آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. وجّه النائب في البرلمان التونسي، أحمد بنور، في حواره مع “أفريقيا برس”، انتقادات لاذعة لأداء السلطة في تونس، معتبرًا أنه “لا يمكن حل مشاكل البلاد بأيادٍ مرتعشة”. كما أقرّ بـ”فشل البرلمان في القيام بمهامه بسبب عدم التجانس مع الحكومة، وغياب التفاعل مع مقترحات النواب التشريعية، خاصة في الملفات الحارقة مثل الفساد، والأموال والعقارات المنهوبة”.
ورأى بنور أن “تعليمات الرئيس قيس سعيد في وادٍ، وتوجهات الحكومة في وادٍ آخر، مما زاد من تعقيد الأزمات بدل حلّها”، مشيرًا إلى أن “معارضة الرئيس لأداء الحكومة باتت واضحة في الآونة الأخيرة”. كما حذّر في ذات السياق الرئيس سعيد من “مغالطته بعدم الاطلاع الكافي على حقيقة الأوضاع في البلاد”، مبينًا أن “الإشكال الحقيقي في تونس يكمن في القصور عن إيجاد الحلول، والعجز عن تلبية احتياجات المواطن”.
ويُذكر أن أحمد بنور نائب في البرلمان التونسي عن دائرة المهدية، وهو عضو في كتلة الأحرار، وعضو في لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية.
ذكرت في آخر تصريح لك أن البرلمان لم يحقق تطلعات الشعب وأن تقييم أدائه لا يتجاوز 5/10، برأيك ماهي أسباب هذا الفشل؟
حسب تقديري من أسباب فشل البرلمان والأداء الحكومي بصفة عامة، هو سوء الاختيارات والتعيينات الغير ملائمة للمسؤولين، والتي تتطلب أهل الاختصاص والميدان وليس تعيينات لمجرد التسيير والإدارة، كذلك البطء في أخذ الإجراءات اللازمة وتواصل التعطيل الإداري الذي يقف عائقا أمام فرص إنقاذ ما يجب إنقاذه في بعض الملفات، مثل ملف المبلغين عن الفساد، وإعادة الأموال المنهوبة، وإعادة العقارات المنهوبة، ولجنة المصالحة، كل هذا قاد إلى عودتنا إلى الوراء بدل التقدم والنهوض البلاد، كما نقر أنه لم يقع تحقيق مطالب وتطلعات الشارع إلى الآن.
ذكرت كذلك أن النواب اكتشفوا أن هناك ملفات ليست من صلاحياتهم بل من صلاحيات السلطة التنفيذية، ماهي هذه الملفات، وهل يعني ذلك أنه بالفعل صلاحيات البرلمان محدودة وصورية في النظام السياسي الجديد؟
من مهامنا كنواب بالبرلمان هو التشريع والرقابة، والربط مع السلطة التنفيذية للاستجابة لمطالب الناس اليومية خاصة التي تهم الخدمات، لكن في المقابل ليس لنا الحق في تعديل المراسيم الرئاسية، من مهامنا فقط تعديل القوانين، كل المراسيم التي يصدرها الرئيس لا يمكننا تعديلها وتنقيحها، وبالفعل صلاحيات البرلمان محدودة لكن مع عدم تجاوب الوزارات والحكومة فإننا نشعر بالخيبة والإحباط أكثر، وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة أنه لا يقع الرد على جميع تساؤلاتنا الكتابية من قبل أعضاء الحكومة، وحتى إن وقع الرد فهي مجرد ردود خشبية، لذلك صلاحياتنا ليس كما يتوقعها المواطن، نحن لدينا الحق في المحاسبة فقط عبر الأسئلة الكتابية، ليس لدينا عصا موسى، ليس لدينا تأثير كبير على السلطة التنفيذية، فقط نراقب ونبلغ أهل الذكر.
صرحت بأن هناك فجوة بين الحكومة والبرلمان، كما أن الرئيس تحول إلى موقع المعارضة، هل يعني هذا تنصلا من الفشل؟
الفجوة سببها أن خطابات وتعليمات الرئيس في واد وتوجهات الحكومة في واد آخر، على سبيل المثال في ملف المهاجرين الأفارقة والأموال المنهوبة والعقارات المصادرة، حين نستمع إلى الرئيس نقول أن الأوضاع ستنفرج وستكون هناك حلول لكل هذه المشاكل، وأن تونس ستكون جنة على وجه الأرض، لكن للأسف على أرض الواقع نجد أياد مرتعشة والعديد من المسؤولين والوزراء لا يتخذون القرارات اللازمة، هم عاجزون حتى على أخذ القرار.
وفيما يخص ما وصفته بتحول السلطة نحو المعارضة، فأريد التوضيح أن ما قصدته بالمعارضة بمعنى رفض الشيء وهو ما يبديه الرئيس قيس سعيد في أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، مثلا أبدى رفضه لأداء وزيرة المالية بإعفائها فورا من منصبها لأنها لم تتقدم في ملف لجنة المصادرة، كذلك عبر عن رفضه لأداء الحكومة خلال زيارته الميدانية للجهات والمصانع، لقد بات الرئيس معارضا للحكومة، كذلك نحن كنواب، أردنا أن نحقق ما يصبو إليه الوطن والناس، لكن هناك وزارات لا تتفاعل معنا، هذا هو مفهوم معارضة الحكومة الذي أردت الإشارة إليه، يجب أن يقرأ الناس من وراء السطور، نحن نعارض أداء الحكومة لأنه لا يرتقي إلى مستوى التطلعات.
قلت أن هناك عرقلة مستمرة تواجهكم من قبل بعض الوزارات مثل وزارة المالية، كيف ذلك؟
طبعا هناك عرقلة، لقد دعونا مثلا إلى دمج السوق السوداء لتنظيم السوق لكن وزارة المالية تجاهلتنا كأنها مصرة على تشجيع التجارة الموازية، دعونا كذلك إلى ضرورة استخراج جواز سفر جبائي للاستظهار به خلال كل خدمة عمومية، كما دعونا إلى تنظيم عمليات البيع عن بعد والدعاية لبعض المشاريع التجارية، لكن لا تجاوب معنا من قبل الوزارة.
وفي اعتقادي لتحسين الأوضاع المالية للبلاد، لا يمكننا الاكتفاء فقط بالمصادقة على القروض، بل يجب جمع أموال الدولة المنهوبة في الداخل والخارج، وشخصيا قررت عدم المصادقة على أي قرض من هنا وصاعدا، الحلول موجودة في ظل ما نتمتع به من رأس مال بشري ومن طاقات وكفاءات، لكن علينا حسن الاختيار خلال التعيينات وفي إدارة الملفات ومنحها لأهل الاختصاص والمتمرسين، كذلك يجب إعادة هيكلة التفقديات التي ثبت فيها شبهات فساد.
ما هو تقييمك لمعركة الرئيس التونسي ضد الفساد؟
نحن أشدنا بكلام وتحركات الرئيس في هذا الملف وندعم معركته ضد الفساد والمفسدين، لكن على أرض الواقع فإن الفرق شاسع بين النظري والتطبيقي، هناك عديد الملفات مازالت تراوح مكانها، مثلا لماذا لم تتم إلى الآن محاسبة الأسماء المذكورة في أوراق بنما، أين العقارات التي وقع مصادرتها والتابعة لحزب التجمع الدستوري، لقد تمت مصادرتها لفائدة الغير للأسف، برأيي الفساد مازال مستشريا في البلاد، ما تغير فقط هو أسماء الفاسدين، كما يجب تذكير السلطة بأنه يجب أن تتساوى جهودها في المحاسبة مع جهودها في النهوض بالتنمية، ليس فقط الاكتفاء بالملاحقات القضائية.
هل تتوقع عودة الاحتجاجات الاجتماعية في حال عجزت الحكومة عن الاستجابة لمطالب العاطلين عن العمل تحديدا؟
في الواقع لا نأمل ذلك، لأن وضع البلاد لا يحتمل، لكن في المقابل علينا تغيير العقلية السائدة في التعاطي مع الأزمات، لقد تبين أن الاكتفاء بتغيير الوزراء لم يأتي أكله، وبالنسبة لتحركاتنا كنواب في مواجهة أزمة البطالة، فإننا ننادي بشكل مستمر بالحق في التشغيل، وقد صادقنا على حوالي 12 ألف خطة جديدة تشمل ملف المعطلين عن العمل، ودائما ما نعبر عن دعمنا بشكل خاص للدكاترة العاطلين وندفع إلى تشغيلهم، لكننا لسنا المسؤولين عن تشغيلهم بل الحكومة عبر ضبطها لإستراتيجية واضحة، وهو ما نفتقده حاليا، للأسف لا يمكننا حل الأوضاع وإدارة كل هذه المشاغل بأياد مرتعشة.
حذرت الرئيس قيس سعيد إلى ضرورة الانتباه من محاولات مغالطته، هل تعتقد أن الدائرة المقربة من الرئيس وراء الأخطاء في إدارة أزمات البلاد؟
نعم نحن نتوجس من مغالطة الرئيس سعيد، لا أعتقد أنه يخفى على الرئيس معدلات البطالة المرتفعة والفساد ومحاولات التستر عليه، بالتأكيد هو على دراية بذلك، لكن في حال أن يتم إخفاء حقيقة الأوضاع عنه فيا خيبة المسعى.
هذه الدعوة هي تنبيه للرئيس حتى لا يتكرر ما وقع في السابق وللتوقي من المغالطات، لأننا لا ترى الحلول على أرض الواقع، فقط التشخيص، كل الناس وكل الأطراف تكتفي بالمعارضة، لكن من يقترح ومن يطبق الحلول لم نجده بعد، الإشكال الحقيقي في تونس هو القصور في إيجاد الحلول في الوقت الذي زاد فيه التوجه نحو المديونية، وهو ما سيكون له آثار سلبية، وإجمالا كل ما يشغلنا في البرلمان هو”قفة” المواطن وأوضاعه المعيشية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس