محمد الكيلاني لـ”أفريقيا برس”: القمع لا يفرز انتخابات ديمقراطية، واليسار التونسي صاحب بدائل

69
محمد الكيلاني لـ
محمد الكيلاني لـ"أفريقيا برس": القمع لا يفرز انتخابات ديمقراطية، واليسار التونسي صاحب بدائل

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. استبعد زعيم الحزب الاشتراكي في تونس محمد الكيلاني في حواره مع “أفريقيا برس” أن “تكون الانتخابات الرئاسية المرتقبة حرة وديمقراطية في ظل استمرار سياسة القمع والتضييق على المترشحين، وتوظيف السلطة للقضاء لصالحها”، لافتا إلى أن”حزبه قرر عدم المشاركة في السباق كما أنه لن يقف وراء أي مترشح بسبب غياب البرنامج والبديل الإصلاحي لإنقاذ الأوضاع وتحقيق تطلعات التونسيين”.

وبيّن الكيلاني أن تشتت اليسار التونسي لن يمنعه من مواصلة دوره على الساحة السياسية، كما أن “اليسار صاحب بدائل وله بدائل اقتصادية واجتماعية وغيرها لكن ما يفتقده؛ هو البديل المباشر للتداول على السلطة الذي يمكن أن يحققه بالتحالف مع قوى أخرى، ديمقراطية وجمهورية”، مؤكدا في ذات السياق” أن اليسار لا يخشى القمع لأنه مقاوم بالأساس”.

ومحمد الكيلاني هو مؤسس الحزب الاشتراكي في تونس، وأحد أبرز القيادات التاريخية لليسار في البلد، وقد كتب في عديد الصحف التونسية، كما أصدر خمس كتب أبرزها “الحركة الشيوعية في تونس”، “في الحكم الفردي”، كما كتب حوالي أربعين كراسا عبر فيها عن مواقف حزبه من العديد من القضايا.

ما هو موقف الحزب الاشتراكي من الانتخابات الرئاسية، وأي مرشح ستختارون دعمه في مواجهة قيس سعيد؟

إن الانتخابات، سواء أكانت رئاسية أو تشريعية أو بلدية، تدور عامة في ظل ظروف سياسية محددة، وفي إطار قوانين منظمة لها تضمن حرّية الترشح والدعاية وتجرّم التزوير، ووجود مترشحين لهم نفس الفرص، وهيئة مشرفة على الانتخابات تقف على نفس المسافة من كل واحد منهم تيسر عليهم القيام بالإجراءات والقيام بحملتهم وتسهر على شفافية فرز الأصوات، وإدارة محايدة لا تخضع لخدمة أغراض أي كان وأي سلطة بما في ذلك السلطة التنفيذية، وسلطة قضائية يلتجئ إليها المترشحون أو الهيئة المشرفة على الانتخابات أو الإدارة أو الناخبون عند تجاوز القانون، وتحمي الحريات من كل اعتداء، وأخيرا الإعلام العمومي الذي تمّت العودة به إلى “قناة 7″، بينما الإعلام الخاص فقد أجبر على الخضوع تحت التهديد بتهم الفساد والإفساد وتبييض الأموال وقانون مكافحة الإرهاب والمرسوم 54. تلك هي العناصر المكونة لانتخابات حرّة وشفافة وديمقراطية.

وإذا حاولنا النظر في العناصر سالفة الذكر تطبيقيا على الانتخابات الرئاسية، ندرك أن الأوضاع العامة في البلاد تتسم بالتدهور على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقيمية، ويمثل الجانب السياسي العنصر الرئيسي الذي يهم الانتخابات الرئاسية. ولا نغالي في شيء إذا قلنا بأنه قلّ وأن شهدت بلادنا مثله، حيث عملت السلطة القائمة على:

ـ إخضاع القضاء بعد أن حوّلته إلى وظيفة بإيقاف 57 قاضيا عن العمل بتهم الفساد، ورغم أن المحكمة الإدارية حكمت بتبرئة 49 منهم، فإن وزيرة العدل رفضت تطبيق قرار المحكمة. وزيادة على ذلك أصبح القضاة وكأنهم مياومين، يشغلهم “العرف”، رئيس الدولة ووزيرة العدل، متى شاء وفي أي مكان شاء، تحت طائلة “الحركة الجزئية”، وتحت التخويف والترهيب تمّ تطويع مجموعة منهم وحولهم إلى أداوت لخدمة “عرفهم”.

ـ إدارة يوظفها رئيسها، وهو رئيس الدولة المنتهية ولايته، في خدمته وهي تحت إمرته تقوم بما يأمرها به.

ـ تصحير الساحة السياسية والإعلامية والثقافية، بتشديد وتيرة القمع وتوسيع الإيقافات في الأوساط السياسية والمدنية بتهم الفساد والإرهاب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، لضرب الخصوم والمنافسين لقيس سعيد المحتملين في الانتخابات الرئاسية ومن ورائهم القوى السياسية المناصرة لهم. كما نزل سيف ديموقليس، المرسوم 54 سيء الذكر، على رقاب الصحفيين والمعلقين والمدونين والمواطنات والمواطنين الذين لهم نشاط في الفضاء الأزرق. وتمّ تشديد التضييق أيضا على العمل النقابي والجمعياتي، وصولا إلى الإيقاف والسجن.

ـ كانت هيئة الانتخابات، منذ أن عيّن تركيبتها، في خدمته في كل المحطات ومنفذة لمشروعه، وهي اليوم تصول وتجول خارج القانون، بشكل مسّت في العمق شرعية الحكم، لأن المؤسسات التي أشرفت عليها جميعها قائمة على قاعدة قانونية فردية وغير أصلية باعتبارها لم تصدر عن الشعب المؤسس، وزيادة على ذلك لم تحز على ثقة الشعب الناخب. وهي الآن، وإعداد للانتخابات الرئاسية، تقوم بنفس الدور الذي بعثت من أجله.

ـ يمثل الإعلام الحرّ أحد الضمانات الرئيسية لانتخابات حرّة وديمقراطية وشفافة. في مثل هذه الأوضاع التي يحتكر فيها الرئيس كل السلط ويتقدم للانتخابات وقد أزاح خصومه ومنافسيه المحتملين من السباق الانتخابي ووظف الإدارة وهيئة الانتخابات والقضاء والإعلام، زيادة على سجن السياسيين والإعلاميين ونشطاء من المجتمع المدني ومدونين وضيّق على الحياة السياسية والمدنية، وأصبح الرئيس المنتهية ولايته المنافس والحكم، لا يمكن بأي حال، أن تكون هذه الانتخابات حرّة وديمقراطية وشفافة ونزيهة. لذلك قررنا عدم المشاركة كحزب وتبقى خيارات عملية نتابعها فالمرحلة الموالية الأطوار التي تمرّ بها الانتخابات.

أما بصدد من الممكن أن نقف ضد قيس سعيد، فنبدأ بالتوضيح التالي: لقد عارضنا كل المترشحين في 2019 بمن فيهم قيس سعيد لأنهم جميعا لم يعرضوا علينا برامجهم ومشاريعهم المجتمعية والخاصة بالسلطة وكيفية تنظيم نظام الحكم. وإذا كان الآخرون تقدموا بخطوط عامّة لبرامجهم فإن قيس سعيد رفض من الأصل التقدّم ببرنامج واعتبر أن البرنامج هو اقتراحات الشعب وأن الدستور مكتوب على الجدران. وهم اليوم يكررون نفس الشيء، أما بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته فقد تعرّفنا على برنامجه، اللابرنامج، في الخمس سنوات الماضية. لذلك لا نعتقد أن واحدا من المرشحين إلى حد الآن يمكن أن نقف معه. لكن وبما أننا نعمل في إطار المنتدى الديمقراطي ومع قوى تقدّمية أخرى فإن المواقف العملية سوف تتولى صياغتها بصورة مشتركة، خلال الأيام القليلة المقبلة، لإضفاء مزيد من الفاعلية والنجاعة عليها.

كيف تقيم المناخ الانتخابي في ظل انتقاد المعارضة للتضييقات على المترشحين، وهل تتوقع أن تقوم المحكمة الإدارية بإنصاف بعض المترشحين وعودتهم للسباق في جلسة 3 سبتمبر؟

كنت تعرّضت في الجواب عن السؤال الأول إلى أن ما تشهده البلاد لا يمكن أن يمثل ظروفا مناسبة لانتخابات حرة وديمقراطية وشفافة ونزيهة، وما التضييقات التي يتعرّض لها المترشحون إلا دليلا قاطعا على ما ذكرناه. وإن تحويل القضاء إلى وظيفة وإخضاعه لمشيئة الحاكم بأمره، فإن المحكمة الإدارية يمكن أن تمثل انتفاضة القضاء ضد السلطة التنفيذية التي تعمل على توظيفه إذا ما أنصفت الذين التجأوا إليها من المترشحين، في جلسة 29 أوت، ومن المتوقع أن يكون قرار 3 سبتمبر في اتجاه التضييق ولن تكون عملا محسنا للأوضاع بل لإضفاء مزيد من التوتر.

من تتوقع فوزه بالسباق الرئاسي، وهل تعتقد أن الانتخابات الرئاسية ستمهد لمرحلة من الإصلاح وتحسين الأوضاع خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي؟

أمر الانتخابات مازال غير محسوم حتى من زاوية التوقعات، ومن يعتقد أن الأمر محسوم لقيس سعيد فهو مخطئ لأن عوامل عديدة تتداخل في هذه العملية: أولها التفاهمات الانتخابية، وثانيها التيارات الانتخابية التي لا تتبلور إلا في طور متأخر من الحملة، وثالثها الدور الذي قد تقوم به الدولة العميقة والقوى الإقليمية والعالمية. لذلك، وبالنظر للضعف الذي عليه القوى الجمهورية بشقيها، اليساري والديمقراطي، فإن بديلا إصلاحيا مازال لم يولد بعد، ويتعثر في الظهور في مثل هذه الظروف، والغالب على الأمر أن تتواصل الأوضاع على ما هي عليه، وقد تتجه إلى ما هو أسوأ، خاصة إذا تواصلت فوضى الحكم وعبثيته على النسق الذي شهدناه منذ 14 جانفي 2011 وأصبحنا نشهده اليوم بأكثر حدّة. ويكفي أن نشير إلى أن نسبة الفقر كانت في 2023 قد تجاوزت بقليل 23% وأصبحت 33.6% خلال السداسية الأولى لسنة 2024، مع نسبة نمو في السداسي الأول لهذه السنة لم تتجاوز 0.6%، وتجاوزت نسبة التداين الـ100% من الناتج المحلي بحيث أصبحنا ننتج، إن أنتجنا، لتسديد الدين. فكيف يمكن لنا أن ندخر ونستثمر لتحسين الأوضاع؟ إننا أمام خطاب تضليلي إذا لم نعالج المعضلات الأساسية للاقتصاد التونسي، ونعيد بنائه على أساس خيارات اجتماعية تضامنية ذات مضمون وطني، يقع التأسيس لها في إطار حوار وطني اجتماعي يكون فيه للملكات التونسية مكانة كبيرة.

هل يعد الميثاق الجمهوري الأمل الأخير للمعارضة التونسية لأجل مواصلة نضالها وتواجدها في المشهد السياسي؟

إن الميثاق الجمهوري يمثل مجموعة من المبادئ والقيم وخطوط عامة لمشروع اقتصادي واجتماعي، فهو بمثابة أرضية لتوحيد الجمهوريين بشقيهم الديمقراطي واليساري، ويمكن لهذه الأرضية أن تصبح لها موقعا تاريخيا إذا تمكنت من لفت انتباه هذه القوى وتكوين القوّة الكفيلة بتعديل ميزان القوى الاجتماعي والسياسي، وبصورة خاصة إذا اتفقت هذه القوى على مشروع يسمح لها بأن تصبح حزب تداول على السلطة. وفي الحالة العكسية، لن تكون الفرصة الأخيرة للقوى الجمهورية، أو على الأقل العديد من مكوناتها، كي تأخذ مكانها في المشهد السياسي وفي النضال عموما، باعتبارها قوى مناضلة بطبيعتها وليس لها من مصالح مطامح خاصة وشخصية، ومهما تكرر الفشل واصلت طريقها ولعبت الدور المناط بعهدتها لأن انخراطها في النضال دافعه الوعي وليس المصلحة، لذلك فهي عائدة لا محالة وستفتك مكانها في الساحة السياسة بالاعتماد على تطور الوعي الشعبي عن طريق ما تقوم به من عمل دعائي وتوضيحي بين مختلف الفئات والطبقات الشعبية.

ما هي رؤيتكم كحزب اشتراكي للدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية في تونس في عجز النخب على تعديل المرسوم 54؟

إن إيماننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان يندرج ضمن قناعاتنا ومبادئنا العامة وإيماننا بالإنسان، لذلك كنا منخرطين دائما في النضال من أجل الحريات وحقوق الإنسان، وبصورة خاصة في الأزمنة التي يشتد فيها القمع والاستبداد. ونحن الآن في زمن الديكتاتورية والحكم الفردي المطلق فمن الطبيعي أن نضع اليد في اليد مع القوى السياسية المؤمنة بحقوق الإنسان والديمقراطية والمستعدة للنضال من أجل تحققهما، وهو ما نحن بصدده الآن. وقد تشهد الأيام المقبلة على تكوين تجمع وطني من أجل الحريات والديمقراطية يجمع أحزاب ديمقراطية ويسارية وجمعيات لرد الهجوم عليها، مع العلم أننا نطالب جميعا بإلغاء المرسوم 54 وليس تنقيحه. مع العلم أن صاحب السيادة هو من يقوم بذلك ولن يقدم على هذه الخطوة حتى ولو اشتدّ الضغط عليه من قبل النخب التي همّشها كما “الأجسام الوسيطة” كي يبقى وحده الحاكم بأمره، وأعتقد أن المرسوم 54 أصبح مكونة من مكونات حكمه ومن الصعب أن يتخلى عنها لأنها تسهل عليه الحكم بأمره.

لماذا فشل اليسار التونسي في العودة إلى الواجهة وإقناع الشارع بقدرته على تقديم بديل، هل بسبب انقساماته وغياب برنامج؟

كان اليسار في النظامين البورقيبي والنوفمبري هو الذي يتصدر النضال ضدهما ودفع الثمن غاليا، وفي عشرية الانتقال الديمقراطي كان مع سائر القوى الاجتماعية والديمقراطية والتقدمية يناضل ضد الإسلام السياسي بمشاريعه الظلامية الإخوانية والإرهابية ولحزب التحرير الإسلامي، ويناضل من أجل الحقوق الاجتماعية والمدنية للشعب التونسي، رغم تعدده وتشتته. ومن الأكيد أن ذلك يضعف قوته ويمنعه من أن يتحوّل إلى حزب، بالمعنى العام للكلمة، يطمح إلى السلطة، غير أنه لا يقلل في شيء من ثرائه ومن الدور الذي يلعبه في الساحة السياسية والاجتماعية.

ما من شك في أن العودة إلى المكان ليس له علاقة بقرار يمكن أن يتخذه بل له علاقة بحركة المدّ والجزر للحركة الشعبية، بحيث إذا كان في حالة مدّ فإن جمهرة اليسار تتمدد بسهولة، وإن كان في حالة جزر، فإن نهوضه يصبح عسيرا ومن كانوا حوله يغادرون الحلبة وتبتلعهم جمعيات المجتمع المدني أو يتحولون إلى الاستقلالية عن الأحزاب. اليسار صاحب بدائل وله بدائل اقتصادية واجتماعية وغيرها لكن ما يفتقده، هو البديل المباشر للتداول على السلطة الذي يمكن أن يحققه بالتحالف مع قوى أخرى، ديمقراطية وجمهورية. وقد تدفعه تطورات الحياة السياسية إلى القبول بذلك في الغد المنظور. أود أن أشير في ختام هذه الفقرة بأن اليسار صاحب فكر ويناقش على الأفكار والنظريات والمبادئ والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسيادة الوطنية…إلخ. ولتبقى أفكاره ونظرياته وبرامجه متعددة، المهم أن يركز اهتمامه الآن إلى الحد الأدنى الجامع بين مختلف مكوناته والحد الأدنى الذي يمكن أن يوحده مع القوى الديمقراطية والجمهورية.

كيف تقرأ مستقبل اليسار التونسي؟ وهل يمكن توحيده في ظل مناخ سياسي تراجع فيه دور الأحزاب والمنظمات الوسيطة؟

لن يقلق اليسار من التضييق على الأجسام الوسيطة لأنه أمضى حياته في صراع دائم مع السلطة، بما يعني أنه لا يخشى القمع، لأنه مقاوم، لأنه مكافح وعنيد، لأنه تعلّم أن يمشي على جرحه ويقاوم، وأنا على يقين من أنه عائد لا محالة لأن الشعب تسوء أوضاعه باستمرار وهو مضطر للنضال دفاعا عن حقه في الحياة، واليسار موجود كي يحثه على النضال ويطور وعيه إلى نهوضه من أجل خلاصه. وفي ظل حركة التفاعل التي يكون فيها اليسار إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشغالين وعموم الشعب الكادح وفي مقدمة نضالهم على جميع الأصعدة، إنه لا محالة عائد كطائر الفينق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here