راشد الغنوشي وفن السياسة

70

بقلم : طارق عمراني

يبدو أن الحملة الإنتخابية للمترشح للرئاسية عبد الفتاح مورر قد إنطلقت رسميا ليلة البارحة و كانت ضربة بدايتها مساء في برنامج “يحدث في تونس” من تقديم الإعلامية “إيمان المداحي” على قناة حنبعل، بإستضافة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي كان دقيقا في إختيار توقيت ظهوره الإعلامي بعد أيام قليلة من إنطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها،هذا على مستوى الشكل أما مضمونا فرسائل زعيم النهضة كانت متعددة المضامين و الوجهات و البداية كانت بالتأكيد و كما تعوّدنا من الغنوشي بتثمين “التوافق” الذي أنقذ تونس من مصائر باقي بلدان الربيع العربي التي انزلقت نحو الفوضى و الاحتراب الأهلي و مادام حديث الغنوشي عن التوافق فإن التسلسل المنطقي سيحيلنا حتما إلى الطرف الثاني للتوافق و هو الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، حيث أكد زعيم النهضة على عمق العلاقة الانسانية التي جمعته بثاني أقطاب لقاء البريستول الشهير.

و بعد هذه المقدمة النمطية المعتادة بدأ نسق الحوار بالارتفاع بسؤال مقدمة البرنامج عن سبب ترشيح النهضة لعبد الفتاح مورو و مخالفة كل التوقعات التي كانت تصب في خانة ترشيح شخصية توافقية من خارج أسوار مونبليزير وهنا أكد الغنوشي على ما صرّح يه في مقدمة البرنامج أي التأكيد على التوافق معتبرا ان ترشيح عبد الفتاح مورو لا يتناقض مع هذا الخيار الاستراتيجي بالتأكيد على مواصلة بحث النهضة عن شريك مبررا ترشيح مورو بغياب العصفور النادر الذي يستحق دعم الحركة من غير أبنائها، و هنا كان سؤال مقدمة البرنامج بالتساؤل عن جدية هذا الترشح مع تواتر روايات عن مناورة “غنّوشية” جديدة و صفقة في الأفق بتحسين شروط التفاوض عبر الوصول للدور الثاني في الرئاسية ثم التنازل وبالتالي وجود مرشح سري و آخر معلن و هنا أجاب الغنوشي بنبرة حادة بالتأكيد على دية ترشح مورو و اعتباره مؤهلا لهذا المنصب و له من المواصفات التي تميزه عن بقية المترشحين و هنا تأتي الرجّة حيث أراد الغنوشي بهذا الخطاب الصارم و الحاد إنهاء الجدل المفتعل حول مدى جدية ترشح نائب رئيس الحركة فسعى الغنوشي الى توجيه رسائله لقواعد الحركة بشكل منظّم راوح بين الترهيب و الترغيب حيث أشار و دون مواربة أن أي صوت نهضوي لمرشح غير مورو هو إرباك للحركة ككل بقوله “رشّحنا مورو ماناش نلعبو” وواصل ساخرا “مافيش كلام ياخي مرشحنا الجدي هو عمار بالزور! “…

و بهذه الرجة يكون الغنّوشي قد فنّد بشكل كبير ما ترسّخ لدى جزء من قواعد الحركة من أفكار بثتها جهات محسوبة على مترشحين للرئاسية ممن ينهلون من نفس الخزان لإحداث شرخ في الجسم النهضوي و إستمالة العاطفيين منهم، و بعد ذلك أكد الغنوشي في رسالة طمأنة تلت الترهيب بالتأكيد على انه متأكد من انضباط القواعد و قناعته بأن صوتا واحدا لن يذهب خارج صندوق عبد الفتاح مورو، وفي اعتقادي ان هذه النقطة كانت بيت قصيد إطلالة الغنوشي الاعلامية لإحداث الرجّة النفسية بتحشيد القواعد و و إستنفارها في وقت نموذجي للانطلاق في الحملة بحلم الوصول لقصر قرطاج حيث ركّز الغنوشي على تعداد خصال مورو و اعتباره شخصية توافقية عابرة للأحزاب و انه كان هدية النهضة لتونس و شعب تونس و انه مرشح المصلحة الوطنية لا مرشح الضرورة و قد دفع الامر بزعيم النهضة الى الاعتراف بتنازله لفائدة مورو و مغالبة شهوة السلطة و الحكم، فالايحاء بأن مورو اكثر أهلية للترشح لمنصب الرئاسة أمر ليس بالأمر الهيّن بالنسبة لرئيس حزب بحجم النهضة و بمسيرة سياسية حافلة لشخصية وازنة إقليميا و دوليا مع مسيرة أدبية و أكاديمية ثرية، فالغنوشي أراد لعب الكل لأحداث الرجة النفسية و هو ما قوبل بإرتياح لدى قواعد الحركة من خلال تفاعلهم الإيجابي في مواقع التواصل الإجتماعي و تثمنيهم لرسائل الغنوشي.

و بالتوازي مع هذه الرسالة المحورية فقد كانت الرسائل الفرعية على قدر كبير من الاهمية و هي رسائل موجّهة للقواعد و للخصوم و حتي للمجتع الدولي بالتأكيد على وحدة الحركة الصمّاء و احتكام جميع مكوناتها للمؤسسات و القانون بالتأكيد على أهمية الديمقراطية في حركة لها من العمر نصف قرن كامل مع الإشارة بأن العزلة هي مصير كل من أراد التغريد خارج سربها و من جهة أخرى توجيه رسالة للأحزاب الاخرى بأن النهضة خرجت أقوى بعد احتواء إختلافاتها وحسن إدارتها أما الرسالة الأهم فكانت للمجتمع الدولي و التأكيد على ان النهضة تبقى الحزب المتماسك الذي يضمن استمرارية الاستثناء التونسي و بالتالي ضرورة التعويل عليها مع تفكك المشهد الحزبي و الخلافات التي تعرفها جميع الاحزاب و خاصة الليبرالية التي حاولت مغازلة القوى الاقليمية في 2014 و المراهنة العبثية على تحجيم نفوذ الحركة.

بعد ذلك عاد الغنوشي لخطاب الترهيب من بعض المغامرين من حملة الارث الديكتاتوري الذين اعربوا عن رغبتهم في تغيير النظام السياسي من برلماني لرئاسي و من هنا أشار الغنوشي لرمزية ترشحه في الانتخابات البرلمانية في رسالة بقطع الطريق أمام أي محاولة للعودة الى النظام الفردي و إدارة البلاد فقط من قصر قرطاج.

و في رسالة أخرى لخصومه أشار الغنوشي الى ان من يريد أقصاء النهضة فقد أقصى نفسه و العودة للتأكيد مجددا على أهمية التوافق و الاشارة الى انه ليس للنهضة اي “فيتو” ضد أي حزب و التأكيد على ان تونس تتسع للجميع مع ضرورة التصدي للعنف الخطابي و بعض الاصوات النشاز المنادية بالاقصاء .

نهاية الحوار كانت منهجية حيث عاد نسقه الى الهدوء كما انطلق بعد جوهر مليء بالرسائل، بتأكيد الغنوشي على أن المرحلة القادمة هي مرحلة اجتماعية اقتصادية بالأساس و التأكيد على اهمية التعليم و أنهي الغنوشي الحوار بتثمين الديمقراطية التي تبني الحضارة و الدعوة للتصويت لرقم 14 ليكتمل البدر ليلة 14 مؤكدا أن عبد الفتاح مورو هو مرشّح الحداثة و الأصالة الذي يحمل مقاربة فريدة تراوح بين تكوينه الزيتوني و تعليمه الصادقي بمزيج من البورقيبية و الثعالبية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here