آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قيّم الصحفي والمحلل السياسي وسام حمدي، في حواره مع “أفريقيا برس”، المشهد التونسي بعد مرور أربع سنوات على انطلاق مسار 25 جويلية، ورأى أن “البلاد عادت إلى مربع التضييق والقمع والاستبداد، والزجّ بالناس في السجون من أجل آراء معارضة للنظام، حيث تخطى الرئيس قيس سعيّد كل الحواجز في علاقة بملف الحريات”، وفق تعبيره.
واعتبر أن “اختيار الرئيس سعيّد نهجًا أحاديًا في الحكم”، إضافة إلى “إبعاده أهم الفاعلين في المجال الاقتصادي من منظمات ومراكز تفكير، على غرار القوى السياسية والمدنية، عمّق من أزمات البلاد أكثر”.
وأشار إلى أن “الأسباب تتعدّد منذ جويلية 2021، ما يفرض على المعارضة التونسية التخلي عن منطق المراهقة السياسية والأحقاد الأيديولوجية، من أجل بناء جبهات سياسية مرحلية قادرة على منافسة سعيّد في الشارع والفضاءات العامة. لكن، مع ذلك، لا تلوح في الأفق أي بوادر توحّد”، لافتًا إلى أن “المعارضة التي تنتظر هدية من السماء لن تهزم تسلّط سعيّد”، وأن “الوقت قد حان لتقوم المعارضة بثورة على نفسها من خلال مراجعات ذاتية لتجربتها السياسية في العقد الأخير”.
ووسام حمدي هو صحفي ومحلل سياسي تونسي.
كيف تقيم المشهد السياسي التونسي منذ انطلاق مسار 25 جويلية وخاصة سياسات الرئيس قيس سعيد في إدارة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟
في الحقيقة منذ 25 جويلية 2021،ومنذ تفرد الرئيس قيس سعيد بالسلطة ومنح نفسه سلطات واسعة تكاد تكون ملكية لم يتمتع بها أي رئيس منذ استقلال البلاد،لم يعد بإمكاننا الحديث عن مشهد سياسي بالمفهوم المعتاد الذي عرفه الشارع التونسي بعد ثورة 2011.
بعد أن تحرر الناس طيلة عقد كامل بعد الثورة، وفتحت الأبواب أمام الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية وأفكارهم للتعبير عن آرائهم السياسية سواء كان ذلك عبر التنظم في أحزاب أو منظمات أو عبر المجتمع المدني أو من خلال حرية الصحافة والنشر، للأسف منذ تولي سعيد السلطة عادت البلاد إلى المربع الأول، مربع القمع والتضييق والاستبداد والزج بالناس في السجون من أجل آراء معارضة للنظام.
للأسف وبلا أي مزايدة، فإن الرئيس قيس سعيد تخطى كل الحواجز في علاقة بملفات الحريات، حيث يرفع شعار “لا رجوع إلى الوراء” منذ عام 2019، لكنه يفعل على أرض الواقع عكس ذلك تماما من خلال اعتماد السلطة التي يقودها وبطريقة ممنهجة على سياسة تكميم الأفواه، التي تكبل السياسيين والصحافيين وأصحاب الرأي، عبر عدة إجراءات قانونية مشددة لا تتناسق مع مبادئ وروح ثورة 2011.
وفي تقييمنا، للمشهد السياسي في الخمس سنوات الأخيرة، فإنه يمكن القول إن قيس سعيد غذى لدى طيف واسع من النخبة شعورا بأن الفترة التي حكمت فيها حركة النهضة برغم كل ما حصل فيها من خراب وتدمير ممنهج، باتت تعد أفضل بكثير من الفترة الحالية على الأقل في ما يتعلق باحترام الحريات وحرية التعبير، التي كانت مكفولة للجميع بما في ذلك قيس سعيد الذي مارس حريته في الترشح للرئاسة عام 2019 بلا تضييق وفاز في النهاية بكرسي قرطاج، ثم تنكر للدستور الذي انتخب به واستبدله بدستور أعده وأخرجه وحده دون تشريك أحد معه.
وقد تُرجم التوجه السلطوي الاستبدادي في عهد سعيد على أرض الواقع خاصة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2024، حيث تم الزج بمترشحين في السجن، فيما فر آخرون من البلاد خوفا من الملاحقات. وبالتالي لا يمكننا البتة الآن الحديث عن مشهد سياسي في تونس بقدر ما يمكننا الحديث عن عزف أحادي الجانب تغيب عنه التعددية، ويغيب عنه الحق في الاختلاف، بحيث أصبح كل معارض لخيارات سعيد متهما باللاوطنية والخيانة والتآمر وفق ما يشيعه الرئيس لأنصاره.
أما في ما يخص سؤالك، بشأن إدارة الرئيس سعيد للملفات الاقتصادية والاجتماعية، فيمكن القول أنه قد فشل أيضا منذ ست سنوات من الحكم في حل أي من الملفات العالقة في البلاد والتي قامت من أجلها ثورة تحت شعار “شغل، حرية، كرامة وطنية”، فكل المؤشرات الاقتصادية في تراجع وكل هذا يشعر به المواطن عندما يخرج للتسوق، حيث ارتفعت الأسعار ثلاثة مرات على ما كانت عليه قبل وصول سعيد إلى الحكم. كما ظلت نسب التضخم مرتفعة وبقيت نسب البطالة عالية جدا في حدود 15 بالمئة.
وفي إعتقادي تعود كل أسباب هذا الفشل في إخراج تونس من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، إلى اختيار سعيد نهجا أحاديا حمّل فيه نفسه كل مسؤوليات الفشل، حيث اختار عدم التعويل على الكفاءات الحقيقية، وذلك عبر تعنته في تنصيب جزء كبير من المسؤولين الذين لا علاقة لهم بالمناصب الهامة، التي أوكلت لهم خاصة في ما يخص أدق تفاصيل الملف الاقتصادي.
كما اختار قيس سعيد طريقا صعبة ومستحيلة، تتمثل في كونه لم يفهم الآن ما معنى أن تكون رئيسا للدولة، حيث يريد قيس سعيد أن يلعب دور الرئيس والوزير والمدير العام والوالي والمعتمد والعمدة في آن واحد دون أن يعين مسؤولين مختصين وأكفاء يهتمون بالملفات الحارقة، ويقدمون تصورات حقيقية تساهم بالفعل في تغيير منوال التنمية في البلاد وتخلق الثروة.
وللأسف لكي يغطي الرئيس سعيد على كل هذا الفشل، ظل يقوم دائما بتحميل المسؤولية للآخرين، لذلك تتكرر منذ إمساكه بالسلطة عمليات الإقالات والإعفاءات التي لم تجد نفعا، لأن المسألة لا تتعلق بالأشخاص فحسب بقدر ما تتعلق ضرورة إرساء سياسة دولة واضحة يهندسها ويسطرها قائد السلطة الحاكمة.
ومن بين أهم العوامل الأخرى التي جعلت البلاد تتأخر اقتصاديا واجتماعيا بدل أن تتطور ايجابيا، تمسك قيس سعيد، بإبعاد أهم الفاعلين في المجال الاقتصادي من منظمات ومراكز تفكير كان بإمكانها أن تساهم في البحث على حلول في إطار حوار وطني جامع يبحث فيه الجميع عن مصلحة البلد بدل التشبث بأنانية لا تبحث إلا على المحافظة على كرسي الحكم وتأبيده إلى أجل غير معلوم.
ربما يعتقد من يسمع هذا الكلام، أن كل ما قيل هو مجرد اتهامات مبنية على انطباع شخصي رافض لسلطة قيس سعيد، لكن هذا غير صحيح، حيث تظهر كل المؤشرات حجم الفشل والدليل على ذلك أن سعيد رفع شعارا لأنصاره قوامه “التعويل على الذات”، لكن ما يحصل على أرض الواقع مغاير تماما لذلك. إذ بات دور البرلمان مقتصرا تقريبا على المصادقة على القروض الخارجية، حيث بلغ عدد القروض في اقل من عامين تقريبا 31 قرضا وهو رقم مفزع يواصل في رهن البلاد اقتصاديا لدوائر مالية خارجية.
ولنلخص ملمح الفشل الاقتصادي والاجتماعي، فإن أبرز مثال قد يظهر ما يحصل من مخاطر يتمثل أساسا في أن قيس سعيد ظل منذ ست سنوات يحارب طرفا مجهولا بتكراره في كل بيان أنه يحارب المحتكرين والمضاربين والخونة والعملاء دون أن نرى تحسنا حقيقيا في علاقة بجيب المواطن.
في ظل الحراك الحقوقي التي تشهده تونس مؤخرا، هل بوسع المعارضة التونسية التوحد في مواجهة سياسات الرئيس في هذا الملف؟
تتعدد منذ 25 جويلية 2021، كل الأسباب الموضوعية التي تحتم على المعارضة التونسية التخلي على منطقي المراهقة السياسية والأحقاد الأيديولوجية من أجل بناء جبهات سياسية مرحلية تكون قادرة على منافسة قيس سعيد في الشارع والفضاءات العامة، لكن رغم أن السلطة الحالية ضربت وقمعت كل التوجهات السياسية يمينا ووسطا ويسارا وزجت بجزء هام من قادتها وقواعدها في السجون، فإنه لا تلوح في الأفق أي بوادر توحد على قاعدة أرضية سياسية مشتركة تكون مرحلية، وليس تحالفا دائما يكون بمقدورها دفع سعيد على فتح قنوات الحوار معها.
وفي الحقيقة لم تع المعارضة التونسية بمختلف أطيافها إلى الآن أنه قد حان وقت ثورتها على نفسها عبر القيام بمراجعات ذاتية ستمكنها بالنهاية من اكتشاف أنها مازالت تسلك نفس الطريق، التي جعلت الشارع يرفضها ويختار مجددا عبادة الشخص الواحد مهما كانت توجهاته حتى، وإن كانت شعبوبة وبعيدة على الواقع.
وباستثناء بعض الوقفات الاحتجاجية المساندة للمساجين من السياسيين وأصحاب الرأي الذين يعاقبون تحت طائلة المرسوم 54 سيء الذكر، فإنه يمكن القول أن المعارضة لم تتمكن إلى الآن من ابتداع وخلق طرق عمل جديدة تمكنها في المدى القريب أو المتوسط من لعب دور وازن بإمكانه تعديل موازين القوى السياسية في البلاد التي لم تعد تتحمّل أن تبقى رهينة سياسات مزاجية يقودها شخص واحد ينطق باسم الشعب كما يشاء وقتما يشاء دون استشارة أحد.
كيف يمكن للمعارضة اليوم تحسين علاقتها مع الشارع الذي يحملها مسؤولية الفشل في إدارة البلاد في العشرية الأخيرة؟
ليس أمام المعارضة سوى طريقين لا ثالث لهما، الأول أن تعيد مراجعة حساباتها عبر قيامها بنقد ذاتي لممارستها للفعل السياسي في العقد الأخير، ويتعلق الأمر خاصة بالأحزاب التي شاركت في الحكم بعد الثورة.
أما الطريق الثانية، فأعتقد أنها تتمثل في أن تغير مختلف الأحزاب الكلاسيكية والأيديولوجية على وجه التحديد من طرق عملها وابتكار أساليب جديدة تكون مواكبة للعصر والتطورات لتتمكن من جديد من كسب ثقة الشارع بصفة نسبية على الأقل. ولا أعتقد أن ذلك سيكون ممكنا ما إن لم تقم هذه الأحزاب بالرهان على قياداتها الشابة وخاصة التخلي على خطاباتها المجترة التي سئمها الناس وكانت سببا رئيسيا في رفضها شعبيا وحتى عبر ما يسمى الصندوق، رغم أن كل المؤشرات تؤكد حقيقة أن الانتخابات الأخيرة كانت شكلية وصورية ومعلومة نتائجها حتى قبل أن يتم إجراؤها.
وعلاوة على كل هذا يجب أيضا على طيف واسع من المعارضة أن يتخلى على بعض التعالي عند مخاطبة الناس، لأن من يرجحون كفة الطرف الفائز دائما بالسلطة، ليس ما يسمى بالنخبة، بل العوام والبسطاء الذين يمثلون الطبقة الأكبر في البلاد عدديا، والذين يعتبرون بالنهاية أن مفهوم الديمقراطية هو نخبوي لم ينتجه الفلاسفة من أجل البسطاء. بالتالي من الضروري فهم هذه المعادلة إن أرادت المعارضة لعب دور في المستقبل القريب.
بعد إعلانه عن تحديد موعد لمؤتمره، هل بوسع اتحاد الشغل تجاوز خلافاته وتوحيد بيته الداخلي والعودة إلى نشاطه النقابي بأكثر تماسك؟
في الحقيقة، لئن تعتبر الخطوة التي اتخذتها الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل متأخرة قليلا من خلال الإعلان عن عقد مؤتمر المنظمة في العام القادم، فإنه لا يمكن إيجاد مخرج للأزمة الداخلية لأعرق منظمة عمالية في البلاد سوى عبر هذا الحل لتجنب تفكك منظمة عتيدة رافقت التونسيين في مختلف الحقبات السياسية للبلاد منذ الاستعمار وبعد الاستقلال وكان لها تاريخ حافل بالانجازات النضالية والنجاحات المحققة لفائدة منظوريها.
ويعد الإعلان عن موعد المؤتمر حلا مناسبا في هذه الظرفية، كي لا ينزلق الاتحاد نحو أكبر أزمة داخلية منذ تأسيسه، حيث وعلى عكس ما يعتقد الكثير من الناس، فان اتحاد الشغل ليس منظمة شغلية عادية تقتصر مهامها على ماهو نقابي تقني، إذ يتكون نسيج المنظمة من روافد سياسية مختلفة التوجهات كل منها يدفع بكل ما أوتي من قوة نحو توجهه.
ويمكن تلخيص أزمة الاتحاد الحالية في تصادم ثلاث جهات أساسية داخلها وهي المركزية النقابية من جهة وأطراف سياسية داخلها تدفع نحو التناغم مع السلطة والتطبيع مع كل خطواتها من جهة. أما الطرف الثالث فيتمثل في قواعد تهدف أساسا لتحجيم دور المركزية النقابية ودفعها للتخلي على سياسة اتخاذ قرارات أحادية بصفة غير ديمقراطية، وهنا نقصد القواعد التي رفضت منذ البداية إقدام المكتب التنفيذي على تعديل الفصل 20 المثير للجدل في السنوات الأخيرة.
لكن بالنهاية ومهما كانت الاختلافات داخل اتحاد الشغل، فإن المؤتمر القادم سيكون منعرجا حاسما في تاريخ المنظمة، فإما أن يعود اتحاد “فرحات حشاد” إلى سكة المقاومة لبعض توجهات الدولة، التي تضر بعموم العمال والموظفين، وإما أن تدخل في منعرج أن تصبح أشبه بجهاز مهمته تلميع صورة السلطة.
لكن يبقى الرهان الحقيقي هنا على القواعد التي أثبتت في مختلف المراحل أن ولاءها يكون دائما للاتحاد وليس للأشخاص، وهو ما قد يعيد صوت المنظمة من جديد في المشهد وبقوة بعدما ركنت في السنوات الأخيرة إلى الصمت والتعامل بحذر شديد مع سلطة قيس سعيد لعوامل يطول شرحها جعلتها تعجز أحيانا حتى على الاصداح بوضوح وبصوت عال ضد كل ما مورس من قمع وسجن ضد نقابيين وأصحاب رأي وسياسيين.
هناك استمرار لتعطل المشاريع الاقتصادية والتنموية في تونس، هل يعود ذلك لعجز مالي من السلطة أم عراقيل بيروقراطية؟
في الحقيقة هذا الملف الشائك والمتعلق بتعطل العديد من المشاريع التنموية، لا يمكن أن نحمله فقط للسلطة الحالية بقيادة قيس سعيد، حيث أصبح بمثابة ركن قار ضمن سياسات الدولة منذ عقود ويعود ذلك لعدة أسباب منها ماهو سياسي وماهو متعلق أساسا بالتعقيدات الإدارية التي لم تواكب تطورات العصر.
ورغم أن قيس سعيد بدوره يرفع منذ توليه السلطة شعار “التحرير الوطني”، إلا أن العشرات من المشاريع الاقتصادية العملاقة مازالت عالقة ولم تتحرك قيد أنملة على رأي قيس سعيد، ويعود ذلك أساسا إلى غياب رؤية واضحة تقطع مع الماضي وخاصة سيطرة بارونات بعينها على مختلف هذه المشاريع.
وبالإضافة إلى وجود الكثير من الدلالات على ثبوت وجود تلاعب وفساد في الكثير من الصفقات العمومية التي ظلت تراوح مكانها منذ عشرات السنوات، فإن مختلف الحكومات والسلطات المتعاقبة لم تستطع ضرب المفسدين، إما لأنها لا تملك تصورات أو رغبة في ذلك أو لأنها انخرطت في التطبيع مع هذا الفساد الذي عطّل نهضة وتطور الدولة.
وفي اعتقادي، يتمثل السبب الرئيسي في تعطّل العشرات من المشاريع الضخمة، في عدم تمكن الدولة من مواكبة التطورات خاصة في ما يتعلق بحزمة كبيرة من التعقيدات الإدارية التي تساهم دائما في تنفير جل المستثمرين الأجانب أو رجال الأعمال من القطاع الخاص الذين يريدون ربط شراكات متينة مع الدولة لإنجاز هذه المشاريع، والدليل على ذلك أن الإدارة التونسية ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي مازالت تتعامل مع شركائها بحزمات ورق أو عبر الفاكس ووسائل اتصال تقليدية دفنها العالم المتطور منذ سنوات.
وكل هذه العوامل جعلت عدة مشاريع مرصودة أموالها في كل موازنات الدولة في السنوات الأخيرة مصدرا للتندر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا أستحضر على سبيل المثال لا الحصر، أن مشروع المترو الخفيف بولاية صفاقس، والذي أعلن عنه منذ عشرات السنوات، قد تقاعد مديره العام في السنة الماضية والحال أن الزائر لولاية صفاقس لا يري لا سكك مترو ولا مترو من أصله فقط يرى بناية شاهقة تعج بالموظفين يتسلمون رواتبهم من دافعي الضرائب، دون أن ينجز أي شيء في المشروع المذكور.
كيف تقيم أداء الدبلوماسية التونسية خاصة في الملف الليبي، هل بوسعها تحقيق تأثير مباشر في هذا الملف خاصة بعد استضافتها مؤخرا للحوار السياسي الليبي؟
للأسف رغم أن تونس تعتبر أقرب طرف تاريخيا وشعبيا لليبيا ورغم عمق العلاقات وتجذرها بين شعبي البلدين، فإن كل من أمسك بسلطة البلاد منذ عام 2011، لم يتمكن من لعب الدور الضروري المناط بعهدته في علاقة بالملف الليبي.
لقد اقتصرت محاولات حكام تونس بما في ذلك مؤخرا قيس سعيد لرأب الصدع بين الفرقاء في ليبيا على تلك السياسات الدبلوماسية المعتادة الداعية إلى اجتماع الخصوم على طاولة واحدة إما بصفة أحادية أو عبر التحرك مع دول الجوار الليبي كمصر والجزائر والتحرك في نفس الدائرة المغلقة التي أدت تقريبا إلى مخرجات آلت جلها إلى الفشل.
ومع تفجر الوضع مؤخرا في الداخل الليبي بين الفرقاء خاصة في طرابلس بعد مقتل قائد أحد أهم الميليشيات في طرابلس عبد الغني الككلي، أعتقد أنه حان الوقت أن تلعب تونس دورا دبلوماسيا نشيطا أكثر مما عهدناه، لكن شريطة عدم الانسياق وراء تبجيل طرف على طرف آخر أو الانزلاق وراء سياسات المحاور الخارجية المتصارعة على ليبيا.
ومن واجب تونس أن تلعب هذا الدور أكثر من أي وقت مضى ليس فقط من أجل إرساء الأمن والسلام في ليبيا، بل أيضا من أجل الحفاظ على أمنها، لأن أمن تونس ومن امن ليبيا والعكس بالعكس.
وعلى صعيد دبلوماسي آخر، يمكن القول حقيقة أن الدبلوماسية التونسية لم تكن فعالة بالشكل المطلوب في علاقة بالملف الليبي، حيث لم تتمكن من نسج علاقات تمكنها من الفوز بصفقات اقتصادية تكون مربحة للطرفين، حيث بات من الضروري على تونس بحكم قربها الجغرافي وعلاقة الشعبين أن تكون ذات أولوية في كل المشاريع الاقتصادية التي ترنو ليبيا لانجازها خاصة في ما يتعلق بإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
ونلاحظ هنا حقيقة وجود غياب لافت لتونس في مثل هذه الملفات، عكس مصر على سبيل المثال، التي تمكنت في السنوات الأخيرة من توقيع اتفاقيات استثمارية هامة بملايين الدولارات ستمكنها خاصة من تزويد السوق الليبية بالآلاف من اليد العاملة.
ولا تعتبر مثل هذه الخطوات التي نتحدث عنها من باب الانتهازية السياسية للظرف بقدر ماهي دبلوماسية نشيطة تراعي مصلحة تونس وتكون مربحة في الآن ذاته لليبيا على جميع المستويات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس