عادل الثابتي
أفريقيا برس – تونس. انقسام حاد تشهده الساحة التونسية تجاه قضية “التآمر على أمن الدولة” المثيرة للجدل بين مؤيدي المحاكمة التي تنطلق، الثلاثاء، ورافضيها باعتبارها “مفبركة” من قبل السلطة لتصفية المعارضين.
ويتهم الرئيس قيس سعيّد سياسيين بـ”التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية التي فرضها في 25 يوليو/ تموز 2021.
وتعتبر قوى سياسية تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة”، بينما تعتبرها قوى أخرى مؤيدة للرئيس سعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011′′، فيما يؤكد سعيد أن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق.
ووفق وثائق نشرها أعضاء في هيئة الدفاع عن المتهمين، يمثل أمام الدائرة المختصة في مكافحة الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، الثلاثاء، 40 متهما منهم سياسيون وإعلاميون ورجال أعمال بعدة تهم منها “تكوين وفاق إرهابي”، و”محاولة ارتكاب اعتداء مقصود منه تبديل هيئة الدولة”، و”ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة”.
ومن أبرز السجناء المتهمين في القضية؛ جوهر بن مبارك (عضو جبهة الخلاص الوطني)، وعصام الشابي (أمين عام الحزب الجمهوري)، وعبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق في حركة النهضة)، وغازي الشوّاشي (وزير سابق وأمين عام سابق لحزب التيار الديمقراطي)، وخيّام التركي (قيادي سابق في حزب التكتل)، ورضا بلحاج (رئيس الديوان الرئاسي السابق).
أنصار الرئيس: التهم ثابتة
بدر الدين غرسلاوي، سكرتير عام “حزب المسار” المساند للرئيس سعيّد، قال إن “القضية عادلة وتم البحث فيها حسب المعطيات والمستندات التي وقع ضبطها عن طريق الهواتف الجوالة، وما تم حجزه في منازل المتهمين، وإذا ثبتت التهمة بعد المحاكمة كل شخص يتحمل مسؤوليته”.
وأضاف: “من يقول اجتماعات المتهمين كانت لقاءات سياسية هو حر، ولكن ما يُحدِث الاختلاف هو الأدلة والمستندات والاختبارات التي وقعت”.
وتابع: “لا يمكن أن يكون المحجوز في الهواتف والخرائط وخطط الإطاحة بالرئيس والتفكير في ما بعد الرئيس مفبركا، بل هي أفعال موجودة ولا يمكن أن يقع تحضيرها من لا شيء، ليقع اتهامهم بهذه الاتهامات الخطيرة”.
الحوار الوطني قائم
وعن تأثير المحاكمة على دعوات الحوار الوطني والمصالحة، قال غرسلاوي: “المحاكمة لا علاقة لها بالحوار الوطني، فعدد من أحزاب المعارضة لم تنخرط في البرنامج الانقلابي على الرئيس المنتخب من الشعب ولم يأت على دبابة بل وقع اختياره في انتخابات شفافة”.
وأضاف: “كل الأحزاب التي لم تساهم في هذه العملية المؤمنة بمشروع 25 يوليو (قرارات سعيد الاستثنائية في 2021) يمكنها المشاركة في الحوار الوطني”.
وتابع: “تونس تستوعب كل أبنائها من موالين ومعارضين على أساس ألاّ تكون لهم ارتباطات بالخارج وغير مورطين في أعمال انقلابية، ونحن في انتظار الإعلان عن انطلاق الحوار الوطني”.
“لا تضييق”
وبخصوص تأثير المحاكمة على المناخ السياسي في البلاد، تساءل غرسلاوي: “لماذا نربط هذا بالسياسة؟ هناك أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة في القضية، ومن يتورط وهو سياسي يطبق عليه القانون سواء كان مواليا أو معارضا”.
واعتبر أن “المناخ السياسي جيد وليس هناك تضييق، وعدد من أحزاب المعارضة تقوم بأنشطة، وكذلك شخصيات سياسية معارضة تقوم بعقد ندوات سياسية ولا يتعرض لها أحد”.
وأردف غرسلاي: “لا أرى أن هناك تضييقا، لكن أي شخص له صفة سياسية ويقوم بمخالفات كبيرة تمس بالأمن العام، لا يمكن أن يكون فوق القانون”.
المعارضة: القضية سياسية
وسام الصغير، متحدث الحزب الجمهوري (معارض – أمينه العام عصام الشابي في السجن) قال: “القضية سياسية وهو ما اتفقت عليه غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس ومنظمات دولية أصدرت بيانات تندد بالمحاكمة”.
وأضاف: “جلسة الثلاثاء جاءت في سياق يتسم بالانغلاق والتشنج في المشهد العام وجملة من المغالطات والادعاءات الباطلة التي بثتها مؤسسة إعلامية معروفة بنشر معطيات مغلوطة”، في إشارة إلى تقرير بثته القناة التاسعة الخاصة الأسبوع الماضي عن قضية “التآمر”.
وذكر: “منذ أكثر من سنتين وهيئة الدفاع ورفاق المعتقلين يطالبون السلطة التنفيذية ووزارة العدل بكشف الحجج التي تم بموجبها إيداع قيادات سياسية في السجن”.
وأوضح الصغير أن “الحلقة الأولى من رد السلطة على مطالب كشف الحقيقة هو قرار قضائي يمنع التداول الإعلامي في القضية”.
أما الحلقة الثانية من رد السلطة، وفق الصغير، فهو “صدور قرار قضائي منذ 3 أيام بأن تكون المحاكمة عن بعد، للتعتيم عن على الملف”.
ورأى أن “هذا القرار يضرب وينسف مبادئ أسس المحاكمة العادلة ويمنع الرأي العام من الاطلاع، باعتبار القضية تهم الأمن الوطني والرأي العام الوطني”.
وزاد: “قرار المحاكمة عن بعد هو قرار ظالم وسياسة للهروب إلى الأمام للتملص من مسؤولية ما ارتكب من انتهاك وتعسف في حق القيادات السياسية”.
وأكمل: “هذا يجعلنا نؤكد أن المحاكمة هي سياسية بهدف ردع وكسر إرادة المختلفين في الرأي والموقف مع السلطة التنفيذية وهو يمثل عنوانا أبرز للاستبداد والتنكيل الذي تمارسه المنظومة الحاكمة”.
“لا صحة لادعاءات السلطة”
وبشأن حديث أنصار سعيّد أن المتهمين “ضبطت معهم خرائط ومحجوزات تدل على نية الانقلاب على الرئيس”، قال الصغير: “إذا كانت لديهم خرائط ومخططات فلماذا يرفضون الإدلاء بها للرأي العام، بل فبركوا سيناريو سيئ الإخراج بثوه على قناة خاصة”.
وأضاف: “لم نسمع بهذه الخرائط مدة سنتين، ونحن نطالب وزارة العدل بأن تخرج وتعطي ما يثبت الإدانة. وحتى في قرار ختم البحث (أعدته دائرة الاتهام) لا يوجد هذا الأمر”.
وتابع الصغير: “ثقافة ’قالوا’ (روايات شفوية تنقل من شخص إلى شخص) ليس لها أي جدية، وهي استسهال للتنكيل بالناس. ليس من السهل الادعاء على الناس، والشهامة تقول بأن نأتي بالحجة والبرهان”.
“مغالطات”
ووفق الصغير، ما يقوله الموالون للسلطة عن القضية “كلام مغلوط فيه تسويق للمحاكمة، والسياسيون الموقوفون انتظروا عامين لهذه المحاكمة للمكاشفة وتقديم حججهم والتعبير عما حِيك ضدهم لسلبهم حريتهم، لكنهم (السلطة وأنصارها) رفضوا مد الرأي العام بالحيثيات وليس بالادعاء عبر وسائل الإعلام وواصلوا التعتيم”.
يذكر أن السياسيين الموقوفين على ذمة قضية “التآمر على أمن الدولة” تم إيقافهم منذ فبراير/ شباط 2023.
“تمنينا حوارا وطنيا”
وبخصوص تأثير المحاكمة على المناخ السياسي ودعوات الحوار الوطني والمصالحة، قال الصغير: “في مرحلة سابقة أكدنا أن مطلب الحوار هو مطلب العقلاء والمسؤولين الذين يتحلون بالحس الوطني، رغم تعسف الخصم”.
وأضاف: “سمعنا حديثا عن حوار وطني، وأكدنا ألا مؤشرات تدل على ذلك، وتمنينا أن يكون هناك حوار وطني، ولكن لم يحصل شيء، وتابعنا سابقا قول الشيء ونقيضه من السلطة”.
وبحسب الصغير فإن “القرار الأخير لعقد جلسة المحاكمة عن بعد يمثل هروبا إلى الأمام ومزيدا من تعكير الوضع السياسي وتعميق للأزمة ولن يكسر شوكة الأحرار والناس التي تطالب بوقف النزيف”.
وأوضح أن “رسائل المعتقلين التي تلقيناها مؤخرا جاءت مفعمة بالقوة والإصرار والإيمان بالقضية، وبالتالي إرادة كسر الشوكة فشلت”.
تعميق الأزمة
ورأى الصغير أن “الأزمة ستتواصل وتتعمق. وتاريخيا، فكل من تمادى في الاستبداد نهايته سيئة، والحق طال الزمن أو قصر سيظهر وسنصل إلى نهاية فبركة القصص وترهيب الآخر”.
وأضاف: “هذا الوضع تضاف إليه مؤشرات اقتصادية واجتماعية صعبة، فالدولة التونسية ليست في أحسن حالاتها وهذا ما لا نريده”.
وختم بالقول: “نحن صابرون وصامدون في أفق فرض تغيير الواقع بينما يعيد السكة إلى مسارها”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس