كيف ساهم أنصار النهضة في صعود الظاهرة قيس سعيد ؟

80

بقلم: عادل السمعلي

يشكل صعود الاستاذ قيس سعيد للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية 2019 بفارق عريض اما منافسه نبيل قروي حدثا سياسيا في تاريخ تونس المعاصر فرغم تصدره بيانات سبر الآراء منذ حوالي ستة أشهر الا ان المتابعين والسياسيين والاحزاب السياسية لم تعر انتباها لهذه الاستفتاءات واعتبرتها مضللة وكاذبة الى أن جاءت الصدمة الجماعية يوم الاحد 15 سبتمبر 2019 ويفوز بفارق عريض ومذهل في الدور الاول امام أعتى المنافسين وأكبر الاحزاب السياسية رغم افتقاره لحزام سياسي واعلامي ومالي.

في هذا المقال السريع سوف أحاول تفكيك الظاهرة قيس سعيد ومحاولة فهم ما جرى يوم 15 سبتمبر والذي فاجأ جميع المتابعين والسياسيين وحتى السفارات الاجنبية التي تعتمد أساليب سبر واستقصاء أكثر علمية ومنهجية..

السياسة ليست بعلم صحيح يخضع لقواعد ثابتة وصارمة كما علوم الطبيعة والفلك والرياضيات بل هي علم يرتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان ككائن متقلب وغريب الاطوار ويستبطن نفسية متحركة ومتطورة مع تطور احداث التاريخ الفردي والجماعي وحسب الحالة النفسية والثقافية التي تتحرك صعودا وهبوطا حسب الاحوال بما في ذلك الاحوال الجوية (اكدت الدراسات العلمية ان للمناخ تأثير على سلوك وتفكير الانسان )

قد يعجب القارئ البسيط من الربط بين الاختراق التي احدثه الاستاذ قيس سعيد في المشهد السياسي وبين أنصار وداعمي حركة النهضة التونسية باعتبار ان المرشح الرسمي والمؤكد لحركة النهضة هو الاستاذ عبد الفتاح مورو فمن غير المنطقي ولا المقبول ان يعصي أنصار النهضة القيادة الكاريزمية لشيخها التاريخي راشد الغنوشي ويتجهوا بأعداد كثيفة نحو انتخاب الأستاذ سعيد والذي هو نظريا خصم سياسي لهم في الانتخابات الرئاسية وهذا ما يدعو لمزيد من الفهم والتدبر والتأصيل.

لا يخفى على أحد ان النهضة تعيش ازمة داخلية عميقة لا يمكن تحديد بدايتها فالأزمة موجودة وعميقة منذ ما قبل الثورة وبالتحديد منذ ان قرر الكثير من عناصرها البارزة التصالح مع بن علي والعودة من المهجر بدون ضمانات سياسية والازمة متواصلة منذ ان تم فصل الشيخ صالح كركر عن الحركة بطريقة تعسفية اي ان ازمة النهضة ليست وليدة اليوم بل هي ازمة تظهر للسطح ثم تختفي ولكن اختفاءها يستبطن ازمات جديدة قادمة في الأفق.

منذ هروب بن علي وسقوط النظام عاشت حركة النهضة ازمات وتحديات عديدة ومختلفة ففي حين مازال البعض من قياداتها متمسك بالخط القديم خط الاتجاه الاسلامي وهو الخط الراديكالي الصلب (شورو اللوز ) في حين تبنى البعض الاخر خطا مرنا حداثيا جديدا مستفيدا من تجربته السياسية في المهجر ( الغنوشي زيتون ) وهذه التناقضات التي تشق النهضة مازالت مؤثرة في مسارها الى حد هاته اللحظة بل ازدادت حدة بعد توافق الشيخين في باريس سنة 2013.

المؤتمر العاشر للنهضة زاد من تعميق الازمة بإعادة انتخاب الغنوشي على رأسها وسرعان ما تم تطويق الازمة امام الراي العام التونسي ولكن استمرت الازمة تفعل فعلها في نفوس الانصار الى ان جاء موعد تحديد القائمات التشريعية لسنة 2019 حيث تم وبطريقة تعسفية حذف مرشحين تم انتخابهم ديمقراطيا من طرف القواعد وقامت ضجة داخل وخارج حركة النهضة عن مدى ديمقراطيتها وكيف لها ان تحكم بالديمقراطية وهي تضرب عرض الحائط الاختيار الديمقراطي داخلها…

ان جبهة الانصار الغاضبة على قيادة حركة النهضة والتي لها مؤاخذات سياسية واصولية على سياسة الحركة توجهت لصناديق الاقتراع وانتخبت الاستاذ قيس سعيد المرشح الرئاسي المحافظ في حركة غضب وعصيان مكشوفة للمحللين والمتابعين ورجحوا بذلك كفة قيس سعيد ليرقي للمرتبة الاولى في الانتخابات بأصوات كان من المفروض ان تذهب للأستاذ عبد الفتاح مورو وما نكران قيادة النهضة للنتائج الاولية الا جزء من هذه الازمة العامة التي تعيشها الحركة.

حين اغلقت صناديق الاقتراع على الساعة السادسة مساءا كانت قيادة النهضة على علم بسقوط الاستاذ عبد الفتاح مورو وبالصعود المدوي للأستاذ قيس سعيد مما وضعها في موقف مربك ولكنها عوض المبادرة بقبول النتائج وتهنئة الفائزين قامت بمحاولات انكار وتشكيك للنتائج ربحا للوقت وخوفا من انشقاق الجبهة الداخلية وضاع انصارها بين خطاب القيادة الداعية للتريث وانتظار النتائج الرسمية وبين حقيقة النتائج النهائية المتوقعة عند الخروج من الاقتراع و التي تداولتها كل وسائل الاعلام المحلية والدولية وان خوف قيادة النهضة من تداعيات نتائج الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية هي التي احدثت لها كل هذا الارباك والتناقض ويبدو اننا سوف نعيش مجددا انتخابات تشريعية لا تقل زلزلة على الرئاسية ولكن هل تعي النهضة هذا الدرس القاسي فلنتابع وننتظر …

* كاتب سياسي وباحث اقتصادي

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here