كيف غطّى الإعلام التونسي الحرب بين إيران وإسرائيل

12
كيف غطّى الإعلام التونسي الحرب بين إيران وإسرائيل
كيف غطّى الإعلام التونسي الحرب بين إيران وإسرائيل

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. يشهد الشرق الأوسط، منذ عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، تصعيدا غير مسبوق وصل ذروته مع الضربات العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، لم يكن هذا التصعيد بعيدا عن اهتمامات الإعلام التونسي، خاصة مع تقاطعاته مع ملفات التطبيع والمقاومة والقضية الفلسطينية.

ومثلّت هذه التطوّرات تحدّيا لأغلب وسائل الإعلام التونسية خاصة مع التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل الذي فرض مقاربة الأحداث بما يتماشى مع ثوابت الرأي العام وتوجهات الخطاب التحريري وتوازنات السياسة الخارجية.

في هذا السياق، جاءت تغطية الإعلام التونسي لتراوح بين الدعم المبدئي والثابت للقضية الفلسطينية، وبين الحذر في تناول أبعاد الصراع الإيراني الإسرائيلي، وسط مشهد إعلامي تتداخل فيه الاعتبارات السياسية ولم يخلو في بعض المنصات من المواقف ذات الأبعاد “العقائدية”. فما هي ملامح هذه التغطية؟ وأين تقف وسائل الإعلام التونسية من هذا التحول في طبيعة الصراع؟ وهل نجحت في الحفاظ على خطاب متماسك يعكس المزاج الشعبي دون السقوط في الاصطفافات الخارجية؟

يجب على هذه التساؤلات عدد من الإعلاميين التونسيين، من بينهم نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار الذي يقول لـ”أفريقيا برس”: الصحفيون التونسيين والصحافة التونسية من المناصرين للقضية الفلسطينية، مناصرة القضية تأتي عن قناعة باعتبار أن الصحفي التونسي مهتم ومدافع على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعلى حق الشعوب في التحرر والمقاومة”.

ويضيف دبار: “حين نرى تغطية الإعلام التونسي للحرب الدائرة في غزة، نعتقد ودون مجاملة أن الصحافة التونسية كانت سبّاقة، كانت تغطية منحازة للحق الفلسطيني، يبقى الإشكال الذي يطرح نفسه اليوم، يتعلق بمدى تأثير الصحافة والمقالات الصحفية على الآخر، بمعنى أن نسبة كبيرة من مقالاتنا تكون بالعربية أو بالفرنسية، بالتالي ليس لدينا جمهور كاف لتوفير المعطيات خاصة للجماهير الأخرى الناطقة بالانجليزية أو لغات أخرى. هناك نقص إعلامي في هذا المجال، وهذا نستطيع أن نعوضه بالعمل الصحفي والنشاطات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي منحت فرصة للرواية الفلسطينية من التواجد بعد سنوات من تظليل البروباغندا في وسائل الإعلام الغربية”.

وبينما ركّز زياد الدبار في ردّه على أسئلة “أفريقيا برس” على القضية الفلسطينية دون الخوض في تفاصيل المواجهة بين إيران وإسرائيل، فضّل الصحفي والمحلل السياسي صبري الزغيدي ربط موقفه بالتطورات الإقليمية الأخيرة، مسلطا الضوء على أبعاد الصراع الأشمل في المنطقة.

يعكس هذا التباين بين الموقفين نمطا سائدا في تغطية الإعلام التونسي، حيث تميل بعض الأصوات إلى التركيز على البعد الفلسطيني التقليدي، بينما تتجه أخرى إلى مقاربة أكثر شمولية تضع التصعيد الإيراني – الإسرائيلي ضمن المتغير الإقليمي والسياق الجيوسياسي الأوسع.

ويقول صبري الزغيدي لـ”أفريقيا برس”: “للأسف الشديد، مرة أخرى الإعلام التونسي لم يرتق إلى المستوى المطلوب في علاقة بتغطية الحرب الأخيرة على إيران، ظهر ذلك في غياب الحصص الحوارية، وأساسا في مؤسسات الإعلام العمومي وتقريبا انحصرت فقط على بعض الأخبار السريعة في النشرة الرسمية المقتطفة من وكالات الأنباء العالمية، وكذلك تم تسجيل غياب الحصص والمختصين في العلاقات الجيوسياسية والدولية”.

ويضيف الزغيدي: “لم تكن بالمؤسسات الإعلامية والخاصة رؤية حول كيفية تغطية هذه الحرب، ومرة أخرى فشل الإعلام الحكومي والخاص في التعاطي مع هذه الحرب، إلى جانب التعاطي مع الموقف التونسي. افتقر هذا إلى رؤية نقدية، وهذا ظهر منذ الاعتداء على غزة، تقريبا التعامل بقي في مجرد تكرار الموقف التونسي فقط دون الغوص فيه ونقده، إلى جانب أنه ظهر جليا غياب المختصين التونسيين في مثل هذه الأحداث والحروب”.

تعكس تغطية الإعلام التونسي لتطورات الصراع في الشرق الأوسط التزاما راسخا بالقضية الفلسطينية، منسجما مع المزاج الشعبي العام، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن مواطن ضعف في تناول الأبعاد الإقليمية للصراع، وعلى رأسها المواجهة بين إيران وإسرائيل. فبينما يهيمن البعد الإنساني والخطاب التضامني على المحتوى الإعلامي، تغيب في الغالب القراءات الجيوسياسية والتحليلات المعمّقة التي تشرح السياقات الإستراتيجية وتفكّك خارطة التحالفات المتغيّرة في المنطقة.

وهذا ما تذهب إليه جيهان اللواتي. عضو نقابة الصحفيين، التي تقول في ردها على “أفريقيا برس” إن “تغطية الإعلام التونسي للحرب على غزة تتسم بمزيج من الحماس الشعبي والموقف السياسي الداعم للقضية الفلسطينية نظرا للتضامن التاريخي العميق بين الشعب التونسي والفلسطيني. فمنذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 ركزت وسائل الإعلام التونسية سواء الحكومية أو الخاصة على إبراز الرواية الفلسطينية مع التركيز على الأبعاد الإنسانية للصراع مثل معاناة المدنيين النزوح والدمار الذي خلّفته الحرب”.

وتضيف اللواتي: “قنوات مثل التلفزة التونسية قدمت تغطية مكثفة للأحداث مع استضافة محللين سياسيين ونشطاء لمناقشة تداعيات الحرب. كما لعبت الصحف مثل “الصباح” و”الشروق” دورا في تسليط الضوء على الانتهاكات الصهيونية مستندة إلى تقارير دولية ومصادر فلسطينية. ومع ذلك، يمكن ملاحظة بعض القصور في التغطية، مثل التركيز المفرط على الجانب العاطفي أحيانا على حساب التحليل العميق للسياقات السياسية والإقليمية. كما أن بعض الوسائل الإعلامية تأثرت بالاستقطاب السياسي الداخلي في تونس، مما أدى إلى تفاوت في جودة التغطية بين المنابر الموالية للسلطة وتلك المستقلة كمثال على ذلك تميل القنوات الحكومية إلى ربط التغطية بالخطاب الرسمي التونسي الداعم لفلسطين، بينما تسعى بعض المنصات المستقلة إلى تقديم رؤى أكثر نقدية للأطراف كافة”.

أما بالنسبة لتغطية إيران، فهي “أقل كثافة وأكثر تعقيدا”، وفق جيهان اللواتي التي تضيف أن “الإعلام التونسي تناول دور إيران في الصراع بشكل محدود، مركزا على دعمها لحركات المقاومة مثل حماس وحزب الله، لكنه غالبا ما يتجنب الخوض في تعقيدات السياسة الإيرانية أو تأثيرها الإقليمي بعمق، ربما بسبب حساسيات دبلوماسية أو نقص الموارد لتغطية شاملة. هذا النهج يعكس أحيانا حذرا من إثارة استقطابات طائفية أو سياسية داخل تونس.

وتخلص في حديثها مع “أفريقيا برس”: “بشكل عام، الإعلام التونسي نجح في إبراز القضية الفلسطينية وتعبئة الرأي العام التونسي لدعم غزة، لكنه بحاجة إلى مزيد من التحليل المتوازن والعمق الاستراتيجي، خاصة عند تناول أدوار قوى إقليمية مثل إيران. التغطية تعكس التزاما بالقضية، لكنها قد تستفيد من تنويع المصادر وتعزيز الحيادية لتقديم صورة أكثر شمولية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here