كتبه: توفيق الزعفوري
إنتهى بورقيبة الشخص منذ عقدين تقريبا، و لا تزال البورقيبية في قلب الصراع و التجاذبات بين الحداثيين و من جاورهم ، أصل تجاري ثابت القيمة و الرمزية في كل إستحقاق، و أصبح تبعا لذلك مسقط رأسه و روضته التي دفن فيها مزارا كمزارات الشيعة في كربلاء و عتبة مقدسة لابد من التبرّك بها و التمسّح بأفكارها…
اليوم أطل علينا عمر صحابو بعد غياب طويل داعيا أمثاله و من يؤمنون بالبورقيبية إلى التوحد في مجابهة المغالطات التي طالت بورقيبة، و علاقته بخصومه…
بورقيبة ، لم يكن محل إجماع من جمهور المثقفين و المؤرخين و المتخصصين في التاريخ المعاصر، كان محل إجماع فقط لدى عامة الناس و الغالبية، لعدة أسباب ليس هنا مجال تحليلها و عرضها، لكن نلاحظ دائما بكائيات، و إهتزازات ، و لطميات كلما تعلق الأمر ب “الزعيم الأوحد، المجاهد الأكبر…” و كأنه من المنزهين المألهين و الأغرب أن مناصري الفكر البورقيبي يرفضون بشكل قاطع كل محاولة، مجرد محاولة لإعادة النظر في البورقيبية، و كأنها مس من الشرف، أو هي- أي المحاولة- رجس من عمل الشيطان، و الحال أن إعادة كتابة التاريخ برمته، هي أمر مؤكد و ضروري، و قد تأخرنا في المضي في هذا الإتجاه، تصحيحا و تبيانا و تقويما ، لا تجريحا أو تشكيكا في صورة أو رمزية.. بأسلوب علمي، مدعم بالوثائق و البراهين و الشهادات، و أرشيف الصدور أيضا و هو لازال متوفرًا…
البورقيبية مازالت مصدر جذب لقوى المعاصرة و التحديث، و لازالت فكرة الزعيم و المجاهد الأكبر تحضى بمرضية واسعة( بضم الرّاء)، وهي تستعمل كالأدوية، صالحة فقط لمن به حساسية ضد الرجل، و ينتهي مفعولها بانتهاء السياق الزمني لأي إستحقاق، و عليه فإن مدة صلوحية البورقيبية تختلف من شخص لآخر، و من مجموعة لأخرى، و من حزب لآخر، المهم أن تكون الفكرة، فكرة البورقيبية، الأصل المتفق عليه و الهدف المنشود، أي أن تكون المنطلق و الغاية في ذات الوقت، و ما بينهما لا يهم، إلا النخبة، أو نخبة النخبة،..
تبدو البورقيبية إذن لدى الحداثيين أو الوسطيين كفكرة الدين أو الدعوة لدى المتدينين، و لدى السياسيين منهم، كلاهما يستعمل وقت الحاجة، و كلاهما يحتفظ ببريق و بجاذبية مميزة و صلوحية تواجه سياقات الزمن الفاني…
لبورقيبة الإنسان أخطاؤه، و إنزلاقاته ، كما له أيضا مزاياه و مآثره ، يختلف التونسيون من الدارسين و المتخصصين في شأنه، كما يختلف في غيره، و ربما نجد في خفايا الوثائق ما ينسف الفكر اليورقيبي و رمزيته ، و يضعها خارج التاريخ، غير أن رمزية الرجل غلبت فكرة الدراسة و تقليب أوراق التاريخ، فبقينا فيما علمنا حول بورقيبة و البورقيبية كما لقنونا و كما درسونا!!
البورقيبية ، فكرة ملهمة و ملتهبة لعدة أجيال، و في سياقه التاريخي حضي برمزية الديلي لاما، و المهاتما غاندي، و نيلسون مانديلا و كبار الشخصيات المؤثرة في التاريخ و أحداث التاريخ، على مساحة جغرافية واسعة تمتد بين الشرق و الغرب و كسياسي، كان أكثر ميلا لمناطق الجذب و الخصب عازفا عن الداخل و الآفاق، كان رجل تونس بلا منازع، تونس التي تمتد على طول الساحل الشرقي، و كان المعلم الأول، المعمّر و الباني باني تونس الحديثة، تونس البلْدية التي تدير ظهرها للوراء، وراء البلايك، فكان من نتائج ذلك وحود تونسين، تونس الخضراء، و تونس الصفراء، الأولى بعد 60 سنة إستقلال لازالت فارقة، و الثانية غير موجودة أصلا إلاّ في كتب التاريخ،في تونس إحياء بورقيبة من روضته و مماته، و البورقيبية من سباتها كمن يحيي العظام و هي رميم، من المستحسن النظر الى المستقبل بعيدا عن بورقيبة و عن غيره، فلو كان بيننا لأقرّ بما يصدم الأنصار قبل الخصوم…
