محمد إقبال بن رجب لـ”أفريقيا برس”: ضرورة إنقاذ الأطفال التونسيين بالمخيمات السورية

55
محمد إقبال بن رجب: ضرورة إنقاذ الأطفال التونسيين بالمخيمات السورية
محمد إقبال بن رجب: ضرورة إنقاذ الأطفال التونسيين بالمخيمات السورية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. لا نريد أن نصنع من الأطفال إرهابيون جدد”، بمثل هذا التصريح، دعا محمد إقبال بن رجب، رئيس جمعية إنقاذ التونسيين في الخارج في حواره مع “أفريقيا برس”، “السلطات التونسية إلى ضرورة التحرك وإنقاذ الأطفال التونسيين القابعين بالمخيمات في سوريا وليبيا لما يفرضه الواجب الإنساني”، حيث أن “حرمانهم من التعليم ونشأتهم في خضم مناخ العنف والتطرف، سيحولهم إلى عناصر إرهابية في المستقبل، وهو ما على الدولة الحذر والانتباه منه”.

وانطلاقا من تجربة شخصية مريرة بعد أن فقد أخاه الذي وقع استقطابه من قبل التنظيم الإرهابي، يرى بن رجب أن “المقاربة الأمنية غير كافية لمواجهة المخاطر والتهديدات”، وأن “عملية الإدماج الاجتماعي إجبارية لمن تورطوا في القتال في سوريا، حيث يجب إعادة تأهيلهم نفسيا لتجنب تكرر محاولات الدمغجة والاستقطاب”، لافتا في ذات السياق إلى “ضرورة محاسبة المتورطين في ملف تسفير الشباب إلى بؤر القتال، خاصة أن الغموض والضبابية مازال يشوب هذا الملف”.

ومحمد إقبال بن رجب هو رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج، وهي جمعية هدفها مساعدة التونسيين الذين تقطعت بهم السبل في الخارج خاصة ضحايا الهجرة والإرهاب، حيث تعمل على تسهيل عودتهم إلى البلد بالتنسيق مع الجهات المختصة.

لماذا تستبعد عودة المقاتلين التونسيين من السجون السورية كما ذكرت في تصريح لك مؤخرا، رغم تصاعد المخاوف الأمنية من عودة محتملة لهذه العناصر أعقاب سقوط النظام السوري؟

صحيح، أستبعد عودة المقاتلين إلى تونس، لأنه حسب ما ورد إلينا من معلومات فإن غالبية المقاتلين التونسيين موجودين في السجون الخاضعة لسيطرة الأكراد وتحديدا العناصر الخطرة منهم، وفي تقديري هم يتخوفون من العودة لأن السجن سيكون في انتظارهم كما ستطالهم الملاحقات الأمنية.

ونحن في تواصل مع عائلاتهم الذين أعلمونا بتخوفهم من مصير أبنائهم وتطبيق السلطات قانون الإرهاب بمجرد عودتهم، أما بالنسبة للأطفال والنساء الموجودين في المخيمات، فهو ملف آخر ونحن بصدد التحرك والتنسيق لأجل إيجاد حل والعمل على عودتهم.

تتبنى جمعيتكم مقاربة تقوم على إعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي والنفسي والفكري للذين تورّطوا في القتال في سوريا، هل يمكن شرح هذه المقاربة أكثر، وألا يمكن أن يشكل ذلك تهاونا ويفتح الباب أمام مخاطر أمنية؟

في تقديري المقاربة التي نتبناها هي مقاربة واقعية، على عكس المقاربة الأمنية التي نراها غير كافية في مواجهة هذه المخاطر، وقد سبق أن ركزت السلطات على انتهاج مقاربة أمنية مع الأشخاص الذين حملوا السلاح ضد النظام والدولة التونسية سنة 2007، حيث أرادوا تحويلها إلى دولة خلافة حسب فكر تنظيم القاعدة، وقد وقع سجنهم حينها لكن بعد مغادرتهم السجون إثر عفو تشريعي سنة 2011، هناك من عاد منهم إلى الجريمة وإلى الإرهاب ومنهم من ذهب إلى سوريا وإلى ليبيا والتحق بالتنظيمات المتطرفة، ما يعني أن المقاربة الأمنية لم تنجح في الحد من الاستقطاب نحو الفكر المتشدد.

لذلك، نرى أن إعادة التأهيل والإدماج يساعد في دعم المقاربة الأمنية ويحد من التهديدات، كما يجب الاستفادة من تجارب الدول العربية في تعاملها مع العائدين من أفغانستان مثل السعودية، كذلك يمكن الاستئناس بالخبرة الفرنسية، وهنا علينا مزيد التنسيق مع الدبلوماسيين، كما على السلطات العمل على تسهيل عملية التواصل حتى تتحقق الاستفادة من التجارب المقارنة.

في اعتقادي، فإن إعادة الإدماج يجب أن تكون إجبارية، لأن السجن في حد ذاته ليس حلا، وهو يعيد إنتاج الفكر المتطرف، ويجب الإشارة أنه يوجد برنامج لإعادة الإدماج في تونس وهو موجه للأطفال صادر من قبل وزارة المرأة والأسرة لشرح كيفية التعامل مع الأطفال الذين ولدوا في مخيمات القتال في ظل مناخ العنف والتطرف، وهدفنا من خلال هذه المقاربة حماية المجتمع وتوقف عملية الاستقطاب والدمغجة واستئصال الفكر المتطرف لدى الشباب، وأن لا نتركهم ضحايا لهذه التنظيمات، ولتجنب وقوع أحداث إرهابية، هدف جمعيتنا هو استئصال الفكر الإرهابي من جذوره، كما يجب التذكير في ذات السياق على ضرورة الاستعانة بالفكر الزيتوني لدحر الفكر الجهادي السلفي.

ما هو عدد التونسيين العالقين في السجون السورية حسب إحصائياتكم الأخيرة؟ وهل أن أغلب المسجونين تابعين لعناصر داعش؟

في الواقع ليس لدينا رقم محدد بالنسبة للمقاتلين الموجودين في السجون السورية خاصة للقابعين منهم في السجون الكردية، حيث ترفض السلطات الكردية التواصل مع الجمعيات ومدنا بالمعلومات الضرورية، لكن فيما يخص الإحصائيات المتعلقة بالتونسيين ممن كانوا مسجونين لدى النظام السوري السابق ووفق آخر المعلومات المتوفرة قبل سنوات، فإن عددهم يقدر بـ 43 شخصا، بينهم 7 أشخاص توفوا داخل السجون، وقد توجهوا إلى سوريا في بداية الأزمة وهم ليسوا من المحسوبين على الدواعش، وقد تم إيقاف هذه المجموعة من قبل النظام السوري في نهاية سنة 2012 أثناء تسللهم عبر الحدود التركية، حسب ما ذكرته لنا عائلاتهم، ولا توجد معلومات جديدة بشأنهم.

كيف تقيّم متابعة الدولة لملف تسفير الشباب إلى بؤر التوتر المثير للجدل؟

فيما يخص متابعة الدولة لملف التسفير هناك ضبابية تامة وغموض بشأنه، وقد قمنا بوقفة احتجاجية أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، لمحاسبة المتورطين في تسفير الشباب، والذين حولوا هؤلاء الشباب إلى إرهابيين، ومع الأسف، هناك نوع من الضبابية في هذا الملف ولا يوجد جديد بشأنه، وقد تحول هذا الملف إلى ملف سياسي بالأساس.

فيما يخص ملف الأطفال التونسيين الموجودين بمخيمات الهول والروج، هل سيقع التجاوب مع دعواتكم ودعوات أسرهم بضرورة عودتهم إلى تونس؟

لقد قمنا بعديد من الندوات الصحفية والحملات للتوعية بملف الأطفال التونسيين المتواجدين في المخيمات في سوريا وكذلك في ليبيا وهم من ضحايا تنظيم داعش الإرهابي، وقد تفاعل معنا الرئيس قيس سعيد وتمكنا من إنقاذ ستة أطفال يتامى كانوا في ليبيا سنة 2020، وقد نجحنا في إعادتهم إلى البلد، وأحدثت هذه الخطوة جدلا كبيرا حينها، ثم تمكننا من إعادة نساء رفقة أطفالهن من ليبيا إلى تونس وذلك تحت إشراف الصليب الأحمر، ومازال عدد هام موجود في المخيمات بليبيا وسوريا، لكن هناك شح في المعلومات فيما يخص هذا الملف، ونحن نستمد المعلومة كما ذكرت من خلال التواصل مع عائلاتهم.

برأيي هؤلاء الأطفال أبناء الدواعش هم ضحايا، ونحن متعاطفون معهم إلى أقصى حدود، وسنقوم قريبا بوقفة تحسيسية لأجلهم خاصة أنهم دون تعليم ويعيشون في ظروف قاسية وعلى الدولة إنقاذهم كواجب إنساني، لأنه في حال إهمالهم وحرمانهم من حقهم في التعليم، سنصنع منهم إرهابيون جدد، علينا الحذر والانتباه لذلك، وبالنسبة لنا الحل، هو إعادتهم وإرجاعهم إلى عائلتهم الموسعة، لذلك يجب تحقيق تقدم في هذا الموضوع خاصة أنه لدينا إستراتيجية واضحة في التعامل مع الأطفال العائدين من بؤر التوتر.

كيف وقع استدراج التونسيين إلى تنظيمات الإرهابية، ما هي أسباب استقطابهم الرئيسية باعتباركم من الملمين بهذا الملف؟

في الواقع يجب أن لا ننسى مسؤولية الطبقة السياسية التي كانت تحكم في تونس خلال “العشرية السوداء”، ففي فترة حكم الترويكا برئاسة حركة النهضة، كان هناك من يدعوا إلى التوجه إلى سوريا للجهاد، كما ظهرت في تلك الفترة التنظيمات المتطرفة مثل “أنصار الشريعة” التي كانت تقوم بحملات وخيمات دعوية في كل البلاد تحت مرأى الدولة التونسية وترخيص منها آنذاك، يعني السلطة في حد ذاتها كانت متورطة في استقطاب الشباب إلى سوريا لما يسمى الجهاد أو الثورة السورية، وفي اعتقادي أي شخص يتوجه إلى بلد غير بلده في تلك الظروف سيتحول بلا شك إلى إرهابي، نحن ضد توجه أي تونسي إلى أي بلد بحجة المشاركة في الثورة، نرفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، لذلك نرى أن الدولة كانت مسؤولة عن ذلك، وقد جنت على عديد من الشباب والشابات.

وانطلاقا من تجربة شخصية حيث قام التنظيم الإرهابي باستقطاب أخي، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن استغلوا نفسيته الهشة وحولوه إلى مقاتل في صفوفهم للقيام بتفجيرات وأعمال إرهابية ثم لقي حقه في النهاية، أود أن أشير أن هذه التجربة المريرة التي جعلتني أفقد أخي بعد أن تحول إلى إرهابي، هي التي حفزتني على محاربة كل فكر متطرف يسعى للتغرير بشبابنا إلى المحرقة في سوريا، وقد ركزنا في الجمعية بشكل كبير على الملف السوري، ومسألة استقطاب الشباب انطلاقا من تجربتي الشخصية وهي الجمعية الوحيدة التي اهتمت وركزت على هذا الملف بشكل كبير، ونسعى من خلال عملنا إلى دحر هذا الفكر، الذي سبب المعاناة للكثير من العائلات منها عائلتي، ونحاول بكل ما أوتينا من جهد إنقاذ ما يمكننا إنقاذه، حتى لا يقع الشباب التونسي في شِبَاك هذا الفكر المتطرف مرة أخرى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here