محسن السوداني لـ”أفريقيا برس”: رفض هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة يمثل سابقة خطيرة

49
محسن السوداني لـ
محسن السوداني لـ"أفريقيا برس": رفض هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة يمثل سابقة خطيرة

حوار آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر محسن السوداني القيادي في حركة النهضة في حواره مع “أفريقيا برس” أن “رفض هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة الإدارية القاضية بإعادة مترشحين إلى السباق الرئاسي، يمثل سابقة خطيرة في تونس ويقوض ما بقي من أمل في العملية السياسية في البلد”، وفق تعبيره.

وفي ظل تواصل مناخ التضييقات والإيقافات وسياسة الإقصاء، استبعد السوداني “تحقيق مفاجأة انتخابية، وعلى العكس ستكون الانتخابات الرئاسية المرتقبة أشبه بمبايعة للرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد”، لافتا في ذات السياق إلى أن “دعم حركة النهضة لأحد المترشحين ازداد تعقيدا بعد رفض هيئة الانتخابات الامتثال لحكم القضاء”.

ومحسن السوداني هو عضو المكتب التنفيذي ومجلس الشورى لحركة النهضة، ويعد من أبرز قياداتها، وهو نائب سابق بالبرلمان التونسي.

عبّرتم كحركة النهضة عن رفضكم إقصاء مرشحين من السباق الرئاسي، ما هي تداعيات عدم امتثال هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة الإدارية على الوضع السياسي الداخلي للبلاد؟

نشعر بخيبة كبيرة بسبب عدم احترام هيئة الانتخابات لقرار المحكمة وعدم تطبيق أحكامها التي تقضي بإعادة المترشّحين الذين استبعدتهم في البداية. كان من المفترض الالتزام بمقتضيات القانون الذي ينص على أنّ حكم المحكمة الإدارية هو باتّ ونهائي ولا معقّب له. رفض هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة يمثل سابقة خطيرة سوف تؤثّر على المناخات العامة المحتقنة أصلا، وسوف يعمّق أزمة الثقة ويقوّض ما بقي من أمل في العملية السياسية. ويؤدي إلى انكفاء المواطنين وإعراضهم عن الشأن العام وعدم المشاركة في الانتخابات.

هل بإمكان حركة النهضة التوجه لدعم أحد منافسي الرئيس قيس سعيد المتبقين للإطاحة به أم سيكون خيارها المقاطعة وعدم المجازفة بانتخاب شخص دون الاتفاق معه مسبقا؟

إلى حدّ الآن، لم نرجّح في الحركة دعم مرشّح بعينه منافسًا للرئيس قيس سعيّد. وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد رفض المترشحين الذين أنصفهم القضاء الإداري ورفضت هيئة الانتخابات الامتثال لحكم القضاء. كما أن دعم مرشح بعينه يقتضي تفاهمات والتزامات وتعاقدات، وهو ما لم يحدث مع أيّ من المرشّحَيْن المنافسين للرئيس. ولا يخفى عليك أنّ أحدهما قيد الاعتقال وقد يتمّ إقصاؤه من الترشح. هذا فضلا عن أنّ الأجواء العامة ليست نقيّة، إذ من المفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية عرسا ديمقراطيا ينخرط فيه الشعب والإعلام، الفاعلون السياسيون وأصحاب الرأي من المثقفين في سجالات وحوارات منتجة وخصبة. بينما نحن نعيش على أخبار الإيقافات والاعتقالات والمضايقات وتلك مظاهر لا تشجع على الانتخابات.

من تتوقع فوزه بالسباق الرئاسي المرتقب، وهل بوسع منافسي الرئيس تحقيق مفاجأة انتخابية؟

إذا ظلّ الأمر على حاله ولم تتغيّر الأمور خلال الفترة الوجيزة جدا التي تفصلنا عن الموعد، وهو الأرجح، فأعتقد أنها ستكون مبايعة أكثر منها انتخابات. لأنّ العناصر والشروط الدنيا للمنافسة مفقودة الآن. ولذلك فإنني لست متفائلا بتحقيق مفاجأة انتخابية. إذْ كيف نتحدث عن انتخابات أو مفاجأة في ظلّ غياب تام للمنافسة؟! الرئيس المنتهية ولايته وحده تقريبا في السباق. فأحد منافسيه في السجن ومهدّد بالإقصاء نهائيا من قائمة المترشحين، والمنافس الآخر يمثّل في نظر المعارضة والمخيال الشعبي صورة أخرى للانقلاب بالنظر إلى الدور الذي أداه سابقا في التمهيد للانقلاب ودعمه ووجوده في السباق أقرب إلى الديكور منه إلى أي شيء آخر.

كيف تقرأ مستقبل المشهد السياسي في تونس في حال فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية؟

في هذه الحال الوضع سيكون أسوأ بكثير مما هو عليه الآن. كل المؤشرات الحالية وعلى جميع المستويات سلبية ومنذرة بانهيار اقتصادي واجتماعي. ولم يعد بمستطاع البلاد أن تتحمّل سنوات أخرى، هذا الانسداد الذي يخنق كل المجالات: فلا استثمار ولا تشغيل ولا إصلاح للتعليم ولا إصلاح للصناديق الاجتماعية ولا حلول لمعضلة النقص الحاد في المياه ولا موارد مالية واضحة. المشاكل تتراكم وبلادنا تزداد عزلة عن محيطها الإقليمي والدولي وصورتها تسوء باستمرار. وقدرتها على التحمّل تكاد تنفد.

ما رأيكم في إطلاق أحزاب ومنظمات الشبكة التونسية لحقوق الإنسان مؤخرا، هل شهد المجتمع المدني استفاقة؟ وهل بوسعه الدفاع عن الحريات رغم ضغوط السلطة؟

هذه المبادرة جاءت متأخرة جدا جدا. ومع ذلك فهي تعبّر عن إدراك لخطورة ما تعيشه البلاد ووعيا بضرورة التدارك والإنقاذ. صحيح أنها استفاقة متأخرة لكن تبقى أفضل من مواصلة السياسة السابقة التي ميّزت تلك القوى والأطراف. ويبقى الحكم على مصداقيتها وجدّيتها رهين أداء مكوّناتها في الأيام المقبلة. أما بخصوص قدرتها وسعتها في الدفاع عن الحقوق والحريات فذلك يتوقف على مدى اقتناع تلك الأطراف بالمبادئ التي تؤمن بها. وهي في اختبار جدّي لكي تثبت جدارتها في الإدلاء بالشهادة اللازمة قولا وفعلا.

هل تعتقد أن الأستاذ الأكاديمي قيس سعيد نجح في تهميش القيادات السياسية المخضرمة والأحزاب والمنظمات الفاعلة؟

نعم إلى حدّ ما. فقد نجح في ذلك بُعيد الانقلاب وأوشك على أن يقتل السياسة ويشيع رأيًا عامّا رافضا للسياسيين ولكل الوسائط المدنية والاجتماعية. فرغم الجهود المهمّة التي بذلتها المعارضة للثبات إلاّ أننا عشنا فترة انكفاء تام لعدد من القوى والشخصيات. ولكن الأشهر الأخيرة بدأت السياسية تسترجع مكانتها. وليس الانخراط الواسع في حملة التزكيات الأسابيع الأخيرة سوى دليل بيّن على عودة الحياة إلى دروب السياسة. ولكن بالمقابل، وبغض النظر عمّا أحدثه الانقلاب فإنّ المشهد السياسي يحتاج إلى تجديد وتغيير في الشخوص والأفكار وأساليب العمل. والخشية هي أن ينصرف الناس عن الشأن العام ويعرضوا عن السياسة وينغلقوا على أنفسهم بحثا عن الخلاص الفردي. وذلك له نتائج سلبية على البلاد، حيث ينفلت الشعب من كل تأطير ويفقد الثقة في المسالك الديمقراطية، فلا يعبّر عن رأيه إلا خارج الاحتواء.

فيما يخص حركة النهضة التونسية، كيف تقرأ مستقبلها السياسي في ظل ما تعرضت له من تضييقات وإيقافات لقيادييها وغلق مقارها؟

حركة النهضة تعيش وضعا استثنائيا بكل المعاني. فقياداتها في السجن، ومقراتها مغلقة. ووضعها الداخلي يحتاج إلى ترتيب. وهذا لا يتمّ إلا بإنجاز مؤتمر. وهذا الأخير ما زال معلّقا وغير معلوم الموعد. ومع ذلك فإنّها استفادت من الانقلاب من حيث أراد خصومها إيذاءها. ووجه الاستفادة أنها خارج السلطة ولم تثبُت في حقّها أي تهمة من تلك التهم التي وُجّهت إليها من قِبل الإعلام وبعض السياسيين. فقد كان يقال قبل الانقلاب أنها تحتمي بالسلطة وتمنع كل إمكانية لمحاكمتها وكشف الحقائق التي تدينها. وها هي بعد الانقلاب وقد فقدت السلطة تقف بريئة من كل التهم. ولذلك يمكن القول باستنتاج صادم للبعض؛ إن الانقلاب قد أنقذها من أعباء حكمٍ لم تكن قادرة على إنجاحه نظراً لما كان يخنق الساحة حينها من إكراهات. مستقبل النهضة سوف يكون أفضل من ماضيها وحاضرها. وسوف تستفيد كثيرا مما يحصل الآن.

تحدث أحد قيادات حركة النهضة بأن الحركة تملك مخزونا انتخابيا يصل إلى ثلاثة ملايين؛ لماذا لا نراهم في الشارع دفاعا عن الديمقراطية والحريات والحقوق المعيشية للمواطنين؟

الرقم مبالغ فيه إلى حدّ ما. فلو كان لها هذا الرقم لاستطاعت أن تتفادى الانقلاب أو تقاومه. أما بخصوص الخروج إلى الشارع احتجاجاً على الانقلاب ودفاعا عن الديمقراطية، فذلك يشهد له التاريخ والواقع، حيث نظمت الحركة بمعية قوى أخرى معارضة وضمن تحالفاتها، سواء مع مواطنين ضد الانقلاب أو في جبهة الخلاص، تحرّكات عديدة متنوعة تراوحت بين المظاهرات والاعتصامات وإضرابات الجوع والوقفات الاحتجاجية وغير من أشكال النضال.

هل يمكن لحركة النهضة النجاح في تنظيم مؤتمر الـ11 رغم ما تتعرض له من ضغوط، أم سيبقى التأجيل سيد الموقف؟

حاليا لا يمكن إنجاز المؤتمر الحادي عشر. إذْ كيف يمكن فعل ذلك والحال أن القيادة في السجن والمقرات مغلقة والأجواء العامة في البلاد غير مريحة. صحيح أننا فوّتنا فرصا سابقة كان يفترض أن ننجز فيها المؤتمر لمّا كنا في أريحية من أمرنا. لكن ذلك لا يعني أننا نسينا المؤتمر. وحالما نستجمع شروطه الوطنية والداخلية فسوف ننجزه إن شاء الله.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here