أفريقيا برس – تونس. تُنبئ الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس بمزيد من التدهور في المشهد الأمني والسياسي الداخلي وتُنذر بإعادة رسم موازين القوى بين الفصائل المسلحة وسط تصاعد الصراع على النفوذ.
ولا تقف تداعيات هذا التصعيد عند حدود ليبيا، بل تمتد لتلقي بظلالها الثقيلة على استقرار المنطقة برمّتها، خصوصا على تونس التي تجد نفسها من جديد في مواجهة موجة معقدة من التحديات المرتبطة بالتطورات الليبية، وعلى رأسها تهديد الأمن الحدودي، وتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
وشهدت أمس العاصمة الليبية طرابلس اشتباكات عنيفة امتدت لساعات بين كتائب مسلحة محسوبة على حكومة الوحدة الوطنية، وجهاز الدعم والاستقرار، بسبب خلافات على إدارة بعض مؤسسات الدولة في العاصمة طرابلس.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل آمر جهاز الدعم والاستقرار في طرابلس عبد الغني الككلي الملقب بـ “”غنيوة”، أحد أبرز قادة الميليشيات في العاصمة طرابلس، في حدث يعكس عمق الصراع بين الفصائل المسلحة ويُنذر بمزيد من التوتر في المشهد الليبي الداخلي، بحسب محللين.
وكان عبد الغني الككلي قد تولى قيادة جهاز دعم الاستقرار بموجب قرار حكومي في يناير/كانون الثاني 2021، وهو يعتبر من الشخصيات ذات النفوذ الواسع على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ورغم إعلان وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، في بيان لها، عن استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من انزلاق المشهد إلى موجة جديدة من العنف المسلح، خصوصا في ظل الاحتقان المتصاعد بين الفصائل وغياب حلول سياسية مستدامة.
توجه ليبي نحو تقليص دور الكتائب المسلحة
وقد حذّر مراقبون محليون ودوليون من أن مقتل عبد الغني الككلي، باعتباره أحد أبرز الفاعلين الميدانيين، قد يُشكل شرارة لتصعيد أمني جديد قد يتجاوز حدود طرابلس، وينذر بمواجهات أوسع قد تكون تبعاتها كارثية على المدنيين، خاصة في ظل تداخل النفوذ بين الجماعات المسلحة في مناطق عدة، وغياب مؤسسات أمنية موحدة وقادرة على فرض النظام.
وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان والمتابع عن كثب للشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير، إن الاشتباكات الأخيرة التي حدثت في العاصمة الليبية كانت متوقعة بالنظر إلى حجم الخلافات بين الأطراف المسلحة في طرابلس والتي ينقسم ولائها بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي.
وأوضح عبد الكبير أن “غنيوة” الذي تمت تصفيته والاستيلاء على جميع المقرات الخاضعة لسيطرته، كان يتعامل بشكل مباشر مع المجلس الرئاسي وأصبح عنصرا رئيسيا في أجهزة أمن طرابلس”.
وأضاف: “لا بد من الإشارة إلى أن تصفية غنيوة جاءت بعد أسبوع من الاقتحام المسلح الذي شنته قوات تابعة له لمقر الشركة العامة للاتصالات القابضة وسط طرابلس وعزله لرئيس مجلس إدارتها، وهو ما أسهم في تأجج الوضع”.
ولفت عبد الكبير إلى أن “بيان وزارة الداخلية يثبت أن عملية تصفية “غنيوة” كانت مدبرة وتم الإعداد لها منذ البداية، وهي تعكس توجها نحو إنهاء دور الكتائب المسلحة في ليبيا وحصرها في الأطر الحكومية”، وفقا لقوله.
وفي بيانها، ذكرت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية أن “العملية العسكرية في طرابلس انتهت بنجاح بعد السيطرة على منطقة أبو سليم”، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية تؤدي واجبها على أكمل وجه في حفظ الأمن والنظام العام.
قلق تونسي
وفي الإطار، قال المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، إن الاستقرار الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية ليس سوى “استقرارا مؤقتا”.
وشدد على أن “الاشتباكات الأخيرة واستهداف آمر جهاز الدعم والاستقرار في طرابلس عبد الغني الككلي يعكس حدّة التوتر والنزاع بين الأطراف الليبية من ناحية وبين القوى المتدخلة في هذا الصراع”.
وقال العبيدي إن عودة الهدوء هو بمثابة الهدنة المؤقتة إلى حين استعادة الأطراف المتصارعة لأنفاسها، متوقعا ردة فعل في الأيام القادمة. وشدد على أن الاستقرار في ليبيا يبدو حاليا مستحيلا في ظل إصرار قوى الهيمنة في ليبيا على اقتسام نصيبهم من الكعكة.
وحذّر العبيدي من انعكاسات التوتر الأمني في ليبيا على تونس بوصفها دولة جوار، مشيرا إلى أن استفحال الوضع سيؤدي إلى الاضرار بالمبادلات التجارية الهامة بين البلدين وسيؤثر على القبائل والعائلات التي تقطن على تخوم الدولتين.
وتابع: “لا يمكن أن تكون تونس غير معنية بالتوترات الأخيرة في ليبيا التي تمثّل سوقا هامة للاقتصاد التونسي بما يزيد عن 850 مليون دولار من الصادرات، دون الحديث عن التأثيرات على السياحة الطبية والاستشفائية التي يمثل الليبيون أحد أبرز مكوناتها”.
عملية محدودة في الزمان
على الطرف المقابل، يقلل المحلل السياسي والخبير في الشأن الليبي غازي معلا، من حجم انعكاسات التطورات الأخيرة في ليبيا على تونس سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية.
وأوضح: “هذه العملية هي عملية محدودة في الزمان والمكان، وقد تم الإعلان عن انتهائها عسكريا منذ ساعات الصباح الأولى، ولكن ربما نرى ارتداداتها السياسية في قادم الأيام”.
ويتفق معلا مع عبد الله العبيدي في أن تصفية “غنيوة” قد خطط لها بشكل مسبقا، مضيفا: “اجتماع الإخوة الأعداء في طرابلس ليلة أمس انتهى باغتيال غنيوة واستهداف جهاز دعم الاستقرار الذي انهار بسرعة ولم يُظهر أي محاولة للصمود”.
ولفت معلا إلى أن تصفية غنيوة تعكس صراعا على النفوذ بين الأطراف الليبية، خاصة وأن غنيوة كان يسيطر على منطقة شاسعة من العاصمة طرابلس وكان فاعلا أمنيا وسياسيا واقتصاديا، ويتقاسم النفوذ مع بعض الوزارات وكان يسيطر حتى على بعض المؤسسات الوطنية الليبية التي تدر أموالا طائلة.
وأوضح: “بدأ الصراع بين جهاز دعم الاستقرار والحكومة حول بعض المؤسسات أهمها مؤسسة الرقابة المالية ثم مؤسسة الاتصالات التي حاول غنيوة الاستيلاء عليها بقوة السلاح، وهو ما دفع الأطراف المقابلة إلى كبح جماحه من خلال تصفيته”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس