ترحيب حذر بتعديل قانون الشغل في تونس

37
ترحيب حذر بتعديل قانون الشغل في تونس
ترحيب حذر بتعديل قانون الشغل في تونس

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. زينب، شابة تونسية قضت مدّة طويلة تعمل في مؤسسة خاصة بعقد معيّن المدة يجدّد كلّ 6 أشهر، وسط شعور ملازم لها بأنها يمكن أن تجد نفسها بلا عمل في أي وقت وعلى أقل زلّة أو تأخير باعتبار أن هذا العقد لا يضمن لها الكثير من حقوقها ولا يحميها في حل تعرّضت للطرد، خاصة وأن المؤسسة التي تشتغل بها تعتمد نظام المناولة (الشركات الوسيطة).

وقد استبشرت زينب كثيرا بالتعديلات في قانون الشغل والتي أعلن عنها مؤخرا خاصة ما يتعلّق بإنهاء العمل بعقود المناولة والعقود معيّنة المدة. وقالت لـ”أفريقيا برس” إنها تتطلّع إلى أن تتمّ المصادقة على هذه التعديلات وتتمّ تسوية وضعيتها بشكل يضمن لها حقوقها ويسمح لها بأن تأخذ قرضا من البنك.

لا يختلف الأمر كثيرا مع نزار، الذي لم يكد يجد عملا بعد سنتين بطالة، حتى فوجئ بالشركة الجديدة تستغني عنه نظرا لظروف اقتصادية تمرّ بها ولا يمكنها أن تستغني عن الموظفين القدماء حتى لو لم يكن مرودهم جيدا وذلك لأنهم “مرسّمين” وعقودهم تحميهم على عكس نزار وغيره من الموظفين الجديد الذين قبلوا بالعمل وفق عقود مؤقّتة على أمل أن تتحوّل إلى عقود ترسيم بعد سنة.

ما عاشه كل من منال ونزار يعيشه الكثير من الموظّفين والعمال في تونس، خاصة من الشباب الذي يبحث عن وظيفة في سوق عمل محدود الفرص، ما يدفعه إلى أن يقبل بأي نوع من العقود والشروط التي يفرضها المشغّل، لذلك وصف الخبير الاقتصادي محسن حسن مشروع قانون الشغل الجديد بأنه “خطوة إيجابية لتكريس العدالة الاجتماعية”.

وفي ذات السياق، يذهب المحلل السياسي باسل ترجمان في تصريحاته لـ”أفريقيا برس”، والتي وصف فيها “المشروع الخاص بتغيير مجلة الشغل بأنه خطوة الثورية من أجل القطع مع منظومة تجسّدت منذ عام 1996 عبر شركات المناولة التي حرمت العمّال من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية”.

وكان الرئيس قيس سعيّد قد اقترح خلال مجلس وزاري، مشروع قانون يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل ومكافحة التحايل على قانون الشغل عبر المناولة وتوضيح الالتزامات القانونية لأصحاب العمل وتعزيز المسؤولية الاجتماعية.

ووفق بلاغ لرئاسة الجمهورية، فقد نظر المجلس في منع مناولة اليد العاملة وتجريمها مع حفظ حقوق من تمّ إنهاء عقود شغلهم معيّنة المدة ومن تم فسخ عقود مناولتهم ابتداء من 6 مارس 2024 لحرمانهم من الانتفاع بالأحكام الجديدة التي سبق لرئيس الجمهورية أن أعلن عنها لأول مرة في التاريخ المذكور، حسب نص البلاغ.

وصدر في 2024 قرار رئاسي يقضي بانتهاء العمل بنظام المناولة لكن بعض الأطراف حاولت الالتفاف على هذا القرار إما عبر إنهاء عقود العمل محددة المدة أو برفت عدد من العمال. وانتقد سعيّد المقاربات السابقة التي وصفها بأنها قائمة على “الترقيع والرتق”، مشددا على أن المطلوب اليوم ليس حلولا جزئية أو إصلاحات سطحية، بل قطيعة تامة مع الماضي الذي وصفه بـ”البغيض” و”الشبيه بالعبودية”.

وقال باسل ترجمان لـ”أفريقيا برس”: “مشروع القانون يحاول قدر المستطاع تعديل وضع غير سوي، وللأسف إن كل الأطراف السياسية والنقابية كانت تغض الطرف عن هذه الممارسات غير القانونية التي كانت تمس عمق النسيج المجتمعي، حيث تحقق هذه الشركات أموال طائلة على حساب الموظفين والعمال”.

لكن، في مقابل أغلبية مؤيدة وصفت التعديلات بـ”ثورة اجتماعية” باعتبار أن المشروع سينهي “العبودية” التي كانت تفرضها عقود المناولة وسيحسن وضعية العمال قانونيا وتوفر لهم استقرارا نفسيا، هناك أصوت معارضة ترى أن هذه التعديلات ستزيد من الضغوط الاقتصادية وأن توقيتها غير مناسب خاصة في ظل الإرباك الحاصل بعد انطلاق العمل بقانون الصكوك الجديد.

وستكون المؤسسات مطالبة بتسوية وضعيات العمال في ظرف 3 أشهر من مصادقة مجلس نواب الشعب على القانون وانطلاق العمل به. وفي حال تجاوز الأجل وعدم تسوية الوضعية، سيتم في بعض الحالات بالنسبة لمن له عقد شغل تجاوز 4 سنوات أو التي تم قطعها بعد تاريخ 6 مارس 2025، يقع ترسيمهم بقوة القانون وفق إجراءات نص عليها التشريع الجديد. وحددت عقوبات تصل إلى 10 آلاف دينار في صورة المناولة بالنسبة للشخص و20 ألف دينار بالنسبة للشركات.

وثمّن الاتحاد العام التونسي للشغل هذه الخطوة، معتبرا أنها سترفع الظلم عن العديد من العمّال والموظّفين.، لكنه في نفس الوقت أبدى الاتحاد تحفظاته على انفراد السلطة بالتعديلات دون تشريك النقابات والممثلين الشرعيين للعمال، مؤكدًا على ضرورة الحوار الاجتماعي وتوافق التعديلات مع الدستور ومعايير العمل الدولية.

وأعرب بعض الخبراء الاقتصاديين عن مخاوفهم من تأثيرات هذا القانون على الاستثمارات الأجنبية في تونس. وقالوا إن التعديلات المقترحة في مجلة الشغل لم تأخذ بعين الاعتبار التبعات السلبية ما قد يفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. وأشار وزير التشغيل السابق، فوزي عبد الرحمان، في تصريح إلى أن “التعديلات المقترحة قد تؤدي إلى زيادة نسب البطالة وموجات تسريح العمال”.

ويبدو أن ذلك بدأ يتحقق، ففي خضم هذا الجدل، ذكرت وسائل إعلام محليّة أن حوالي ثلاثون عاملا في شركة الملح بمنطقة لعذيبات في بن قردان (على الحدود مع ليبيا) دخلوا في اعتصام مفتوح احتجاجا على قرار إيقافهم عن العمل بشكل عشوائي من قبل إدارة الشركة.

وأوضح ممثل عن العمال المعتصمين أن “قرار إحالتهم على البطالة جاء مباشرة بعد إصدار رئيس الجمهورية قيس سعيّد للقانون الجديد الذي يمنع المناولة. وطالب العمال بالتدخل العاجل من السلطات المحلية والجهوية والوطنية لإعادتهم إلى عملهم، مهددين بالتصعيد إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم”.

ونقلت عدة صفحات على فايسبوك أخبار مماثلة عن إيقاف عمال وعاملات نظافة، وأعوان في شركات حراسة وتأمين منذ الإعلان على هذه التعديلات. ووصف فيصل بن عبدالله، الأستاذ في المدرسة العليا للإدارة والمالية، هذه التعديلات بأنها “قرار شعبوي يضرّ بسوق الشغل والاستثمار بدل تحسين أوضاع العمال”. وقال في تدوينة على صفحته على فايسبوك: “المناولة ليست المشكلة، بل تدني الأجور وانعدام فرص العمل. الحل ليس في المنع بل في إصلاح القوانين لضمان حقوق العمال دون خنق الاقتصاد وهروب المستثمرين”.

ويقول شكري عنان، الناطق باسم حركة حق، لـ”أفريقيا برس”: “رغم أننا لم نطّلع بعد على محتوى التعديلات المزمع إدخالها على مجلة الشغل، ولم تتوفر سوى بعض التسريبات، فإنه من المهم القضاء على مظاهر العمل الهش والمناولة لضمان كرامة العامل واستقراره. ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى المسألة من زاوية واحدة، خاصة أن تونس تشهد انكماشًا اقتصاديًا وركودًا غير مسبوق في الاستثمار الداخلي والخارجي، وهما عنصران أساسيان في تحريك عجلة التنمية وخلق الثروة.”

وأضاف عنان أن التعديلات رغم أهميتها، فإنها قد تؤثر سلبًا على أصحاب العمل والمستثمرين، مما قد يؤدي إلى تسريح عدد كبير من العمال وزيادة نسبة البطالة. كما حذّر من أن بعض المستثمرين قد يعزفون عن الاستثمار في تونس، أو قد يختار البعض مغادرة البلاد والذهاب إلى دول مجاورة بحثًا عن مناخ استثماري أكثر استقرارًا، كما حدث بعد 14 يناير 2011.
وفي هذا السياق، شدّد الناطق باسم حركة حق على أن سن القوانين يجب أن يكون مدروسًا بعناية، مشيرًا إلى أن التعديلات على قانون الشيكات، التي أوقفت التعامل بالشيك المؤجل الدفع، تسببت في ركود اقتصادي شمل رجال الأعمال والمواطنين على حد سواء.

لا شكّ في أن مشروع تعديل قانون التشغيل في تونس “ثورة” تهدف إلى تحسين وضعية العمال وضمان حقوقهم، لكنه يواجه تحديات تتعلق بتأثيراته المحتملة على سوق العمل والاستثمارات، مما يستدعي حوارا موسعا بين جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق التوازن المطلوب.

أبرز القرارات المقترحة في تعديل قانون الشغل:

* جميع عقود الشغل ستكون مبرمة لفترة غير معينة

* يمنع منعا باتا التعامل بعقود الشغل الوقتية المحدودة بتاريخ بداية وانتهاء العمل

* يحق للمشغل التنصيص على فترة التجربة للعامل على أن لا تتجاوز ستة أشهر.

* مناولة اليد العاملة ممنوعة وتعتبر جريمة قانونية ويترتب عنها عقوبات مالية.

* تتحول عقود الشغل معينة المدة عند دخول هذا القانون حيز النفاذ إلى عقود شغل غير محددة المدة بصفة ٱلية.

* يعد إنهاء عقود الشغل من قبل المؤجر بصفة أحادية بداية من تاريخ 6 مارس 2024 موجبا لترسيم الأجير بقوة القانون إذا بلغ مدة 4 سنوات من العمل.

* جميع هذه القرارات تنطبق على القطاعين العام والخاص على حد السواء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here