هل انتهى الانتقال الديمقراطي في تونس؟

هل انتهى الانتقال الديمقراطي في تونس؟
هل انتهى الانتقال الديمقراطي في تونس؟

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. كتب الزميل زياد كريشان مقالاً لافتاً في صحيفته “المغرب” التي لم يصل إليها بعد مقصّ الرقيب في تونس، وكان عنوانه مثيراً “نهاية الانتقال الديمقراطي”، اعتبر فيه أن الأحكام التي صدرت أخيراً في شأن المُحالين في قضيتي “التآمر على أمن الدولة” مثلت، بحسب رأيه، “الأسفين الأخير الذي أغلق تجربة السنوات العشر الأولى للثورة”، المعروفة بـ”الانتقال الديمقراطي”. وخلص إلى أن “ما ستحفظه الذاكرة، بغض النظر عن كل التفاصيل والجزئيات، أن الدولة التونسية قد حاكمت الانتقال الديمقراطي برمّته، وحاكمت شخصياتٍ ذنبها الوحيد الاهتمام والمساهمة في الشأن العام من مواقع مختلفة، بل متناقضة أحياناً”. وبمحاكمة هؤلاء الذين أبرز خصال بعضهم في هذه المرحلة، تكون الدولة قد “وضعت القوس النهائي للانتقال الديمقراطي”…. جزءٌ مهمٌّ من المنطلقات والمقدمات التي بني عليها المقال صحيحة ومهمّة، لكن الحكم القاطع الذي انتهى إليها الكاتب يحتاج إلى بعض التدقيق والمناقشة.

صحيحٌ أن الرئيس قيس سعيّد عمل، بكل قوة، على إلغاء “الانتقال الديمقراطي” الذي رأى فيه صيغة مناقضة للديمقراطية القاعدية التي اعتبرها “الديمقراطية الحقيقية”. ونجح على هذا الأساس في إلغاء كل المؤسّسات التي جاءت بها العشرية السابقة، مثل الحكومات الائتلافية المنبثقة عن أحزاب، وبقية الهياكل الرقابية العديدة. كما ذهب شوطاً واسعاً في طريق قطع الطريق أمام الهياكل الوسيطة. ونجح في محاكمة (واعتقال) أبرز الشخصيات المعارضة لحكمه، منهم أخيراً المناضل الديمقراطي أحمد نجيب الشابي الذي عارض السلطة منذ ستينيات القرن الماضي. شخصية كارزمية ثابتة على مبادئها، ومتمسّكة بمرجعيتها المبدئية. كما تم اعتقال عياشي الهمامي المحامي الصلب الذي يشهد تاريخه أيضاً بإصراره على مواجهة الاستبداد في كل المراحل والأشكال. وتشهد على ذلك كلماته التي توجّه بها إلى التونسيين قبل اعتقاله عبر “الفيديو”، عندما أعلمهم بأنه “سيجعل من زنزانته ساحة نضال”، من خلال إضرابه عن الطعام. كما جرى إيقاف شيماء عيسى التي تحدّت الرئيس سعيّد بشكل مذهل، لتجد نفسها تبيت على سرير سنية الدهماني.

سؤال لا يمكن تجاهله: هل ما جرى في السنتين الماضيتين كاف للقول إن مرحلة الانتقال الديمقراطي انتهت؟…. تفيد المعطيات التي تظهر على الشاشة بأن من السابق لأوانه الحكم بنهاية قوس الانتقال الديمقراطي. لا يزال الجسم السياسي والاجتماعي يتحرّك ولم يستسلم بعد، فأنصار الأحزاب والمجتمع المدني لا يزالون يتحرّكون بفاعلية متفاوتة. حتى الذين انحازوا إلى السلطة عدّلوا عقارب ساعاتهم. كما أن اتحاد الشغل، رغم أمراضه المزمنة، لا تزال هياكله مؤثّرة، وقراره المتعلق بالإضراب العام مؤشّر على صمود النقابيين وبقائهم ضمن دائرة الفعل. كما أن الحركات الاجتماعية مستمرّة في توليد موجات احتجاج الواحدة تلو الأخرى، ويبقى قرار الساهرين على حراك مدينة قابس القيام بإضراب جهوي يومين دليل قاطع على ذلك. يضاف إلى ما سبق القلق الذي يسود أوساط رجال الأعمال والتجار وذوي المصالح، الذين لا يمكن تجاهل تأثيرهم في المنعطفات التي تمرّ بها البلاد.

صحيحٌ أن الأوضاع الإقليمية والدولية تعيش حالة ترقب وتضارب في المصالح، وتراجع في سلم القيم الديمقراطية والتعايش السلمي، وهو ما يساعد الدول التي تديرها حكوماتٌ شعبويةٌ يمينية، لكن من شأن ذلك أيضاً أن يعزّز رغبات بعضها في التدخل في شؤون البلدان الصغيرة والضعيفة، ويزيد، بشكل واع أو غير واع، من حدّة الاضطرابات السياسية والاجتماعية نتيجة محدودية الدعم وتصاعد المخاطر.

لعل ما تقدّم هو ما قصده صاحب المقال، عندما كتب في نهايته “ما قد يخفى عن الدولة أن غلق قوس سيفتح ضرورة آخر، وأن الحرية حلم لا ولن يموت مهما كانت التضحيات من أجله”. وإذا كان العزوف عن السياسة حصل نتيجة الأخطاء الرهيبة التي ارتكبت خلال العشرية السابقة، فإن تغوّل السلطة السياسية من جديد قد تقود إلى عودة الانشغال بالشأن العام لدى شريحة الشباب بالخصوص… لننتظر ما الذي سيحصل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here