آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تصاعد الحديث في تونس مؤخرا عن توجه الرئيس قيس سعيد إلى حوار وطني يجمع كل الأطراف السياسية باستثناء حركة النهضة بهدف تقوية الجبهة الداخلية وإيجاد حلول مشتركة لأزمات البلاد، غير أن أوساط سياسية تستبعد هذه الفرضية، في ظل عدم مراجعة الرئيس موقفه من الأحزاب والأجسام الوسيطة والإصرار على تهميشها.
وأكد محمد المسيليني القيادي في حركة الشعب والوزير السابق في حواره مع “أفريقيا برس”، أنه لم “يقع تسجيل أي اتصالات بين السلطة مع أي طرف سياسي سواء من المعارضة أو الموالاة”، وأنه “لا توجد أي بوادر تشير إلى تغير خيارات الرئيس في علاقة بالأجسام الوسيطة”.
وكشف أن “حركة الشعب أخذت مسافة من السياسات المعتمدة واختارت التموقع في المعارضة حيث لا يوجد أي علاقة الآن للحركة مع السلطة، كما أنها متمسكة بدور الأجسام الوسيطة في المشهد، لافتا أن “أصعب ما يواجه الحكم القائم حاليا هو غياب برنامج اقتصادي، وأن “الحلول الشعبوية غير قادرة على تحريك الاقتصاد خاصة في زمن تعيش فيه البلاد على وقع ما يشبه الاستقالة الجماعية والشعبية من الشأن العام”. وفق تعبيره.
ومحمد المسيليني هو سياسي تونسي ومن مؤسسي حركة الشعب، وقد شغل منصب وزيرا للتجارة ضمن حكومة إلياس فخفاخ سنة 2020.
هل يتجه الرئيس التونسي إلى حوار وطني شامل مع كل الأطراف السياسية باستثناء حركة النهضة وفق ما توقعته تقارير إعلامية، أم أن شروط الحوار الوطني مازالت غير متوفرة، باعتبار أن الرئيس سعيد لم يراجع موقفه بعد من الأحزاب أو المنظمات الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل؟
أعتقد أن الحديث عن حوار وطني بالمفهوم المتعارف عليه حديث غير دقيق، وتوجد مؤشرات على ذلك رغم تأكيد الرئيس قيس سعيد على الوحدة الوطنية، فمن ناحية التقرير المشار إليه تحدث عن اتصالات مع بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، وحسب علمي ومعرفتي بالساحة السياسية لم يسجل أي اتصال من الرئاسة أو أي طرف من السلطة مع أحزاب الموالاة أو المعارضة، ومن ناحية ثانية خرج علينا بعض الشراح في الإعلام وفي وسائل التواصل الإعلامي ليقولوا أن المقصود بالحوار الوطني ليس مع الأجسام الوسيطة، بل مع مؤسسات الدولة التي يجب أن تشتغل بتناغم أكبر.
الرئيس قيس سعيد تحدث في أكثر من مرة عن “وحدة وطنية تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار”، هل يقصد بهذه الوحدة الانفتاح على المعارضة، أم أنه يقصد الشارع حتى لا ينجر إلى الاحتجاجات وتستفيد منها أطراف أخرى؟
في موضوع الوحدة الوطنية لا توجد مؤشرات جدية وحقيقية على بوادر تغير في خيارات الرئيس سعيد في علاقة بالأجسام الوسيطة بما في ذلك الاتحاد العام التونسي الشغل، لذلك يرى البعض أن الحوار المطروح لا يعدو أن يكون شكل من أشكال التعاطي مع مؤسسات الدولة من إدارة ومجالس وبعض المقربين والداعمين للرئيس من غير الأحزاب لا غير، الرئيس بني كل رؤيته على تهميش الأجسام الوسيطة، لذلك من الصعب التراجع واعتبارها جزء من الحل وتشارك فيه، الرئيس سعيد يعتمد أسلوب مخاطبة الشعب مباشرة متجاوزا بذلك حتى مؤسسات الدولة بمن فيهم الحكومة والوزراء.
كوزير تجارة سابق هل تعتقد أن مشكلة قيس سعيد الآن ليست سياسية بل كيفية تحريك دواليب الاقتصاد في ظل الظروف الصعبة وغياب التمويلات، وماهي الحلول والإصلاحات التي تراها ضرورية لأجل تحسين الأوضاع المالية بالبلاد؟
من أصعب ما يواجهه الحكم القائم الآن هو غياب برنامج اقتصادي ورؤية اقتصادية تسمح بتحريك الاقتصاد وخلق الثروات من خلال نسب نمو الناتج الوطني بمستويات مقبولة، الرئيس يردد دائما أن الشعب يريد ويعرف ما يريد، وأن الحل في محاربة الفساد وبعث الشركات الأهلية لحل مشكلات الاقتصاد التونسي من نمو وبطالة وندرة مواد استهلاكية وتدني خدمات وارتفاع غير مسبوق للمديونية، وهي حلول قد تساهم بنسب ضعيفة في تحريك عجلة الاقتصاد، ولكنها تبقى حلولا طوباوية شعبوية في زمن تعيش فيه البلاد على وقع ما يشبه الاستقالة الجماعية والشعبية من الشأن العام.
طبعا هناك صعوبات حقيقة في تمويل الميزانية، وقد عوضت الحكومة الاتفاق مع صندوق النقد بالاقتراض المشط من السوق المالية، وبالإعتماد على السوق الداخلية إلى حد الافتراض من البنك المركزي، مما سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التضخم، كما أن التعويل على الذات يترجم بالحد من التداين الداخلي والخارجي، ووضع سياسات تمكن من تحقيق نسب نمو عالية وتعيد هيكلة الدولة مع رقمنة الإدارة، علما وأن القاعدة المتعارف عليها زمن الأزمات أن الدولة هي من تتولى مهمة التحريك من خلال حزمة من المشاريع الإستراتيجية المهيكلة، أيضا ضعف الاستثمار الداخلي والخارجي له مبرراته ما لم توضح علاقة السلطة بالمستثمرين وأصحاب الأعمال، لذلك تونس في حاجة لمعالجة بعض الملفات الكبرى التي من دونها لا يمكن حل وضعية الاقتصاد التونسي، وهي الطاقة والماء والإنتاجية والتصحر الصناعي،والفساد خاصة في الصفقات.
هل ترى أنه على الدولة الانفتاح والاستماع إلى رجال الأعمال والأطراف الفاعلة اقتصاديا وماليا للحصول على دعمهم وإنجاح سياسة الاعتماد على الذات التي تنادي بها؟
الواضح أن مستوى الثقة بين السلطة وأصحاب الأعمال متدنية وخاصة على إثر الاعتقالات والمحاكمات الأخيرة، وقد تكون السلطة على حق في بعض الملفات ومع بعض الأشخاص، ولكن الأمر أثر بشكل سلبي على النشاط الاقتصادي، ويجب توضيح الخط الفاصل بين التصدي للفساد والتضييق على أصحاب الأعمال، وكأن بالرئيس يسعى لخلق طبقة جديدة من رجال الأعمال، وفي غياب التواصل مع الشعب والإعلام لتوضيح كل ما يجري، و في ظل السكوت الدائم للرئيس والحكومة، يصبح كل شيء موضع شك وريبة بالضرورة.
في ظل المخاوف الأمنية من تداعيات التغيير في سوريا على الأمن بالبلد بسبب عودة محتملة للمقاتلين التونسيين، كيف يمكن مواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية المتزايدة أعقاب التحولات الجارية بالمنطقة؟
ما حصل في سوريا خطير وأعطى انطباع عند البعض بإمكانية نسخه في تونس ومصر والجزائر وغيرها من البلاد العربية، وقد رأينا حالة من الانتشاء عند البعض، إضافة لذلك هناك خطر حقيقي في موضوع عودة الإرهابيين، خاصة أن البعض يتحدث عن عمليات نقلهم من سوريا إلى الغرب الليبي وبالتحديد قاعدة الوطية، التي تبعد عن الحدود مع تونس قرابة 25 كم، ومواجهة هذه المخاطر يكون على واجهتين: الأولى هي الواجهة الأمنية والعسكرية وأخذ الحيطة من الخلايا النائمة في الداخل، أما الواجهة الثانية، فهي شعبية أي التفاف الشعب وكل قواه السياسية والاجتماعية حول السلطة والدولة إذا أقدمت على بعض الإصلاحات المطلوبة وطرحت حوار وطني حقيقي.
ما هو تموقع حركة الشعب وخطوطها السياسية العريضة بعد الانتخابات الرئاسية، هل ستختار مواصلة دعم مسار 25 جويلية أم ستمضي في معارضته، وهل أن الموقف من 25 جويلية قاد إلى أزمة داخلية بالحركة؟
في موضوع حركة الشعب وتموقعها السياسي، لا بد من التأكيد على أنه لم يعد معنى للحديث عن 25جويلية، كان هذا التركيز لإعطاء شرعية سياسية وشعبية لما حصل أما وقد حصلت انتخابات الرئاسية وأعلن فوز الرئيس بها، فالشرعية صارت انتخابية شعبية وانتهى بذلك الحديث على 25 و 24، وحتى الأطراف التي كانت تقول أنه انقلاب في أغلبها شاركت في الانتخابات الرئاسية بشكل أو بآخر.
حركة الشعب حزب يحدد مواقفه من خلال المنجزات على الأرض، وهي الآن وبعد تقييم لهذا المسار اختارت موقع المعارضة بالترشح ضد الرئيس، وبعدم التصويت بـ”نعم” لقانون المالية، أما موضوع اختلاف الآراء داخل الحركة فهذا أمر عادي، فالأحزاب أجسام حية تتطور وتتغير، وهو الحزب الوحيد تقريبا الذي مازال يحاول العمل والتمسك بدور الأجسام الوسيطة في الحياة السياسية.
ما رأيكم في الانتقادات التي تطال حركة الشعب بأنها ساق في 25 جويلية وأخرى فيما قبلها؟
في موضوع الانتقادات كانت الحركة دائما عرضة لها، وأذكرك مثلا بموضوع حكومة الرئيس أو علاقة الحركة بمحور المقاومة وغيرها، صحيح حاولنا أن نكون مع الرئيس ونقدم له ما نراه في إدارة الشأن العام دون أن نكون معنيين بأي وظيفة، عكس ما يدعي البعض، ولكن التطور الطبيعي والأمر العادي أن الحركة تقوم بعملية تقييم، وقد بدأ التقييم قبل الانتخابات الرئاسية بمدة، وبدأت مواقف الحركة وخطابها يأخذ مسافة من السياسات المعتمدة، ولا يوجد أي علاقة للحركة الآن مع السلطة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس