراءات الجديدة من شأنها تحسين وضعية المالية العمومية والتخفيف من عجز الموازنة، اعتبر آخرون مشروع القانون قاس على المواطن ويزيد من أعبائه المعيشية وبمثابة “تقاسم للفقر” و يجعل من تونس دولة جبائية بامتياز.
وحسب ما نشرته وكالة رويترز مؤخرا، فإنه في ظل النقص الكبير في القروض الخارجية الموجهة لتمويل الميزانية، ستزيد الحكومة التونسية ضرائب الدخل السنوية على الموظفين أصحاب الدخل المتوسط والعالي ما بين 30 إلى 40 بالمئة وعلى الشركات إلى 25 بالمئة. كما تفكر الحكومة لإصدار سندات إسلامية للمرة الأولى من أجل تمويل عجز الموازنة.
وتشير وثيقة مشروع قانون موازنة 2025 إلى أن حجم القروض الداخلية سيتضاعف ليصل إلى 7,08 مليار دولار من 3,57 مليار دولار العام الماضي، بينما سيتراجع حجم القروض الخارجية إلى 1,98 مليار دولار في 2025 مقارنة مع 5,32 مليار دولار في 2024.
وسيبلغ حجم موازنة تونس 20،45 مليار دولار في 2025 متراجعا من 25,20 مليار دولار هذا العام، بينما يتوقع أن يصل العجز المالي إلى 3,18 مليار دولار العام المقبل.
وفي حين تعتزم الحكومة تخفيض الضريبة على أصحاب الدخل المحدود، فإنها سترفعها تدريجيا لمن يتجاوز راتبه الشهري 30 ألف دينار سنويا (9733.94 دولار). أما الضريبة على من يبلغ دخله السنوي 50 ألف دينار أو أكثر فسترتفع من 35 بالمئة حاليا إلى 40 بالمئة عام 2025.
كما تعتزم الحكومة زيادة الضريبة على الشركات التي يبلغ حجم أعمالها 20 مليون دينار من 15 بالمئة حاليا إلى 25 بالمئة العام المقبل. وستكون البنوك وشركات التأمينات مطالبة بدفع ضريبة على الأرباح تبلغ 40 بالمئة بشكل دائم.
قانون جبائي اجتماعي
على عكس الأصوات المعارضة التي اعتبرت مشروع القانون هو استمرار لسياسة التفقير برضوخ الدولة لشروط المانحين الدوليين وسط تنديدهم بتغيير السياسة الضريبية في البلاد، اعتبر خبراء اقتصاد أن القانون يحمل نقاطا ايجابية مدروسة بإشراف كفاءات في المجال والتي تهدف إلى تعافي المالية العمومية وتخفيف عجز الموازنة.
ويشير الخبير الاقتصادي مراد الحطاب في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أن ” قانون الموازنة الجديد ذو منحى ايجابي حيث من شأنه تخفيف العجز المالي بشكل وازن.”
ويشرح بالقول “لقد بني المشروع على ثلاث جوانب أساسية: الجانب الأول يعمل على تكريس مقومات الدولة الاجتماعية، أما الجانب الثاني يخص الإصلاح الجبائي ومواصلة المشاريع التي انطلقت فيها الدولة في هذا الصدد، فيما يدعم الجانب الثالث الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال بشكل عام.”
ويتابع “بالنسبة لتعزيز مقومات الدولة الاجتماعية فأنه ولأول مرة منذ سنة 1986 فقد بدأنا توظيف ضرائب على المداخيل العالية وهو إجراء ايجابي باعتبار أن الضريبة تصاعدية حيث تهدف زيادة شرائح الدخل إلى تخفيف الضغط على أجور الموظفين وترفع فيها، وهذا التوجه ساري في غالية دول العالم.”
وعلق “هذه الضرائب لن يتحملها كل الأجراء ثمة قسط من الضريبة سيتحمله أرباب العمل.”
ولفت إلى أن “الضرائب على الشركات الكبرى تصل إلى حدود 40 بالمئة وهي النسبة المعمول بها في كل العالم”، كما أنه ” وقع إحداث صناديق للتأمين على العمال الذين فقدوا مواطن الشغل لأسباب اقتصادية وإحداث صناديق لدعم المؤسسات الصغرى المتعثرة ماليا”.
وفيما يخص الإصلاح الجبائي، كشف إلى “وجود مبادرات ذاتية لأجل إدماج بعض العاملين في القطاعات المميزة لأجل دعمهم في الدورة الاقتصادية المهيكلة وإجراءات أخرى تهم المؤسسات الناشئة وتشجيع خاص للاستثمار في القطاعات الواعدة مثل الطاقات البديلة والاقتصاد الأخضر.”
وتوقع حطاب أن ” تكون سنة 2025 بداية استرجاع المالية العمومية لتوازناتها وعافيتها باعتبار أن العجز في ميزانية الدولة سيتراجع تدريجيا والتضخم كذلك حيث هناك بوادر لتقلصه، كما نلاحظ أنه لم يقع المس بمنظومة الدعم”.
وأبدت أوساط سياسية تفاؤلها بعد الكشف عن مشروع قانون الموازنة الجديد وذلك لدعمه الدور الاجتماعي للدولة مع مراعاة الإمكانيات المالية للدولة.
ويبين النائب عبد الجليل الهاني في حديثه لـ “أفريقيا برس” أنه “خلال قراءة أولى لمشروع قانون المالية 2025 نجده في توجهاته الكبرى مشابه للسنوات السابقة و يمكن وصفه بالجبائي الاجتماعي.”
وأضاف “حيث أن موارد الميزانية في أغلبها متأتي من الجباية بنسبة تقارب 90 بالمئة وكذلك مبلغ هام من الاقتراض خاصة الداخلي بينما النفقات تحافظ على نفس رقم السنة الماضية، وهو ما يفسر سياسة الحكومة في الضغط على النفقات.” مبديا أمله في” أن تكون هناك نسبة محترمة موجهة نحو دفع الاستثمار و تحقيق نسبة نمو محترمة.”
ووفق تقديره، يمكن القول أن “احتواء المشروع على عدد هام من الإجراءات (18 إجراء) تهم الجانب الاجتماعي وتحسين القدرة الشرائية يمكننا من اعتبار أن هذا المشروع ذا صبغة اجتماعية وهذا يأتي في تناسق مع التوجهات العامة لسياسة رئيس الجمهورية في هذا المجال.”
مع ذلك، يرى أن “مشروع القانون محدود ولا يمكن وصفه بالثوري نتيجة إكراهات متعددة مثل ثقل التداين وقلة الموارد الغير جبائية”.
واستنتج بالقول “عموما يبقى مشروع وإمكان مجلس النواب إدخال عديد الإجراءات التي من شأنها أن تحسن من وضع المالية العمومية و تحسين القدرة الشرائية و دفع الإستثمار مع احترام القانون الأساسي للميزانية و مراعاة الإمكانيات المالية للدولة.”
إرهاق للمواطن
في ظل ما تعيشه البلد من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة منذ سنوات وسط فشل الحكومات المتعاقبة في الإيفاء بوعودها وتحقيق مطالب ثورة يناير في توفير الشغل والتنمية العادلة بين الجهات ووسط استمرار غلاء الأسعار، توقع متابعون أن يزيد قانون الموازنة الجديد من حالة الاستياء الشعبي وقد تعود الاحتجاجات الاجتماعية إلى تنديدا بالأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفي عبد الكبير في حديثه لـ “أفريقيا برس” أنه ” قبل الحديث عن قانون الموازنة الجديد يجب الانتباه إلى الموازنة التكميلية لسنة 2024 حيث أن الدولة بحاجة إلى تعبئة موارد مالية بسبب التزاماتها للقطاع العام وللتوريد وأيضا لتسديد أقساط القروض ولدفع الأجور، وهو ما سيزيد الضغوط المالية.”
واعتبر أن “ذهاب الحكومة في الترفيع في أسعار عديد المواد ومواصلتها الضغط على الإدارة والعمل على مزيد من الاقتطاع من جيب المواطن لأجل دفع مبالغ طائلة للقطاعات الحيوية والإدارات في الثلاثية الأخيرة من السنة، سيكون له ارتدادات مهمة في الشارع وهو ما سنراه في الأشهر القادمة.”
وبالعودة إلى قانون الموازنة الجديد، يعتقد أن “التعديلات التي وقعت خاصة فيما يخص ترفيع في أسعار المواد الاستهلاكية مثل القهوة، وأيضا تغيير قانون الفائض البنكي المتعلق بالسكن والترفيع في الفائض الضريبي على القيمة المضافة في الأداء، هي تعديلات تعكس استجابة لشروط البنك الدولي بالأساس.” وأردف “مع ذلك نحن لا نستفيد من هذه القروض.”
وحسب عبد الكبير فإن قانون الموازنة الجديد هو”قانون قاس على المواطن التونسي وستكون له آثار سلبية على الأوضاع المعيشية وسيزيد من تفقير التونسيين ومن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي قد يؤدي إلى ظهور إضرابات عمالية وتحركات طلابية واحتجاجات شعبية، وقد نرى مؤسسات والشركات تغادر السوق المحلي بسبب الإفلاس، كما سنرى عجزا حقيقيا في عديد القطاعات.”
وخلص بالقول “من الأولى أن نعالج المسألة الاقتصادية بالعمل على تحريك عجلة التنمية، نحن لم نلاحظ إلى الآن عملا مخصصا في التنمية طيلة عمل الحكومات المتعاقبة، كما هناك غياب تام لدعم الاستثمار بل أننا صعبنا الأمر على المستثمرين أكثر، ولن يستطيع أن يتعافى الاقتصاد التونسي دون إعطاء أولوية قصوى للاستثمار.”
ومؤخرا، خفض البنك الدولي توقعاته بشأن نسبة النمو الاقتصادية لتونس خلال سنة 2024، إلى مستوى 1,2 بالمئة مقابل توقعات بنسبة 2,4 بالمئة والتي سبق وأن أعلن عنها خلال شهر أبريل الماضي.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، التي كان لها أثرا كبير على الاقتصاد، كما أدت إلى نقص في المواد الأساسية في الأسواق المحلية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس