أفريقيا برس – تونس. اعتبر السياسي التونسي محمد عبو في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الانتخابات الرئاسية تعد فرصة لإنهاء الحكم العبثي للرئيس قيس سعيد وهي الوسيلة الوحيدة رغم الصعوبة لتغيير الوضع القائم بالبلد بشكل هادئ”، لافتا إلى أنه “حتى في حال فوز سعيد بالانتخابات فأن مسألة المشروعية ستبقى قائمة بسبب تحييد دور المحكمة الإدارية وفق القانون الانتخابي الجديد”.
واختار عبو دعم المرشح زهير المغزاوي في السباق ورأى أن “سبب اختياره يعود لاقتناع المغزاوي بضرورة تطبيق دولة القانون على الجميع ولقدرته على تخليص الديمقراطية التونسية مما تعيشه من انتكاسة”، مؤكدا أن “انتخاب رئيس آخر، والعمل بجدية على الاستفادة من درس انقلاب الرئيس قيس سعيد، ومن درس ديمقراطية مائعة قبل 25 جويلية هي أبرز الحلول للخروج من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها البلاد”.
ومحمد عبو هو محامي وسياسي تونسي، شغل منصب وزير لدى رئيس الحكومة التونسية مكلف بالإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي بعد الثورة التونسية بين ديسمبر 2011 ويونيو 2012، كما شغل منصب وزير دولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة إلياس الفخفاخ بين فبراير ويوليو 2020.
ومحمد عبو هو مناضل وناشط سياسي ضد نظام زين العابدين بن علي رفقة زوجته سامية عبو قبل الثورة التونسية، كما سبق أن كان أمينا عاما لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، كما يعد أحد مؤسسي حزب التيار الديمقراطي الذي اختار الاستقالة من منصبه كأمين عام للحزب في سبتمبر 2020.
حوار آمنة جبران
كيف تقيم المشهد الانتخابي في تونس وسط جدل واسع بسبب تعديل القانون الانتخابي قبيل الرئاسيات وأثناء العملية الانتخابية؟
مشهد غير اعتيادي في تونس، لا هو مشهد انتخابات قبل الثورة التي لم نكن لننتظر فيها النتيجة باعتبارها معلومة مسبقا، ولا هي انتخابات بعد الثورة التي لم تكن نتائجها تزيف، وكانت تتم عامة في كنف الثقة في هيئة الانتخابات وفي القضاء وفي المادة الانتخابية.
انتخابات شارك فيها من شارك ضد قيس سعيد، اعتبارا لكونها قد تكون فرصة لإنهاء انقلاب بانتخابات، وهو أمر قلما حصل في العالم، يزيد في تعقيده قدرة الرئيس المنتهية ولايته على تجاوزات لا يراعي فيها أي ضوابط، كرفض تطبيق أحكام القضاء الإداري وتنقيح القانون الانتخابي في أوج الحملة الانتخابية لسحب رقابة المحكمة الإدارية ورقابة محكمة المحاسبات ومنحهما لقضاء عدلي خاضع له تحت مفعول الخوف.
انتخابات تجرى في ظل سجن كثير من السياسيين وإعلاميين وفي ظل إخضاع لوسائل الإعلام، لا العمومية فقط وإنما الخاصة أيضا.
حسب رأيي، هو تحد يحسب لدعاة المشاركة، لأنه الوسيلة الوحيدة رغم الصعوبة لتغيير الوضع القائم بشكل هادئ، يمنع إذا فاز أحد المعارضين من دخول البلاد في متاهات لن تخرج منها دون أضرار جسيمة، بالنظر لطريق الرئيس المنتهية ولايته في الحكم واستهانته بالقوانين وبحقوق الإنسان، وإهانته لمؤسسات الدولة وطريقته العجيبة في إدارة الدولة.
في ظل تواصل التضييقات والمعركة القانونية بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية، هل تعتقد أن جدل مشروعية نتائج الانتخابات سيطفو على السطح بمجرد الإعلان عنها ما يعني استمرار الأزمة السياسية؟
انتهى كل دور للمحكمة الإدارية بالقانون الجديد، والقضاء العدلي الذي أخذ مكانها فقد لسوء الحظ كل مصداقية، وإن فاز قيس سعيد فمشكلة المشروعية ستبقى قائمة وسيكون لها تأثير على مجريات الأمور.
لماذا اخترت دعم المرشح زهير المغزاوي في السباق الرئاسي، وهل تعتقد أن برنامجه المقترح قادر على تحسين أوضاع التونسيين؟
اختيار المرشح زهير المغزاوي يقوم على فكرة أساسية هي أن مشكلة البلاد الحالية هي طريقة الحكم العبثية التي يتوخاها قيس سعيد، دون نسيان الوضع السيئ الذي عرفته البلاد قبل 25 جويلية 2021، والمغزاوي مقتنع بضرورة القطع مع الفترتين بإرساء دولة قانون ينطبق على الجميع، بما يكفل تخليص الديمقراطية التونسية التي عرفتها البلاد بفضل الثورة من التسيب والانفلاتات والفساد.
ألا تعتقد أن حظوظ منافسي الرئيس قيس سعيد ضعيفة باعتباره المرشح الأوفر حظا أم أن التحركات الاحتجاجية مؤخرا بوسعها فرض تغيير وتحقيق مفاجأة؟
يجب عدم الاطمئنان لمقولة أن قيس سعيد هو الأوفر حظا، كان يمكن أن يكون هذا صحيحا سنة 2022 مثلا، أما الآن فقد يئس من تحسن أدائه أغلب من ناصره، وتفطن المواطنون إلى عدم قدرته على تحسين أوضاعهم المعيشية، بل وإلى أنها ساءت مقارنة بما قبل 25 جويلية، فحبل الشعبوية قصير.
هل برأيك الجدل القانوني بالبلد وسط إصرار السلطة على فرض سياسة الإقصاء زاد من شعبية المعارضة وقوى موقفها في الشارع أكثر؟
الموضوع اليوم لم يعد البحث عن شعبية للمعارضة أو لأطراف فيها، بل للتخلص من حكم إذا استمر، فإنه سيشكل خطرا على البلاد. بعد ذلك تعود الأحزاب إلى دورها في نظام ديمقراطي، ومن المفروض أن تعمل على تغيير أساليب عملها وأن تستفيد من النكسة.
لماذا اخترت عدم المشاركة في السباق الرئاسي رغم ما تحظى به من شعبية وباعتبارك أحد أبرز المنافسين على الرئاسيات في انتخابات 2019؟
أعلنت في سبتمبر 2020 بعدي عن السياسة والمسؤوليات الحزبية وأني لم أعد معنيا بالترشح لأي منصب، واخترت العمل باستقلالية عن الجميع، وأفضل هذا الوضع على العودة إلى تجارب خضتها واستخلصت منها نتائج لا تجعلني أفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية أو غيرها.
كوزير سابق مكلف بمكافحة الفساد، كيف تقيم جهود الحكومات في مرحلة ما بعد 25 جويلية في إدارة هذا الملف؟
نظام قيس سعيد فتح بعض ملفات الفساد التي لم تكن لتفتح قبل 25 جويلية 2021، ولكنها فقدت كل قيمتها لتسييس الملفات والتحكم في القضاء إلى درجة فقدان أعماله لكل مصداقية، والإفراط في توجيه التهم لأبرياء، كما تم تسجيل حماية لفاسدين آخرين أو جدد، وهذا لا يمكن الحديث معه عن مكافحة فساد وإنما عن تدمير لمؤسسات الدولة، وعن ظهور أشكال فساد كتعيين قضاة لمجرد كونهم طيعين وهو شكل من أشكال الفساد.
فشلت المحاولات الجدية لمقاومة الفساد، ثم تشوه هذا الموضوع بممارسات نظام قيس سعيد، وأخشى في المستقبل أن يسعى البعض لتتفيه موضوع مكافحة الفساد، إذ هو مع مشروع دولة القانون والمؤسسات عامة من أهم شروط بناء أنظمة ديمقراطية متقدمة.
في تقديركم كيف يمكن الخروج من الأزمة السياسية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ونقل تونس إلى بر الاستقرار؟
تكونت قناعة كون بقاء السيد قيس سعيد في الحكم، سيؤدي إلى تدهور المناخ العام في تونس، وصورتها في الخارج، وسيضر هذا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالرجل لا يحسن غير الحديث عن المؤامرات ورد كل المشاكل إليها، وهو ما يمنعه من إيجاد الحلول كما أن الإدارة التونسية تعمل في مناخ خوف يمنع كبار مسؤوليها من النصح خشية العقاب، وهذا سبب كاف لعدم توقع أي تطور ببقائه.
انتخاب رئيس آخر، والعمل بجدية على الاستفادة من درس انقلاب قيس سعيد، ومن درس ديمقراطية مائعة لا يسود فيها القانون كانت قائمة قبل قيس سعيد، هو ما سيسمح بتطور تونس التي لا تنقصها الأفكار ولا الكفاءات، وقتها نتحدث عن استقرار، وعن بلاد تحفز على العمل والإبداع والاستثمار وخلق الثروة، بدل الوضع الحالي الذي تطغى فيه فكرة الهجرة بنوعيها الشرعي وغير الشرعي لدى فئات واسعة في المجتمع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس