أفريقيا برس – تونس. شهدت تونس،الاثنين،انطلاق أولى جلسات برلمانها الجديد بعد عشرين شهرا على حلّ الرئيس قيس سعيّد البرلمان السابق، وسط تساؤلات عن دور المعارضة المغيبة والمكبلة بضغوط السلطة منذ إجراءات 25 جويلية في المشهد السياسي.
والبرلمان الجديد منبثق عن الانتخابات البرلمانية التي جرت دورتها الثانية مطلع العام الجاري وعزف عن المشاركة فيها نحو تسعين في المئة من الناخبين، وذلك إثر استفتاء شعبي أقر دستور جديد يضمن صلاحيات محدودة للبرلمان في مقابل منح الرئيس غالبية السلطات التنفيذية ومنها تعيين الحكومة ورئيسها.
وتتوقع الأوساط السياسية أن تلعب المعارضة داخل البرلمان الجديد دورا محدودا وضئيلا وذلك لأن غالبية النواب من المؤيدين لمسار 25 جويلية، في حين ستغيب الأحزاب السياسية القوية التي شاركت في الحكم طيلة عقد من الزمن عنه، حيث اختارت رفض البرلمان الجديد وانتقاد شرعيته وشرعية المسار الذي ينتهجه الرئيس سعيد، ما يعني أنها ستلعب هذه المرة دورها من خارج الأطر التقليدية.
ومنذ إعلان دستور جديد، أعلنت غالبية الأحزاب مقاطعتها للانتخابات البرلمانية، وقد وقع اعتماد التصويت على أساس الأفراد لا الأحزاب بعد تعديل الرئيس سعيد القانون الانتخابي وأغلب أعضاء البرلمان الجدد هم سياسيون مستقلون ولأنه جرى انتخابهم بنظام الاقتراع على الأفراد، فإنه لم يتضح بعدما إذا كان البرلمان سيضم كتلا برلمانية أو جبهة سياسة معارضة.
برلمان الأقلية
يتألف البرلمان الجديد حاليا من 154 نائبا (من أصل 161 نائبا) لأنه لم يتم انتخاب سبعة نواب عن دوائر خارج البلاد، فيما تشكل النساء حوالي 17 بالمئة من أعضائه.
ويستبعد متابعون أن يكون للبرلمان الجديد أي دور فاعل في المشهد وظل لمحدودية صلاحياته حيث سيكتفي بدوره التشريعي، حيث ليس بإمكان نواب البرلمان دستوريا منح الثقة للحكومة ولا يمكن أن يوجهوا لائحة لوم ضدها، إلا بغالبية ثلثي أعضاء المجلس، بالإضافة إلى ذلك،لا يمكن عزل الرئيس أيًا تكن الأسباب.
وبينما يصر الرئيس على استكمال مشروعه السياسي الذي يعزز النظام الرئاسي ويحد من النظام البرلماني، لن يكون بوسع المعارضة التعبير عن مواقفها المنددة بسبب ضعف تمثيلها النيابي من جهة، فيما ستكون المعارضة من خارج أسوار البرلمان أمام مرمى حملة القمع والتضييق على تحركاتها من جهة أخرى.

ويشير مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في تصريحه لـ “أفريقيا برس” بأن” البرلمان الجديد هو برلمان استثنائي جاء بعد دستور سبقه استفتاء استثنائي ومراسيم استثنائية وقيادة مرحلة استثنائية”.
وبرأيه فهو” برلمان الأقلية المصوتة التي لم تتجاوز نسبة المشاركة 10 بالمئة وهذا أنه يعني برلمان مطعون في شرعيته هو وبرلمان نواب الصدفة ونواب فترة تثير الجدل. ”
وحسب تقدير عبد الكبير” لن يكون البرلمان متجانسا لا لون له ولا رائحة ولا طعم ..هو برلمان دستور2022 الذي أفرغ البرلمان من كل صلاحياته الموكولة له في كل الأنظمة الديمقراطية، برلمان يعمل تحت رقابة السلطة التنفيذية لذلك سيكون مناقضا لنفسه متناقضا مع أهدافه سيكون مناقضا لرؤية ناخبيه هو برلمان التشتت برلمان المرتعش برلمان لا صلاحية له دوره سيقتصر على البروتوكولات الشكلية”.
وتوقع أنه “سريعا ما سينتقده الجميع بما في ذلك ناخبيه وسنرى مشاكل واستقالات عديدة، حيث سيكون ضحية خيارات خاطئة”، حسب تعبيره.
ولا تبدي آراء أخرى بدورها تفاؤلا بعد أن افتتح البلد صفحة جديدة مع انطلاق أعمال البرلمان الجديد، حيث سيواصل الرئيس مساره الفردي فيما ستعجز المعارضة التي فشلت في حشد الشارع في كسب رهان التغيير.

ويلفت الباحث السياسي بشير الجويني في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن” التسعين في المائة التي قاطعت الانتخابات ليست كلها من نصيب المعارضة ولا نصيرة لها بكل أبعادها كما انه في نفس الوقت من خرج في 25 لم يكفر بالديمقراطية بل خرج أملا في الخروج من المأزق واعتقادا أن قيس سعيد سيخلص البلد من العقدة التي وقع فيها”.
مستدركا: “لكننا اليوم أمام شارع تونسي سئم العملية السياسية بشكلها الحالي وهو أمر خطير مهدت له عوامل متعددة منها قيس سعيد وتعفين الأجواء الذي ساهم فيه قسم من المعارضة أيضا. ”
ويستنتج الجويني أن” التونسيون أمام مأزق حقيقي من جهة فقدان الثقة في منظومة سعيد وفي نفس الوقت لم تنضج المعارضة بشكل موحد فضلا عن عدم تقديم خارطة طريق للخروج من الأزمة. ”
وفي ظل محدودية الدور والمساحة التي تبقت للمعارضة وسط عدم اكتراث الشارع بالصراعات السياسية وانشغاله بتداعيات الأزمة الاقتصادية على معيشه اليومي، لن يبقى أمام المعارضة سوى ورقة الحريات للضغط على الرئاسة وإحراجها.
ورقة الحريات
في ظل تمسك الرئاسة بسياسة الإقصاء والتضييق في مواجهة خصومها وسط انتقادات حقوقية محلية ودولية لمحاولتها إسكات الأصوات المعارضة لمسار 25 جويلية، لم يتبقى للمعارضة غير ملف الحريات لفرض حضورها والدفاع عن رؤيتها في المشهد السياسي.
ونددت المعارضة بحملة اعتقالات عشوائية تطال قياداتها، حيث يلاحق القضاء التونسي نحو عشرين معارضا من الصف الأول للرئيس سعيّد وإعلاميين ورجال أعمال، بينهم القيادي في جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك ورجل الأعمال كمال اللطيف والوزير السابق لزهر العكرمي والناشط السياسي خيام التركي ومدير الإذاعة الخاصة “موزاييك اف ام” نور الدين بوطار والقيادي بحزب النهضة نور الدين البحيري.
ويخضع هؤلاء إلى الإيقاف والتحقيق في تهم ترتبط بشبهات بالتآمر على أمن الدولة وبفساد مالي، بينما ترى المعارضة حملة مقاومة الفساد حجة لاستهداف السلطة خصومها.

ويبين القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في تصريح لـ “أفريقيا برس” وذلك قبل خضوعه للإيقاف بأن “ظاهر الصورة أن سعيد قد نجح في فرض أمر واقع جديد بعد تمرير دستوره وبرلمان، فالمهم بالنسبة له طي صفحة شرعية 2014 و2019. ”
ورجح الجلاصي أن” تحصل نقاشات في البرلمان الجديد، وستتعامل الأطراف الخارجية مع هذا الوضع كما تعاملت مع حكومة دون أداء ودون كفاءة، والأرجح أيضا أن البرلمان سيبحث له عن موقع وقد يصبح عبئا على سعيد”.
وتابع الصورة إذن هي مواصلة من سعيد في الهروب إلى الأمام، وهو بهذا يتيح للمعارضة فرصة ذهبية . ولكننا لا نرى المعارضة قادرة على أكثر من الدفاع عن مربع الحريات. فقد أبانت عن عجزها لتجميع الصفوف، كما أبانت عن رفضها الاقتراب من الناس واستعادة ثقتهم.
وخلص الجلاصي بالقول: “البلاد أمام فراغ قيادي وأمام غياب للحلول، وستتواصل محاولات التقارب وستتعدد المبادرات وسيواصل سعيد نهجه الذي لا يسمع فيه أحدا. وأثناء ذلك تواصل البلاد تدوير الفشل حتى انتخابات 2024 ان وقعت أو حتى يخرج الشارع عن صمته ويعبر عن غضبه في وجه الجميع”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس